ماذا جاء في البيان الختاميّ لسينودس الأساقفة الموارنة؟
"مقدّمة
1- إلتأم سينودس أساقفة الكنيسة المارونيّة في دورته العاديّة من 4 إلى 14 حزيران 2025 في الكرسيّ البطريركيّ في بكركي بدعوة من صاحب الغبطة والنّيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي بطريرك أنطاكيه وسائر المشرق الكلّيّ الطّوبى، وحضور أصحاب السّيادة المطارنة والإكسرخوس والخورأسقف الوافدين من أبرشيّات لبنان والنّطاق البطريركيّ وبلدان الانتشار حاملين في قلوبهم شؤون أبنائهم وبناتهم وشجونهم وانتظاراتهم وتطلّعاتهم.
شاركوا في مرحلة أولى، من 4 إلى 7 حزيران 2025، في الرّياضة الرّوحيّة الّتي ألقى عظاتها الأب فاليري بيطار الكرمليّ في موضوع "الرّجاء الّذي لا يخيّب" (روما 5/5). وفي مرحلة ثانية، من 9 إلى 14 حزيران 2025، شاركوا بأعمال السّينودس استهلّها صاحب الغبطة والنّيافة بكلمة افتتاحيّة شكر فيها الله على حضور الكنيسة المارونيّة الشّاهد للمسيح في العالم واستعرض جدول الأعمال.
وبعد أن صلّوا معًا وأصغوا إلى صوت الله والى ما يقوله الرّوح القدس لكنيستهم في أوّل أيّام زمن العنصرة وفي سنة الرّجاء اليوبيليّة، شكروا الله على نعمة الإيمان والرّجاء الّتي تتجلّى في علامات الأزمنة. ثمّ تدارسوا شؤونًا كنسيّة وراعويّة، متوقّفين بنوع خاصّ على الشّأنين الاجتماعيّ والوطنيّ، وناقشوها بروح أخويّة وشراكة سينودسيّة تجلّت في الإصغاء المتبادل والحوار الصّريح والتّمييز المشترك. وإتّخذوا التّدابير الكنسيّة المناسبة.
وفي ختام المجمع أصدروا البيان التّالي :
أوّلًا: في الشّأن الكنسيّ
أ. إنتخاب البابا
2. أعرب الآباء عن فرحهم البنويّ بانتخاب قداسة البابا لاون الرّابع عشر الّذي أتت كلماتُه الأولى لتشمل المحاور التّالية: بناء السّلام العادل والحقيقيّ والدّائم عبر الحوار ومدّ الجسور بين الأفراد والشّعوب؛ الاهتمام بالشّؤون الاجتماعيّة وحقوق العمال والفقراء والمهاجرين؛ الانفتاح على الكنائس الشّرقيّة وترسيخ حضورها في الشّرق كما في بلدان الانتشار واحترام تراثها؛ تدعيم أواصر الوحدة في الكنيسة وروابط الأخوّة الإنسانيّة.
وقد سرّهم ما أعلنه في مقابلته العامّة الأولى متوجّهًا إلى المشاركين في يوبيل الكنائس الشّرقيّة، ومستشهدًا بالبابا لاون الثّالث عشر وبالبابا فرنسيس :"الكنائس الشّرقيّة هي كنائس شهيدة يجب أن نحبّها، فهي تحفظ تقاليد روحيّة مليئة بالحكمة الفريدة، وتحمل مهمّة فريدة ومميّزة لأنّها البيئة الأصليّة للكنيسة النّاشئة ولأنّ عمل الفداء بدأ في الشّرق". لذا أوصى بأن يُستجاب لنداء هذه الكنائس" من أجل أن نحفظ ونعزّز الشّرق المسيحيّ بتراثه وتقاليده، لاسيّما في بلدان الانتشار". وهذه كانت المطالب الّتي تقدّم بها مندوبو الكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة في سينودس الأساقفة في موضوع السّينودسيّة وتبنّتها الجمعيّة العامّة في الوثيقة الختاميّة.
