سوريا
23 نيسان 2019, 09:29

ماذا يقول البطريركان يوحنّا العاشر وأفرام الثّاني في ذكرى اختطاف مطراني حلب؟

في الذّكرى السّادسة لاختطاف مطراني حلب، وفي مطلع الأسبوع العظيم لدى الطّوائف الشّرقيّة، توجّه بطريرك الرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر وبطريرك السّريان الأرثوذكس إغناطيوس أفرام الثّاني، برسالة جاء فيها:

 

"أيّها الإخوة والأبناء الرّوحيّون الأعزّاء، المسيح قام، حقًّا قام.

نستبق اليوم حدث القيامة المتجدّدة لنتوجّه إليكم بسلام الفصح من مطلع الأسبوع العظيم. لقد شاءت الأيّام أن يطابق هذا اليوم الثّاني والعشرون من نيسان أوّلَ مسيرة الأسبوع العظيم في كنيستينا. وفي مثل هذا اليوم خطف أخوانا المطرانان يوحنّا إبراهيم وبولس يازجي مطرانا حلب للسّريان الأرثوذكس وللرّوم الأرثوذكس. يحتلّ هذا اليوم في هذا العامّ رمزيّةً خاصّة. فخطفهما يمثّل لنا جميعًا بداية درب آلام تختزل شيئًا يسيرًا ممّا تعرّض له إنسان هذا المشرق عمومًا ومسيحيّوه خصوصًا. وإذ نقول هذا لا نقوله مدعاةً ليأسٍ، لا سمح الله، بل تأكيدًا منّا أنّ درب الآلام اختتمَه نور فجر قيامة.

في مثل هذا اليوم من عام 2013 خطف المطرانان أثناء عودتهما من أنطاكية على الحدود السّوريّة التّركيّة. ومن تلك اللّحظة إلى هذه، لم تتوقّف التّحليلات والتّساؤلات عن هذا الملفّ الّذي يرخي بظلاله إلى يومنا هذا على واقع مسيحيّي المشرق. ومن تلك اللّحظة لم نأل جهدًا في البحث ولو على طرف خيطٍ في هذه القضية.

إنّ كرامة ومصير المطرانين هي تمامًا من كرامة ومصير إنساننا المشرقيّ والمسيحيّ والّذي يدفع إلى الآن ضريبة الحروب على أرضه وضريبة الدّمار والعنف والخطف. إنّ كرامتهما من كرامة هذا الشّرق الّذي يئنّ تحت وقع الصّراعات الخارجيّة والدّاخليّة ويدفع إلى الآن ضريبة الإرهاب والعنف تهجيرًا وخطفًا وقتلاً. إنّ كرامتهما من كرامة هذا الشّرق الّذي يئنّ تحت تزييف الشّعارات وتعسيل المسمّيات وتسميم الرّأي العالميّ بالتّكاذب الإعلاميّ في كثيرٍ من الحالات. نقول كلّ هذا، من مرارة ما نشعر به من تجاهلٍ وتغاضٍ. وإذ نذكر المطرانين في هذا اليوم يتوارد في ذهننا أيضًا الكثير الكثير من أبناء هذا البلد الّذين نابهم المصير ذاته.

إنّ ما يؤسفنا في حالة الخطف هذه هو التّعتيم الكامل تجاهها. وما يؤسفنا أيضًا هو التّباكي العالميّ والتّعاجز الدّوليّ أمام ملفٍّ كهذا. نشكر من القلب كلّ من شاركنا ويشاركنا الصّلاة والتّضرّع. لكنّنا ننتظر ممّن أنيطت بهم لغة القرار من القوى الكبرى والمنظّمات الدّوليّة وغيرها ومن الحكومات وأجهزتها الضّغط لإغلاق هذا الملفّ بعد مضي هذه السّنوات بالكشف عن مصير أخوينا. إنّ التّعتيم على هذا الملفّ من قبل الرّأي العامّ يوازي في مراراته الخطف ذاته ويوازي التّعتيم الّذي شاءه الخاطفون. إنساننا ليس أبخس ثمنًا من أيٍّ كان. والخطف هو وجهٌ من أوجه الإرهاب. لقد حذّرنا مرارًا وتكرارًا من تسليع الإرهاب وتدْيِيْنِه ومن توسُّله كورقةٍ مسمومة لاستهداف الدّول وخلق الفوضى وتصريف السّلاح. وإذ نقول هذا، نلفت إلى أنّ الإرهاب يجد جذره الأوّل في الفكر الإيديولوجيّ القائم على إلغاء الآخر والمتبرّئ من كلّ دينٍ مهما ادّعى إليه سبيلاً هو الأخطر. وإن ما نشهده الآن من حريق متنقّل من أدنى الأرض إلى أقصاها ومن استهداف وتلذّذٍ بالقتل يطال المسلمين والمسيحيّين وغيرهم على السّواء ما هو إلّا نتيجة لما نبّهنا إليه.
في العام الماضي وفي اليوم ذاته شدّدنا على بعض الثّوابت ولا بأس الآن أن نكرّر ونؤكّد بعضًا منها؛

