ماذا يقول الأب الياس كرم عن التّواضع والكبرياء؟
"دخل المسيحيّون الأرثوذكس زمن التّريوديّ الأحد المنصرم، والتّريوديّ هي كلمة يونانيّة تعني ثلاث أوديات أيّ قصائد، فكلمة أُوُديّة تشير إلى قصائد من المدح أو التّسبيح، وهي من فعل "أغنّي"، يأخذ التّريوديّ اسمه من الكتاب نستعمله في هذا الزّمن الكنسيّ. يبدأ التّريوديّ مع أحد الفرّيسيّ والعشّار ويستمرّ حتّى يوم السّبت العظيم.
هو زمن خشوعيّ بامتياز يرجع فيه الإنسان إلى نفسه وإلى الله ليقوم مع المسيح خليقةً جديدةً إن تاب توبة صادقة. إنّه زمن تطهير الذّات، وصرخة العشّار: "يا الله ارحمني أنا الخاطىء" هي لبّ الموضوع.
علّمنا العشّار في هذا المقطع أهمّيّة التّواضع والإقرار بخطايانا في حين أنّ الفرّيسيّ أدانه (وربّح الله جميلة). هذا المَثل الّذي ورد على لسان الرّبّ يسوع في إنجيل لوقا لم يكن لذاك العصر فقط إنّما يصحّ في كلّ مكان وزمان وحتّى منتهى الدّهر. كم من فَرّيسيّ في مجتمعنا يتكابر ويتجبّر ويستعلي على أخيه في الإنسانيّة، كم من إنسان حتّى في البيئة الكنسيّة الملتزمة يتباهى بالصّلاة والصّوم والعطاء وكأنّ قول الرّبّ: "وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ،" (مت 6: 3) آية لا شأن لنا بها. الكبرياء يؤدّي إلى سقوط صاحبه إلى أقصى أسافل الأرض. وفي هذا السّياق يقول القدّيس أنطونيوس الكبير: الاتّضاع هو أن تُعدّ جميع البشر أفضل منك متأكّدًا من كلّ قلبك أنّك أكثر منهم خطيّة. التّواضع عزيزي القارئ فضيلة كبيرة ترفع الإنسان إلى ملكوت الله، وهو الكنز الّذي يحفظ جميع الفضائل كما علّمنا القدّيس باسيليوس الكبير. التّواضع سبيل إلى قلب الآخر، وكم نحن في هذا البلد نستفقد تواضع المسؤولين لكي نستطيع أن نحافظ على ما تبقّى من أركان الدّولة لنصمد في وجه الانهيار الشّامل، فتكابر المسؤولين الّذين يتربصون بالبلد شرًّا لن يوصلنا إلّا إلى الخراب الّذي نشهد آثاره يوميًّا، فطالما الفرّيسية معشعشة في قلوبهم وعقولهم من الطّبيعيّ أن ينهدم الهيكل على رؤوسنا جميعًا. علّمنا الآباء أنّ التّواضع باب السّماء والكبرياء أمّ الأهواء. فكلّ إنسان مدعوّ لكي يصنّف نفسه بين أن يكون متكبّرًا على مقياس الفرّيسيّ أو متواضعًا على مثال العشار لكي نرسم درب النّجاة. خلاص وطننا يبدأ بالإقرار بخطايانا المتراكمة، ومن خلال التّواضع نستطيع أن نبني دولة ومجتمع متماسك ينطلق من الإقرار بخطايانا، والإقرار بالخطايا لا يكون إلّا بعبادة الله في الحقّ لا صوريًّا. التّواضع أيضًا مفتاحٌ للوحدة الكنسيّة المنشود وخريطة طريق لتحصين العائلات من التّمزّق والتّفرقة، إنّه ممرّ إلزاميّ لننال الخلاص في كلّ شيء، نحن كلّنا أمام هذا الامتحان، لذلك قال يسوع في مَثل الفرّيسيّ والعشّار: كلّ مَن رفع نفسه اتّضع، ومَن وضع نفسه ارتَفَع.
مَن له أذنان للسّمع فليسمع."