الأراضي المقدّسة
16 كانون الأول 2022, 14:20

ماذا نتعلّم من اختبار مار يوسف؟

تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة الأحد الرّابع من زمن المجيء، يتأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا بشخصّية مار يوسف، فيقول بحسب موقع البطريكيّة الرّسميّ:

"رأينا الأحد الماضي، عند لقائنا شخص يوحنّا المعمدان، أنّ تقبّل الرّبّ يتطلّب المرور عبر حدث صعب أو أزمة. يُعزى ذلك إلى حقيقة تقبّله تتطلّب الانفتاح على حقيقة جديدة وجذريّة، وإفساح المجال لله الّذي يفوق توقّعاتنا ويحقّقها بطريقة لا تخطر على بالنا.

نرى الأمر نفسه اليوم في شخص آخر هو دليلنا أيضًا في زمن المجيء. هذا الشّخص هو يوسف.

حتّى يوسف يجد نفسه في وضع صعب. يصعب عليه إدراك مجريات الأمور. من جهة ثمّة الحبّ الّذي يكنّه لمريم ومن جهة أخرى هناك حَمَلها، ناهيك عن الشّريعة الّتي قضت بقتل كلّ امرأة زانية.

يتحدّث النّصّ جيّدًا عن هذه المشكلة. من جهة، كان يوسف بارًّا (متّى ١: ١٩)، ونزيهًا، يمتثل للشّريعة ولا يستطيع إبقاء امرأة زانية معه. لكن من جهة أخرى، أحبّ يوسف مريم، ولذلك لم يرد أن يشهر أمرها (متّى ١: ١٩).

وبينما كان يوسف يتأمّل كلّ هذه الأمور (متّى ١: ٢٠) تراءى له الملاك في الحلم وبدأ يتكلّم معه وينقله إلى عالم آخر.

أوّلُ ملاحظة علينا القيام بها هو أنّ يوسف في هذه اللّحظة الصّعبة يمرّ بخبرة مهمّة وهي أنّ ثمّة أحدًا يعرفه ويفهمه. يكشف الملاك ليوسف أفكاره ويُريه أنّ معضلته وعمله وألمه يعرفها الله. "ما نَوى ذلكَ حَتّى تراءَى لَهُ ملاكُ الرّبِّ في الحُلمِ وقالَ له: "يا يُوسُفَ ابنَ داود، لا تَخَفْ أَن تَأتِيَ بِامرأتِك مَريمَ إلى بَيتِكَ…" (متّى ١: ٢٠). يُعنى الله أساسًا بيوسف وبمعاناته ويريد أن يَحلّ العقدة الّتي في قلبه: "يا يُوسُفَ… لا تَخَفْ!"، وتتمثّل خبرة يوسف في عدم تخلّي الله عنه. ولا يمكن الانتقال إلى المراحل التّالية من دون المرور عبر هذه المرحلة.

الأمر الثّاني المهمّ الّذي يقوم به الملاك هو السّماح ليوسف بأن يأتي بمريم إلى بيته بصفتها امرأته (متّى ١: ٢٠). وعليه، ليست مريم امرأة زانية ولا امرأة عاديّة. مريم هي "امرأتك" بإرادة الله، وهو يسمّيها كذلك.

يوسف مدعوّ من الله أن يدخل في التّاريخ وأن يتسلّم هذه المسؤوليّة وهذه الأبوّة.

لا يمكن لأيّ رجل بارّ آخر أن يقوم بذلك من غير دعوة الله له. لا يتعلّق الأمر بالقيام بعملك الخاصّ، بل القبول بما يطلبه الله بصورة فرديّة خاصّة بك. يمكنك القيام بذلك فقط إن كنت مدعوًّا.

كما وهناك المقطع الثّالث الّذي فيه يكشف الملاك ليوسف السّرّ الّذي ملأ مريم والعظائم الّتي صنعها فيها روح الله.

وبذلك يتغيّر الوضع بصورة جذريّة وتتغيّر نظرة يوسف. إنّ الحقيقة نفسها، الّتي جعلته يرفض مريم في السّرّ، تدعوه الآن للتّرحيب بها وأخذها معه. والأمر الّذي أبعده في السّابق عنها يقربه الآن منها في وحدة أعمق.

في هذه المرحلة، ينبغي على يوسف الاختيار، كما حدث مع مريم والمعمدان. لقد استمع إلى إعلان صادم يتعدّى إدراكه وقوّته. لكن بما أنّه رجل بارّ، اختار أن يضع ثقته بالله أكثر من نفسه ومن أفكاره ومخاوفه.

وعليه، حالما يستيقظ، يمتثل يوسف لما سمعه ويسهّل إتمام عمل الله ويطيع رغبته في خلاص الإنسان."