لبنان
05 شباط 2020, 09:45

ماذا يقول الأب يوسف مونّس عن مار مارون والموارنة في لبنان والعالم؟

تيلي لوميار/ نورسات
من الآية الإنجيليّة في الكتاب المقدّس القائلة "لنمدح الرّجال النّجباء الّذين ولدنا منهم" (يشوع بن سراخ 44/1)، انطلق الأب البروفيسور يوسف مونّس ليضيء على مار مارون والموارنة في لبنان والعالم، فكتب: "مار مارون من هو وما يمّيزه عن بقيّة النّسّاك والقديّسين؟ الموارنة من هم؟ وما هي شخصيّتهم المميّزة بين بقية الشّعوب والجماعات؟

بين تلّة قورش: هناك مارون، وتلّة عنّايا: وهنا شربل على التّلة، هناك في القورشيّة ركع الرّاهب النّاسك مارون بجسمه النّحيل الّذي ذوّبه الصّيام والتّقشّف وأضعفته الإماتات والزّهد والصّلاة اللّامتناهية. وهنا يركع شربل على طبق القصب. الرّاهب النّاسك مارون يقف في العراء في حرّ الصّيف ولهيب الحرّ وصقيع البرد والثّلج والشّتاء لا سقف فوق رأسه ولا غطاء يحمي جسده الّذي أصبح كالخيال. تلفّ الشّمس جسده النّحيل، ويخرق البرد جسمه والصّقيع والرّيح والمطر.

مار مارون نهج نهجًا مميّزًا بالزّهد والنّسك والسّعي إلى لقاء المطلق المثلّث الأزليّ الّذي هو الله وعلى تلّة عنّايا نسك شربل كما نسك مارون على تلّة قورش.

 

فرادة سلوكيّة مميّزة

هذه الفرادة في السّلوكيّة والحياة طبيعته وطبعت تباعه الموارنة من بعده، نمط عيش مميّز في حياة مارون ونمط عيش مميّز في حياة الموارنة وسلوكهم. تألّقت في حياة الرّهبان والرّاهبات القدّيسين الموارنة: شربل، رفقا، نعمة الله، إسطفان وسواهم العديد من البطاركة والمطارنة والكهنة والعلمانيّين والعلماء والمفكّرين والشّعراء والفنّانين والأدباء والقادة والرّؤساء الموارنة.

 

تناغم بين الثّيولوجيا والأنتروبولوجيا

من ثيولوجيا التّجسّد وأنتربولوجيا الحياة والقيم والسّلوك صلة قويّة جعلت من المارونيّة هذا التّناغم الفريد بين التّيّار اللّاهوتيّ الفكريّ وتجسّداته الحياتيّة المعاشة في جلوس العائلة حول طبق العيش الواحد واقتسام رغيف الخبز الواحد والالتفاف حول بطريرك واحد وعقيدة واحدة وتعليم واحد.

 

المارونيّة وردة بين الأشواك

فكان الموارنة والمارونيّة كوردة بين الأشواك، فحوّلت الجبل إلى جنّة غناء حيث حفرت الصّخر وجمعت التّراب حبّة حبّة لتزرعها مروجًا من الكرمة والزّيتون والقمح والسّنديان. شبرًا شبرًا شغل الأرض جدًّا جدًّا وجمع حبّات التّراب حتّى جعلت من جبل لبنان أرض حرّيّة وفردوسًا من الجمال والخير، ومن لبنان أرضًا خضراء تجاه الأراضي الصّحراويّة المحيطة به. وكما قال المونسنيور ميسلن من القرن التّاسع عشر: "لبنان عمل الموارنة".

 

المسيح إله كامل وإنسان كامل

المارونيّة هي هذا التّيّار الزّهديّ النّسكيّ النّابع من روحانيّة العائق في العراء ومن الجوّ الفكريّ الأنطاكيّ المشرقيّ المطعّم بالسّريانيّة والآراميّة واليونانيّة، وجميع التّيّارات الفكريّة واللّاهوتيّة والفلسفيّة في تلك البؤرة من أفاميا والتّراث الحضاريّ الفكريّ الأنطاكيّ الخلقيدونيّ (45) حول فهم شخصيّة المسيح في كنيسته كأنّه كامل، وكإنسان كامل في وحدة لا تقبل الانفصال في طبيعة إلهيّة كاملة وطبيعة إنسانيّة كاملة. توازن واتّزان طبع كلّ تاريخ مسار المارونيّة.

 

الأباتي بولس نعمان

بإنفتاح من دون ذوبان، وانفلاش وتجذّر من دون انكماش وانغلاق (الأباتي بولس نعمان، المارونيّة ما هي؟ كتاب مار مارون صلاة المساء والصّباح والزّيّاح، الكسليك 1979 ص 25 59، 60، 61).

وما يقوله الدّكتور كمال الصّليبي يندرج كلّيًّا في هذا الخطّ: "صلّوا في الوقت ذاته بدون سابق تصوّر أو تصميم من المحافظة على حقّ الإنسان في الحرّيّة والعيش الكريم، ومن المساهمة في خلق وطن يضمن هذا الحقّ لأبنائه" (المرجع السّابق ص 57).

أمّا الدّكتور شارل مالك فقال: "... إنّه لولا المارونيّة لما وجد لبنان... مصير لبنان يقع في الدّرجة الأولى على عاتق الموارنة... هنا مجد المارونيّة وفخرها: إنّ مصير لبنان وجودًا وكيانًا منوط بها أكثر من غيرها. هي العناية الّتي شاءت هذا المجد والفخر والّتي عيّنت هذا الدّور التّاريخيّ الحاسم...» (المرجع السّابق ص 58) (في ديار مار مارون، غسّان الشّامي بيروت 2010).

 

ما كتبه الكاتب الفرنسيّ لامارتين وكان دومًا يردّده صديقي الرّاحل الأستاذ الوزير ميشال إدّه: تعال عند الموارنة لترى هذه الإنسانيّة الرّائعة في الزّهد والعمل والانفتاح، والتّضحية والأمانة والتّواضع والمحبّة والضّيافة وقبول الآخر المفترق واحترامه والاغتناء بما عنده من نعم الله.

ولا ننس أنّ مار مارون هو قدّيس الكنيسة جمعاء، والكنيسة الأرثوذكسيّة تعيّد له في 14 شباط.

ونحن في النّهاية نردّد ونصلّي لا تخف أيّها القطيع الصّغير، لك مارون في السّماء نصير وحافظ على وديعة الإيمان وعلى مجد لبنان الّذي أعطي له".