الأردنّ
04 كانون الثاني 2024, 11:20

ماذا يعلّمنا كلّ من حنّة وسمعان عن مسيرة الإيمان؟

تيلي لوميار/ نورسات
حنّة وسمعان شخصيّتان أضاء عليهما إنجيل لوقا في أحد العائلة المقدّسة، وتخبران شيئًا مهمًّا عن مسيرة الإيمان بحسب ما يقول بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا في تأمّله بإنجيل الأحد الأخير من العام 2023.

ويقول بيتسابالا في هذا السّياق بحسب موقع البطريركيّة:

"تأمّلنا في أناجيل عيد الميلاد، كيف وجد تجسّد ابن الله في جسدنا البشريّ ترحيبًا بين شعبه.

رُحّب بيسوع من قبل مريم ومن ثمّ يوسف. إستقبله الرّعاة، الّذين بشّرهم الملاك ودعاهم لزيارة الطّفل الّذي سيكون مخلّصًا للجميع (لو 2، 11).

لذا على جميع الّذين يستقبلونه أن يقوموا برحلة جسديّة، وأحيانًا داخليّة بالكامل: يجب على الرّعاة أن يذهبوا إلى بيت لحم (لوقا 2، 15)؛ يجب على مريم ويوسف أن ينفتحا على تدخّل الله الّذي يطلب منهما القيام بخطوة إيمانيّة، ويطلب منهما قبول عطيّة ستغيّر حياتهما بالكامل.

لذلك فإنّ الفقراء هم الّذين يستقبلون يسوع، أيّ أولئك الّذين يوافقون على ترك مواقعهم والانطلاق نحو حياة جديدة.

ووعدهم بفرح عظيم (لوقا 2: 10).

اليوم يُرحّب بيسوع في سياق آخر، في الهيكل (لو 2، 22 – 40).

هناك الكثير من النّاس في الهيكل. وهناك كتبة ومعلّمون وكهنة ولاويون.

لكنّهم لم يستقبلوا الطّفل يسوع، الّذي قدّمه والداه للرّبّ، كما هو مكتوب في الشّريعة.

من يلاحظ وجوده هما شخصان ثانويّان، ليس لهما أيّ دور، هما هنا ليصلّيا.

بالنّسبة لهما، يستخدم الإنجيليّ لوقا فعل الحركة: سمعان، مدفوعًا بالرّوح، يذهب إلى الهيكل (لو 2: 27)؛ حنّة، الّتي لم تغادر الهيكل أبدًا، تصل في تلك اللّحظة (لوقا 2، 38).

لذلك، يرحّب الرّبّ بالّذين يمضون في الرّحلة، ويسمحون لأنفسهم بالابتهاج، هم الّذين لم يستقرّوا في الحياة، وقبلوا أن يقودهم الرّوح.

تخبرنا الشّخصيّتان في إنجيل اليوم شيئًا مهمًّا عن مسيرة الإيمان.

فهي تعلّمنا كيف تشكّل الطّريق، فطريق الإيمان لا ينشأ من جهد فرديّ وبطوليّ للّذين يقرّرون اتّباع الرّبّ، بل ينشأ من الحاجة.

يصف الإنجيليّ لوقا حياة حنّة بالتّفصيل، على عكس سمعان الّذي يقول عنه: إنّه كان رجلاً بارًّا وتقيًّا (لو 2: 25). حنّة إنسانة موسومة بالضّعف، والحداد، والوحدة الطّويلة: تبلغ من العمر أربعة وثمانين عامًا، وقد ترمّلت بعد سبع سنوات فقط من زفافها (لوقا 2، 36 – 37).

لكنّها استطاعت أن تحوّل هذا الضّعف إلى انتظار، إلى رغبة، إلى صلاة.

لم تعاني من ترمّلها، بل أصبح انفتاحًا على رجاء الهبة، حيث يمكنها أن تبقى متنبّهة ويقظة. وهذا ما وضعها على الطّريق وأعطاها نعمة أن تكون في الهيكل عندما دخل مريم ويوسف، لترى في الطّفل المسيح المنتظر.

ويخبرنا سمعان حول أين يقودنا هذا الطّريق.

يفعل ذلك بكلمة نجدها في الآية 29 "الآن أطلق عبدك أيّها الرّبّ...". هذا الفعل، "أطلق"، من أفعال الوحي، يُستخدم في سياقات مختلفة للتّحرير: لتحرير سجين، لإنهاء الخدمة العسكريّة، لإبرام التزام مهمّ ومرهق.

وكأن سمعان، بعد أن وصل إلى هذه اللّحظة من رحلته الطّويلة، أدرك أنّه عند نقطة تحوّل: فاللّقاء مع الطّفل، يعني إتمام تاريخ الخلاص (لوقا 2: 30)، يؤمن لسمعان بأنّ الهرب في الصّحراء قد انتهت، وندخل الآن إلى أرض الميعاد؛ انتهى زمن العبوديّة، وبدأ الآن زمن الحرّيّة.

ستستمرّ الرّحلة، ولكنّها رحلة جديدة، لأنّ الانتظار قد اكتمل، وها هو الآن وقت الثّمار، حيث يمكننا أن نتمتّع أكثر فأكثر بحضور الله الحرّ والرّحيم معنا كلّ يوم.

يعلم سمعان أنّ الرّحلة ليست سهلة، ولن تخلوا من الجهد، فقد قال لمريم: "سيَنفُذُ سَيفٌ في نَفْسِكِ لِتَنكَشِفَ الأَفكارُ عَن قُلوبٍ كثيرة" (لو 2، 35).

يعلم أنّ هذا الألم لن يوقف الرّحلة، لأنّ الرّوح نفسه الّذي أعلن له أنّه سيرى المسيح (لو 2: 26)، والّذي قاده إلى الهيكل ليتعرّف على حضوره (لو 2: 27) هو إله أمين، يحفظ الوعد، والآن يُطلق عبده بسلام على حسب كلمته (لو 2: 29)."