ماذا عن ترتيبات لقاء البابا لاون الرّابع عشر المسكونيّ وبين الأديان في ساحة الشّهداء؟
شارك في المؤتمر: رئيس اللّجنة الأسقفيّة للحوار المسيحيّ الإسلاميّ في لبنان ومنسّق اللّقاء المطران مار متياس شارل مراد، رئيس اللّجنة الأسقفيّة للعمل المسكونيّ ومنسّق اللّقاء المطران يوسف سويف، مدير المركز الكاثوليكيّ المنسّق الإعلاميّ الكنسيّ لزيارة البابا المونسنيور عبده أبو كسم، مشلين أبي سمرا عن شركة "سوليدير" وعضو لجنة تنظيم اللّقاء الإعلاميّة ليا عادل معماري.
بداية رحّب أبو كسم بالحضور وقال: "نلتقي للمرّة الثّالثة في المركز الكاثوليكيّ للإعلام لإعلان التحضيرات القائمة لزيارة قداسة البابا لاون الرّابع عشر إلى لبنان في 30 تشرين الثّاني و1 و2 كانون الأوّل، واليوم نلتقي من أجل الإعلان عن برنامج اللّقاء المسكونيّ وبين الأديان بدعم من شركة سوليدير لإقامة خيمة اللّقاء المسيحيّ الإسلاميّ. هذا اللّقاء يحمل في معانيه أهمّيّة كبرى للبنان الرّسالة الّذي سمّاه البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، وفي غضون 27 عامًا، هذه هي الزّيارة الثّالثة لقداسة الحبر الأعظم البابا لاون الرّابع عشر إلى هذا البلد الصّغير في مساحته والكبير في معانيه لبنان، الفريد في عيشه الواحد بين المسيحيّين والمسلمين".
أضاف: "إنّ ميزة لبنان أن يكون واحدًا كما في شعار هذا اللّقاء، بجميع أطيافه ومن خلال جميع أبنائه، ولو كانت هناك حروب في الماضي، نحن نتطلّع دائمًا إلى المحبّة والسّلام والرّجاء ونواجه كلّ أشكال الشّرور بعمل الخير والمحبّة".
وإختتم: "نحن ننتظر الضّيف الكبير البابا لاون الرّابع عشر الّذي يحمل كلّ ما يندرج تحت عنوان الزّيارة "طوبى لفاعلي السّلام"، ولذلك نقول له، نحن مسيحيّين ومسلمين سنكون دائمًا أبناء للسّلام وصانعي السّلام".
ثمّ تحدّث المطران مراد عن اللّقاء المسكونيّ فقال: "نلتقي اليوم في لحظة تاريخيّة مميّزة، حيث يستعدّ لبنان لاستقبال قداسة البابا لاون الرّابع عشر في أوّل زيارة رسوليّة له خارج أسوار الفاتيكان. إنّها ليست زيارة بروتوكوليّة، بل حجّ سلام ورسالة محبة تحمل في طيّاتها معانٍ عميقةً تتجاوز الحدود الجغرافيّة، لتبلغ عمق الإنسان وضميره. يأتي قداسة البابا إلى أرض شاء الله أن تكون جسر تلاق بين الشّرق والغرب، وبين الأديان والثّقافات، ليؤكّد من خلالها أنّ لبنان، رغم كلّ ما يمرّ به ما زال يحمل في قلبه رسالة العيش معًا، تلك الرّسالة الّتي جعلت منه وطنًا نهائيًّا لجميع أبنائه".
