ماذا سجّل اليوم الأوّل للبطريرك الرّاعي في فرنسا من نشاطات؟
ثم التقى البطريرك الرّاعي والوفد المرافق رئيس الجمعيّة الوطنيّة فرنسوا دو روغي في مقرّ الجمعيّة وكانت جولة أفق حول قضايا مشتركة بين البلدين ومنها العلاقة العريقة بين البطريركيّة المارونيّة وفرنسا إضافة إلى مسائل آنيّة على السّاحة اللّبنانيّة والإقليميّة ولاسيّما مؤتمرات الدّعم الدّوليّة للبنان وضرورة المساعدة لوقف الحرب في سوريا وتأمين العودة الآمنة للنّازحين إلى أوطانهم.
بعدها توجّه للقاء رئيس مجلس الشّيوخ جيرار لارشيه في مقرّ المجلس بحضور عدد من المسؤولين الرّسميّين الفرنسيّين. وأثنى لارشيه على الدّور الرّوحيّ والوطنيّ الّذي يقوم به البطريرك الرّاعي الّذي"لا يفرّق بين اللّبنانيّين على مختلف انتماءاتهم فهو مع ما يمثّله من سلطة معنويّة يهتمّ بأمور جميع اللّبنانيّين من دون استثناء"، مشيرًا إلى "الزّيارة التّاريخيّة الّتي قام بها إلى المملكة العربيّة السّعوديّة في ظروف استثنائيّة."
وشدّد لارشيه على ما يطالب به الرّاعي من دعوة "المسيحيّين إلى التّمسّك بأرضهم والتّجذّر فيها على الرّغم من الصّعاب الّتي تواجههم، إضافة إلى مطالبته الأسرة الدّوليّة العمل لوقف الحرب المشتعلة في عدد من دول الشّرق إيمانًا منه بأنّ هذه الأرض عرفت زمنًا طويلاً من العيش المشترك بين مختلف مكوّناتها لذلك يجب الحفاظ على هذا الغنى."
ونوّه لارشيه بدور الجيش اللّبنانيّ في الحفاظ على الوحدة الوطنيّة وهذا ما حفّز فرنسا لعقد مؤتمر روما لدعم الجيش. كما لفت إلى ما قدّمه "لبنان في مسألة النّزوح السّوريّ من استقبال لنازحين فاق عددهم قدرته على التّحمّل."
بدوره شكر البطريرك الرّاعي لارشيه على حفاوة الاستقبال وعرض بإيجاز للوضع الرّاهن في لبنان ولما يعانيه نتيجة للحرب الدّائرة في المنطقة.
وأكّد أنّ "الجيش اللّبنانيّ يبقى أمل جميع اللّبنانيّين فلقد تجاوز الصّراع السّياسيّ بفضل حكمة قيادته وهو يثبت دائمًا أنّه الضّمانة الأكيدة لخلاص البلد، لذلك لا بدّ من دعمه ومساعدته ليحافظ على دوره الفعّال والأساسيّ في لبنان،" شاكرًا لفرنسا "مبادرتها بعقد مؤتمر روما لدعم الجيش."
وقال:" نشكركم على حفاوة الاستقبال وهذا اللّقاء العائليّ هو بمثابة تقليد قائم بين شعبينا وهو أتاح لنا إلقاء نظرة شاملة لتبادل الآراء حول الوضع في لبنان والشّرق الأوسط وسط الظّروف الرّاهنة."
وتابع:" نقدّر لكم اهتمامكم بلبنان وشعرنا كم هو حاضر في قلبكم وفكركم. لقد تابعنا مبادراتكم وسعيكم الدّائم لمساعدة وطننا في ظروفه الصّعبة حيثأثبتّم محبّتكم له ولا تزالون. هذه المحبّة والجهود المقرونة مع تلك الّتي يبذلها العديد من الفرنسيّين واللّبنانيّين المخلصين قد أثمرت خيرًا لبلدنا. لقد أوجدت علاقة الصّداقة بين لبنان وفرنسا رؤية مشتركة للقيم والكرامة الإنسانيّة والحرّيّة والمساواة والانفتاح الحواريّ المتنوّع. كلّ هذا أوجد ثقافة تمثّلت بتربية مدرسيّة عامّة وتعليم اجتماعيّ حضرت فيهما الفرنكوفونيّة بقوة. وهذه مناسبة اليوم لتقدير أهمّيّة هذه الشّراكة المستمرّة بين شعبينا."