ب. الإصلاح اللّيتورجيّ
3. إطّلع الآباء على أعمال اللّجنة البطريركيّة للشّؤون الطّقسيّة الّتي قدّم رئيسها تقريرًا وعرض على المناقشة والتّصويت ملفّات عشرة نصوص من الكتب التّالية الّتي كان السّينودس قد درسها وقدّم فيها ملاحظات: كتاب الإرشادات الطّقسيّة، رتبة العماد والميرون، رتبة الخطبة والتّكليل، رتب سيامة المرتّل والقارىء والشّدياق، رتب جنّازات الشّمّاس والكاهن والأسقف، والرّوزنامة اللّيتورجيّة أو الكلندار المارونيّ. وناقش الآباء مسألة الاحتفال بسبت النّور وبمفهومه اللّاهوتيّ ورمزيّته الرّوحيّة وموجباته الرّعويّة. وإتّخذوا فيها القرار اللّيتورجيّ المناسب.
وناقشوا أخيرًا موضوع التّرجمات إلى اللّغات الّتي يعتمدها الموارنة في الانتشار، لاسيّما الإنكليزيّة والفرنسيّة والإسبانيّة والبرتغاليّة والألمانيّة واليونانيّة، مشدّدين على أنّه يجب أن تنطلق هذه التّرجمات من النّصّ الأصليّ السّريانيّ وتأخذ في الاعتبار المعطيات الثّقافيّة والحاجات الرّعويّة في عالم اليوم. ولفتوا إلى أنّ كتاب القدّاس المارونيّ سيصدر قريبًا باللّغتين الفرنسيّة والألمانيّة.
أثنى الآباء على الجهود الّتي يقوم بها أعضاء اللّجنة الطّقسيّة بهدف توعية الموارنة على أهمّيّة اللّيتورجيا الّتي هي من عناصر وحدة كنيستنا ودعوهم إلى الحفاظ عليها.
ج. التّنشئة الكهنوتيّة.
4- إطّلع الآباء على تقارير المدارس الإكليريكيّة المولجة تنشئة كهنة الغد وهي الإكليريكيّة البطريركيّة المارونيّة في غزير، وإكليريكيّة مار أنطونيوس البادوانيّ في كرمسده، إكليريكيّة سيّدة لبنان في واشنطن، بالإضافة إلى المعهد المارونيّ الحبريّ في روما. كما اطّلعوا على تقرير اللّجنة المولجة تأمين التّنشئة الدّائمة لكهنة الغد.
أثنى الآباء على الجهود الّتي يبذلها المسؤولون عن التّنشئة الكهنوتيّة بالتّعاون مع البطريرك والأساقفة في ظلّ الظّروف الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة الضّاغطة في لبنان، وعلى تضامن أبرشيّات الانتشار لرفع التّحدّي الماليّ وتأمين تنشئة تتناسب مع حاجات الكنيسة اليوم. وأشاروا إلى أنّهم يعملون على وضع برنامج خاصّ بالتّنشئة الرّساليّة لتهيئة كهنة يخدمون في أبرشيّات الانتشار وفي رعاياها ورسالاتها.
كما شدّدوا على تشجيع وتعزيز كلّيّات ومعاهد اللّاهوت والتّثقيف الدّينيّ على أنواعها إذ تطال عددًا كبيرًا من العلمانيّين، والشّبيبة بنوع خاصّ، الّذين يتوقون إلى تنشئة مسيحيّة معمّقة تسمح لهم الالتزام في كنيستهم وفي العالم بإعلان إنجيل الخلاص بالشّهادة للمسيح القائم من الموت.
د. مواكبة مسيرة تطبيق الوثيقة الختاميّة لسينودس الأساقفة في موضوع السّينودسيّة.
5. قدّم مندوب الكنيسة المارونيّة في سينودس الأساقفة في موضوع السّينودسيّة الّذي عقد في روما على دورتين (تشرين الأوّل 2023 وتشرين الأوّل 2024) تقريرًا عن الوثيقة الختاميّة الّتي تشدّد على التّوبة والارتداد وعلى تعميم طريقة المحادثة بالرّوح القدس على الكنائس المحلّيّة والأبرشيّات والمؤسّسات الكنسيّة بهدف الإصغاء والحوار والوصول إلى التّمييز في القرارات الكنسيّة الواجب اتّخاذها على المستويات كافّة.
وعرض خطة عمليّة لمواكبة مسيرة تقبّل وتطبيق توصيات السّينودس الواردة في الوثيقة الختاميّة "بطريقة تتناسب مع الثّقافات المحلّيّة واحتياجات الكنائس"، واضعًا روزنامة زمنيّة اقترحتها الأمانة العامّة لسينودس الأساقفة في روما وتنتهي مراحلها في جمعيّة كنسيّة تعقد في الفاتيكان في تشرين الأوّل 2028.