أضاف: "إنّ اللّقاء المسيحيّ الإسلاميّ الّذي سيُقام على شرف قداسة البابا في ساحة الشّهداء في وسط بيروت، ليس مجرّد مناسبة رمزيّة، بل هو فعل إيمان بالحوار، وإعلان رجاء بأنّ الكلمة الطّيّبة قادرة على أن تهزم الخوف، وأنّ اللّقاء الصّادق يستطيع أن يبني سلامًا حقيقيًّا لا يقوم على المصالح بل على الاحترام المتبادل والاعتراف بالكرامة الإنسانيّة. هذه الخبرة التّاريخيّة، المتجذِّرة في رسالةٍ روحيّةٍ خاصّة، تجعل من لبنان مساحةً تتجسّد فيها كلمات قداسة البابا وتتحقّق. ذلك أنّ الإسلام والمسيحيّة لا يدعوانِ إلى التّسامح فحسب، بل إلى لقاءٍ صادقٍ وحقيقيٍّ يقوم على الاحترام المتبادل، والإيمان بأنّ الاختلاف ليس تهديدًا بل هو عطيّةٌ من الله تهدف إلى بناء شركة إنسانيّة أعمق. ومن هنا تبقى هذه الخبرةُ بمثابة ميثاق روحيّ للعيش المشترك ودليلًا للطّريق نحو السّلام الأهليّ في وطننا".
وأشار إلى أنّه "من خلال هذا اللّقاء، نريد أن تظهر للعالم أنّ المسيحيّين والمسلمين في لبنان، على اختلاف انتماءاتهم، يجتمعون على قيم وحدة الإيمان باللَّه والتّمسّك بالعدالة، والدّفاع عن الإنسان. فالإيمان لا يُفرّق بين أبناء الله، بل يجمعهم حول الخير المشترك. غير أنّ الطّريق لا يخلو من العقبات كمثل جراح الماضي والشّكوك المتبادلة وتصاعد التّطرّف، والأزمة الاجتماعيّة الّتي تهدّد نسيجنا الوطنيّ. ومن هنا يدعونا قداسة البابا إلى تجديد التزامنا بحوارٍ متجذّرٍ في الحقيقة، مغذّى بالصّلاة وموجّهٍ نحو الخير العامّ".
وتابع: "أمّا أهداف هذه الزّيارة، فهي أن تكون رسالة رجاء لشعب أنهكته الأزمات، ودعوة إلى القيادات الدّينيّة والسّياسيّة كي تجدّد التزامها بخدمة الإنسان أوّلًا، وتعزيز ثقافة الحوار والسّلام. هي مناسبة لتجديد عهد لبنان برسالته التّاريخيّة أن يكون نموذجًا للتّلاقي بين الإيمان والعقل بين الرّوح والانفتاح بين المشرق والمغرب. قداسة البابا لاون الرّابع عشر يأتي إلينا لا بصفته رأس الكنيسة الكاثوليكيّة فحسب، بل بصفته شاهدًا على رجاء البشريّة في زمن الانقسام، حاملًا إلينا بركة ورسالة تُعيد إلى العالم الثّقة بأنّ الحوار سبيلُنا إلى السّلام، وأنّ المحبّة أقوى من كلّ حدود".
وإختتم: "ليكن استقبالنا له شهادة على أنّ لبنان، رغم جراحه، لا يزال أرض اللّقاء لا أرض الصّراع، ومكان الرّجاء لا اليأس. أرض إخوة متحابّين في خدمة السّلام. ولتبق هذه الزّيارة علامة مضيئة في تاريخنا ودعوة دائمة إلى أن نحيا معًا، في اختلافنا".
وقال المطران سويف: "نلتقي اليوم على أعتاب حدث يحمل للكنيسة في لبنان وللوطن بأسره نَفَسًا جديدًا من الرّجاء: الزّيارة البابويّة المرتقبة في الرّابع عشر من هذا الشّهر. ليست زيارة بروتوكوليّة، بل لقاء نعمة، يذكّرنا بأنّ الكنيسة، بكلّ عائلاتها، مدعوّة إلى السّير معًا في روح واحدة، وإلى تجديد شهادتها في هذا الشّرق الّذي حمل اسم المسيح منذ أن نادت به أنطاكية أوّلًا."