وتابع: "إسمحوا لي أن أعبّر عن اهتمامنا الكبير بالفرنكوفونيّة وبالمدارس الكاثوليكيّة الخاصّة. وكما تعلمون فإنّ الفرنكوفونيّة تمثّل عنصرًا أساسيًّا في هويّتنا. والمدرسة الكاثوليكيّة الفرنكوفونيّة كما باقي المدارس الخاصّة لعبت دورًا أساسيًّا في تثقيف النّخبة اللّبنانيّة. هذه المدارس مهدّدة اليوم بإقفال أبوابها بسبب القانون 46 الّذي أقرّه البرلمان اللّبنانيّ في آب 2017 وهو ينصّ على إضافة زيادات على الرّواتب إضافة إلى ستّ درجات استثنائيّة وهذه الزّيادة على رواتب 1130 أستاذ في المدارس الكاثوليكيّة تصل قيمتها إلى نحو 118,352,880 دولار أميركيّ أي ما يساوي 98, 627,400 يورو. نحن في مأزق كبير والدّولة اللّبنانيّة أعلنت عن عجزها في مساعدة أهالي الطّلّاب الّذين لا يمكنهم تحمّل أيّ زيادة. لذلك يجب إيجاد وسيلة لدعم المدارس الكاثوليكيّة لأنّه من دونها سوف يخسر المسيحيّون الرّكيزة الأساسيّة لحضورهم في لبنان."
وقال: "في العراق يعيش الشّعب تداعيات الحرب. ولقد هجّر المسيحيّون وطردوا من أرضهم وبيوتهم. وفي سوريا هجّر نحو 10 ملايين مواطن من أرضهم وتوجّه نحو مليون ونصف المليون منهم إلى لبنان حيث وجدوا ملجأ لهم. وبدوره برهن الشّعب اللّبنانيّ عن سخائه وكرمه حيالهم واستقبلهم بالتّرحاب ولكنّه اليوم يرزح تحت وطأة هذا النّزوح الّذي يهدّد مجتمعنا اقتصاديًّا واجتماعيًّا الأمر الّذي يشكّل تهديدًا لهويّة شعبنا. وفي مصر سقط العديد من الشّهداء سواء بتفجيرات إرهابيّة ضربت الكنائس أو بعمليّات إطلاق نار ."
وتابع: "وفي مواجهة هذا المشهد المأساويّ تبقى المقاومة الوجوديّة والحضاريّة والأخلاقيّة للشّرق لكي يطيب من جراحه ويعود إلى حياته العاديّة الّتي يتحكّم بها العقل واحترام الآخر. أنا متأكّد من أنّ توطيد العلاقة اللّبنانيّة الفرنسيّة والشّراكة بين فرنسا ولبنان تقدّم حظوظًا لشرق أوسط متصالح ولعالم أكثر وحدة وتضامن وإنسانيّة. إنّ لبنان بإمكانه في المستقبل أن يقدّم دوره كنموذج للتّعايش هديّة للعالم ونحن على يقين أنّه إذا نجح لبنان في الحفاظ على حياده سيحظى بفرصة عظيمة ليثبت دعوته لإنسانيّة مشرقة. نأمل أن تساعد فرنسا لبنان إلى جانب مجلس الأمن على الإفادة من وضع الحياد وأن تتمكّن فرنسا الّتي تعلم بكلّ المتناحرين في الشّرق والغرب والّتي لم تخلق معها أيّ عداوة أن تساهم في السّلام في المنطقة. ونحن لم نتوقّف يومًا عن الدّعوة إلى السّلام العادل والشّامل والدّائم. لأنّه في الواقع لا يبنى السّلام إلّا بالسّلام."
وختم البطريرك الرّاعي كلمته قائلاً: "فلنفكّر بعلاقاتنا التّاريخيّة وكيفيّة تقويتها ولنفكّر أيضًا بالفرنكوفونيّة الّتي تقدّم أملاً مشتركًا في التّفاهم الرّوحيّ والثّقافيّ ولنتمسّك بالشّراكة الاقتصاديّة والثّقافيّة والتّعاون في قلب كياناتنا المتبادلة. وهذه الصّداقة اللّبنانيّة الفرنسيّة سوف تتجدّد وتجد وسيلة لتلعب دورها في قلب شبيبة بلدينا."