إذا كان المقصود من خطف مطرانَيْنا الإيحاء بأنّ المسيحيّين هم على درجة أدنى من المواطنة فمن هنا، كلمةُ حقّنا قاطعةً بأنّ المسيحيّين في سوريا وفي غيرها هم مواطنون أصلاء وهم مكوّنٌ أساس من مكوّنات هذه الأوطان.

إذا كان المقصود من خطف مطرانينا ترهيب ما يسمىّ بالأقلّيّات، فجوابنا واضح: نحن نرفض منطق الأقلّيّة والأكثريّة وآباؤنا وأبناؤنا كانوا مع غيرهم عماد الوطن والجيش وشركاء الدّمّ والشّهادة مع كلّ المكوّنات الأخرى في وجه من حاول ويحاول التّطاول على أوطاننا.

إذا كان المقصود من الخطف ترهيب المسيحيّين بشكل خاصّ ودفعهم إلى الهجرة، فجوابنا: إنّ وجودًا مسيحيًّا عريقًا لألفي عام ليس له أن تلويه شدّةٌ مهما عظمت. ونحن من صلب هذي الأرض ونحن خميرها ومغروسون فيها منذ ألفي عام.

إذا كان المقصود من الخطف تقوية النّعرة الطّائفيّة وبثّ روح التّكفير تجاه الآخر، فنحن نرى أنّ هذه الايديولوجيّات المتطرّفة غريبة عن ماضي وحاضر حضارتنا المشرقيّة، ونحن كمسيحيّين نرى في الآخر محكّ محبّتنا وتقوانا لله ونرى فيه، ونأمل ونثق أن يرى فينا، مبَرّةَ مسعاه إلى رحمانيّته تعالى.

إذا كان المقصود من الخطف والتّغييب الإيحاء بأنّ هنالك صراعًا بين المسلمين والمسيحيّين في الشّرق، والادّعاء أنّ الشّرق مسلم والغرب مسيحيّ، فنحن هنا لنشهد أنّ المسيحيّة وُلدت في الشّرق والأحداث الآثمة الأخيرة لم توفّر لا كنيسةً ولا مسجدًا وأنّ نار الإرهاب لم تفرق شيخًا أو كاهنًا والمستهدف من وراء كلّ هذا هو الإنسان المشرقيّ.

وإذ نقول هذا نضع نصب أعيننا أنّنا لم ولا ولن نألو جهدًا في سبيل إطلاقهما وإغلاق هذا الملفّ. ونضع أيضًا نصب أعيننا أنّ القيامة أعقبت آلام الرّبّ. ونؤكّد من جديد أنّ مسيحيّي هذا الشّرق وهم على المصلوبيّة مبصرون وهج القيامة. نحن مغروسون في هذا الشّرق وثابتون فيه بطيب علاقةٍ مع الأخ المسلم وراسخون فيه برجاء القيامة المجيدة.

نصلّي أن يزيح المسيح ثقل الحجر عن القلوب ويبلسم بعزائه كلّ ملتاع. ونتوجّه إلى أبنائنا في حلب بسلام القيامة ونرفع صلواتنا معهم من أجل عودة المطرانين وعودة كلّ مخطوف. ونصلّي مع أخوينا المطرانين ومع كلّ ملتاعٍ ومضنوك في هذه الحياة قائلين: بشدّتنا وضيقنا نسجد لآلامك أيّها المسيح، فأرنا قيامتك المجيدة.

المسيح قام، حقًّا قام".