وتطرق إلى أنطاكية حيث بدأت المسيرة، فأشار إلى أنّه "في زمن تختلط فيه الأصوات وتتداخل فيه الضّغوط السّياسيّة، نعود إلى أنطاكية، إلى الجذور الّتي منها انطلقت البشارة، لنجدّد يقيننا بأنّ الوحدة الحقيقيّة لا تُبنى على المصالح ولا على الحسابات، بل على الإيمان بالمسيح الأساس"، وأضاف: "من أنطاكية يتجدّد النّداء أن تكون الكنائس واحدة في القلب، وإن اختلفت في الطّقوس؛ واحدة في الرّوح، وإن تمايزت في تقاليدها؛ واحدة في الشّهادة، لأنّ الرّبّ واحد، وإيماننا واحد".
وتناول عيد الفصح ودعوة توحيد القيامة، فأوضح أنّه "مع اقتراب عيد الفصح، تتعمّق دعوتنا إلى وحدة العيد، ووحدة القيامة. فالقيامة ليست تاريخًا نحتفل به، بل سرّ حياة نعيشه. وفي وحدة الفصح بالذّات، يظهر للعالم وجه الكنيسة الواحدة، ويُعلن شعب الله أنّ الاختلاف غنى، لكنّه لا يبرّر الانقسام. إنّ توحيد العيد هو نبوءة رجاء، وإعلان أنّ طريق الوحدة يبدأ من هذا الشّرق، كما بدأت فيه البشرى الأولى".
وتحدّث عن الدّياكونيّة، لغة الوحدة، فذكر أنّ "الدّياكونيّة الّتي تحدّثتم عنها في ملاحظاتكم ليست خدمة اجتماعيّة فحسب، بل هي لاهوت في الحركة، إنجيل يتجسّد في مسار الرّحمة واللّقاء. في الدّياكونيّة تلتقي الكنائس دون تنظير، وتخدم دون تمييز، وتُعلن أنّ العمل الرّوحيّ يساوي العمل الرّعويّ، بل يكمّله ويعطيه بعده المتجسّد. في الخدمة، يُشفى الانقسام قبل أن تُشفى الجراح، وفي الدّياكونيّة نتعرّف من جديد إلى وجه المسيح في الضّعفاء، في المتروكين، وفي الّذين ينتظرون كلمة رجاء".
وعن السّلام الدّاخليّ ثمرة الوحدة قال سويف: "السّلام الّذي نبحث عنه ليس ثمرة تفاهمات سياسيّة، بل ثمرة قلوب تتّحد بالمسيح وتطلب وجهه. وحين يتحقّق السّلام الدّاخليّ، ينبثق منه سلامٌ يلمس الجماعات، ويتجاوز كلّ خوف أو انقسام. إنّ وحدة الكنيسة ليست هدفًا تنظيميًّا، بل شفاءٌ للقلوب، واستعادة لفرح الشّهادة في المسيح".
ونحو شهادة مشتركة في لبنان، اعتبر أنّ "لبنان، بتعدّديّته وبغناه الرّوحيّ، هو أرض مهيّأة لمسكونيّة حيّة تُلهم العالم كلّه. والزّيارة البابويّة المرتقبة تأتي لتقول لنا: كونوا معًا نورًا وسط الظّلمة، ورجاءً وسط الشّكّ، وسلامًا وسط العاصفة. إنّ حضور الكنيسة الكاثوليكيّة والكنيسة الأرثوذكسيّة معًا ليس مشهدًا احتفاليًّا، بل إعلانٌ أنّ المسيح هو الّذي يجمع، وهو الّذي يقود، وهو الّذي يبارك هذه المسيرة".
وإختتم: "فلنستقبل هذه الزّيارة بقلوب منفتحة، وبروح أنطاكية أصيلة، وبعزم على أن تكون الدّياكونيّة طريق وحدتنا، والقيامة مرجع شهادتنا، والمسيح أساس كلّ ما نبنيه معًا. ولنسِرْ، بإيمان ثابت، في مسيرة واحدة، نحو قيامة لبنان كنيسةً وشعبًا".
من جهتها أعربت أبي سمرا عن فخر شركة "سوليدير"، الّتي "كانت ولا تزال في صميم مشروع إعادة إحياء وسط بيروت، بأن تكون جزءًا من هذه اللّحظة الاستثنائيّة، إذ تتولّى استضافة هذا اللّقاء وتحضير فضائه العام بكلّ تفاصيله، لتستعيد ساحة الشّهداء دورها الطّبيعيّ كمساحة جامعة للتّسامح والإيمان وقبول الآخر".
