الأراضي المقدّسة
10 كانون الثاني 2023, 12:50

ماذا يعني اعتماد يسوع على يد يوحنّا؟

تيلي لوميار/ نورسات
في أحد عماد يسوع، تأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا بإنجيل متّى ٣: ١٣–١٧ والّذي يبدأ "بعبارة مكانيّة: يتواجد يسوع في الجليل ومن هناك يتوجّه إلى نهر الأردنّ كي يلتقي يوحنّا ويعتمد عن يده (متّى ٣: ١٣)"، لافتًا من خلالها إلى "أنّ يسوع يتحرّك من مكان إلى آخر عن قصد واضح وهو الاعتماد من يوحنّا المعمدان".

وعن هذا الموضوع تابع قائلاً بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ: "وعليه فإنّ يسوع يذهب إلى مكان محدّد، حيث يجتمع مَنْ كانوا يعتبرون أنفسهم خطأة لأنّهم يأملون أن يعتمدوا من يوحنّا المعمدان، منتظرين نيل الخلاص.

فور وصوله هناك، لا يُعلن يسوع أنّ المسيح المنتظر يتمثّل في شخصه. لا يُقدّم يسوع نفسه كمسيح منتظر آتٍ ليقهر الشّرّ بقوّته وسلطانه، بل كمسيح منتظر يكون قريبًا من الإنسان وأخًا له. يقوم يسوع تمامًا بما يقوم به الآخرون، أيّ أنّه يعتمد ويتضامن مع الخطأة. يمثل أمام النّاس مكتسيًا ثوب الخطأة. الحبّ يلغي المسافة بين الله والخاطئ. لا يخاف يسوع من الخطأة ولا يعزل نفسه عنهم ولا يهاب أن يبدو ملوّثًا. كما ويقبل هذا الاختلاط والامتزاج مع إنسانيّتنا الجريحة. يقف يسوع مع قاصدي يوحنّا للاعتراف بخطاياهم، هو الّذي بلا خطيئة.

تُدهش هذه الحقيقة يوحنّا المعمدان. ويستمرّ النّصّ الإنجيليّ بنقاش قصير يجري بين يوحنّا ويسوع. في الواقع، يحاول المعمدان جاهدًا أن يفهم مبادرة يسوع الغريبة هذه: "أنا أحتاج إلى الاعتماد عن يدك، أو أنت تأتي إليّ؟" (متّى ٣: ١٤). هذا هو نفس الاندهاش الّذي انتاب بطرس في قيصريّة (متّى ١٦: ٢٢– ٢٣) وفي العلّيّة حينما رفض في بادئ الأمر أن تُغسل قدماه (يوحنّا ١٣: ٦. ٨). يطلب المعمدان وبطرس وغيرهم كثيرون من يسوع أن يعود إلى المنطق السّليم، ذلك المنطق الّذي بموجبه يستحقّ شرفًا أكبر الشّخص الأكثر أهمّيّة.

غير أنّ يسوع يفتتح عالمًا وأسلوبًا وبِرًّا من نوع جديد. إنّه البِرّ الّذي لا يفصل ولا يدين ولا يصنّف، بل على العكس، إنّه البِرّ الّذي يوحّد ويهدم الحواجز ويلغي كلّ ما يفصل. الأثر الأوّل لهذا النّظام الجديد هو انفتاح السّماوات: بوسعنا القول إنّ الحركة الّتي قام بها يسوع والّتي تلغي المسافة الّتي تفصله عن الخطأة تتجاوب مع حركة الآب الّذي يفتح السّماوات لاغيًا بذلك المسافة الّتي تفصل الإنسان عن الله: "السّموات قد انفتحت" (متّى ٣: ١٦).

وبمجرّد حصول هذه الحركة، يجري أمر يُرجعنا إلى بداية الخلق، حينما خرج العالم بجماله من يدي الخالق. هنا أيضًا، كما حصل سابقًا، يهبط الرّوح القدس إلى الأرض وينزل على يسوع (متّى ٣: ١٦)، على الإنسان الجديد: "رأى روح الله يهبط كأنّه حمامة وينزل عليه" (متّى ٣: ١٦).

من هذا الإنسان الجديد؟ ومن ماذا يعيش؟

يعطينا الإنجيل جوابين.

إنّه الانسان الّذي يتلقّى الرّوح القدس ويعيش على نمط حياة الله ونَفَسِه. كما هو الّذي يتأمّل السّماوات المفتوحة وينظر إلى الأعلى ويعيش من الله.

وهو الّذي يعيش علاقة بنوّة وحبّ مع الله. بينما يرحل يسوع من الأردنّ، يُسمع صوت الآب مُعلنًا أنّ يسوع هو ابنه الحبيب الّذي رضي عنه "هذا هو ابني الحبيب الّذي عنه رضيت" (متّى ٣: ١٧). وعليه، فإنّ الإنسان الجديد هو مَنْ يتلقّى الحياة كابن، يتلقّاها من الآب ويعيش بقوّة حبّه فقط.

الإنسان الجديد هو مَنْ لا تعتمد حياته على الشّرف والسّلطان بل على حبّ الآب الّذي ينتشله من مياه الموت كي يعطيه حياة أبديّة. هذا هو البِرّ الجديد ونظام العالم الجديد الّذي يكون فيه الإنسان آمنًا يعيش هذه الحياة وليس حياة أخرى.

هذا ما يبدأ يسوع القيام به من خلال هذه الحركة في الأردنّ عند اعتماده عن يد يوحنّا.

وهذا ما سيواصل القيام به في طريقه، حتّى النّهاية، على الصّليب، حيث سيتحقّق البِرّ الّذي دشّنه اليوم."