وأشارت إلى أنّه "للمرّة الثّالثة، تتشرّف سوليدير بتنظيم واستضافة زيارات الحبر الأعظم إلى وسط المدينة، بما يعكس خبرتها، واستدامة بنيتها التّحتيّة، والرّؤية التّخطيطيّة الّتي يتميّز بها قلب بيروت"، وقالت: "لقد وقع اختيارنا على ساحة الشّهداء، السّاحة الّتي تختصر تاريخ لبنان ومعناه، في وسط العاصمة الّتي نهضت مرارًا من الألم لتبقى منارة للحوار، ومنصّة دائمة للتّلاقي بين أبناء الوطن الواحد والإنسان الواحد. فهذه السّاحة لطالما جمعت اللّبنانيّين بمختلف انتماءاتهم، وكرّمت جميع شهداء الوطن الّذين قدّموا حياتهم دفاعًا عن الحرّيّة والوحدة. كما أنّ القرب الفريد بين مسجد محمد الأمين وكاتدرائيّة مار جرجس المارونيّة يشكّل رمزًا استثنائيًّا للتّلاقي الرّوحيّ واحترام التّنوّع الإيمانيّ، وهو من أجمل ما يقدّمه لبنان للعالم".
وإعتبرت أنّ "هذا اللّقاء ليس مجرّد احتفال رمزيّ، بل هو تعبير حيّ عن روح بيروت الّتي احتضنت التّنوّع وجعلته قيمة إنسانيّة وثقافيّة مشتركة"، لافتة إلى أنّه "سيشارك في هذا الحدث كلّ من: جوقة بيروت ترنّم– السّيستِما، جوقة مؤسّسة الإمام موسى الصّدر وجوقة دار الأيتام الإسلاميّة، لتقديم مختارات من التّراتيل والإنشاد أُعدّت خصّيصًا لهذه المناسبة"، وقالت: "إنّنا في سوليدير نؤمن بأنّ روح بيروت لا تنطفئ، وبأنّ رسالتها في العيش المشترك تبقى إحدى أهمّ الهدايا الّتي يمكن أن يقدّمها لبنان للعالم في زمن يحتاج فيه الجميع إلى مزيد من محبّة وسلام".
وعرضت أبي سمرا "التّصوّر المعماري والفنّيّ للمكان الّذي سيحتضن هذا اللّقاء، بما يراعي رمزيّته وأبعاده الرّوحيّة والإنسانيّة".
بدورها، أشارت معماري إلى أنّ "اللّجنة المعنيّة بتنسيق هذا اللّقاء سعت وبتوجيه من اللّجنة المركزيّة في الفاتيكان جاهدة مع كلّ الفريق المعني واللّجان، بتنظيم هذا اللّقاء المسكونيّ الوطنيّ على أرفع المستويات، وأن تشمل الدّعوات قادة الطّوائف المسيحيّة كافّة، والمرجعيّات الإسلاميّة الكبرى، إلى جانب الأشخاص الّذين يهتمّون بمسألة الحوار بين الأديان حصرًا".
وقالت: "هذا الأمر يدفعنا لنؤكّد أنّ الدّعوات محصورة فقط بالأشخاص المذكورين وهي دعوات خاصّة وليست متاحة لكلّ النّاس حيث يبلغ عدد المقاعد 330 مقعدًا واللّجنة ملزمة بذلك، وتمّ تنسيق الأمور وفق اتّصالات رفيعة المستوى مع كلّ أعضاء اللّجنة، وتمّ اختيار الأسماء من كلّ المناطق والمحافظات، وفق مبادىء اللّقاء المسكونيّ والحوار بين الأديان".
ولفتت إلى أنّه "سيتمّ تسليم بطاقات الدّعوات فور جهوزها بالتّنسيق مع اللّجنة المعنيّة"، وأملت أنّ "تعطينا زيارة قداسة الحبر الأعظم جرعة أمل ورجاء وسط عتمات الدّهر".