ه. الشّؤون القانونيّة وخدمة العدالة.
6- إستمع الآباء إلى تقارير الأساقفة المولجين السّهر على خدمة العدالة في محاكمنا المارونيّة الابتدائيّة والاستئنافيّة. وأشاروا إلى أنّهم يبذلون الجهود الكبيرة لاستقبال المتقاضين والإصغاء إليهم ومرافقتهم قبل السّير بالدّعاوى، بغية اقتراح المصالحات، وبعدها بهدف تخفيف التّشنّجات والنّظر إلى مصلحة الأولاد وتسريع إصدار الأحكام. ويعملون على منح المعونات القضائيّة لمن هم في حاجة. ولاحظوا تفاقم الأزمات الأخلاقيّة والنّفسيّة والرّوحيّة والمادّيّة الّتي تؤدّي غالبًا إلى تفكّك العائلة واللّجوء إلى المحكمة. وعبّروا عن حاجتهم الماسّة إلى كهنة يتخصّصون في الحقّ القانونيّ للعمل في المحكمة وإلى تعيين قضاة لتسهيل عمل المحكمة وتسريعه.
وأثنوا على الجهود الّتي يقدّمها العاملون في المحاكم وعلى البرامج المحاذية للعمل القضائيّ والمكمّلة له الّتي تنظّمها المحاكم والأبرشيّات، من مثل مركز الإصغاء والوساطة والمرافقة القانونيّة والنّفسيّة، قبل تحويل الدّعاوى إلى المحكمة، وأثناء التّداعي وبعدها، بالتّعاون مع مكتب راعويّة الزّواج والعائلة في الدّائرة البطريركيّة الّذي يُنظّم دورات تنشئة للإكليروس والعلمانيّين بهدف تهيئتهم لتولّي مسؤوليّات في الأبرشيّات، بالاشتراك مع جامعتي الحكمة والقدّيس يوسف.
و. الشّؤون الإداريّة والرّاعويّة.
7- إطّلع الآباء على تقارير مكاتب الدّائرة البطريركيّة والمؤسّسات البطريركيّة والمارونيّة.
واستمعوا تواليًا إلى تقارير أنشطة وخدمات مكتب راعويّة الشّبيبة، ومكتب راعويّة الزّواج والعائلة، ومكتب راعويّة المرأة، والمركز المارونيّ للتّوثيق والأبحاث، ومكتب الإعلام والتّواصل الرّقميّ الّذي أطلق الموقع الرّسميّ الجديد للبطريركيّة، والمؤسّسة البطريركيّة للإنماء الشّامل، والمؤسّسة المارونيّة للانتشار، والرّابطة المارونيّة.
وكلّ هذه المكاتب والمؤسّسات تعمل بإشراف صاحب الغبطة البطريرك في سبيل تأدية الخدمة الرّوحيّة والإنسانيّة والاجتماعيّة والوطنيّة المطلوبة منها بالتّعاون والتّضامن والمشاركة بين الإكليروس والعلمانيّين لشهادة مسيحيّة مستمدّة من تعليم الكنيسة الاجتماعيّ.
ثانيًا: في الشّأن الرّعويّ.
أ. الأبرشيّات في النّطاق البطريركيّ
8- إستعرض الآباء أوضاع الأبرشيّات في لبنان وبلدان النّطاق البطريركيّ. وأقلقتهم الحرب الجارية الآن بين إسرائيل وإيران وتداعياتها على المنطقة وهم يدعون إلى وقف الحرب والعودة الى منطق الحوار والحلول الدّيبلوماسيّة. وتوقّفوا عند الحاجات المتزايدة الّتي يواجهها أبناؤهم وبناتهم في ظلّ الأوضاع الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة والمعيشيّة والأمنيّة والصّراعات القائمة في الشّرق الأوسط، لاسيّما في لبنان وسوريا والأراضي المقدّسة جرّاء الحرب الدّائرة بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين في غزّة والضّفّة الغربيّة، وما تجرّه على الفلسطينيّين وعلى أبناء المنطقة من ويلات ودمار وضحايا بشريّة. وإنتخبوا مطارنة للأبرشيّات الشّاغرة، ونقلوا سيادة المطران يوحنّا رفيق الورشا المعتمد البطريركيّ لدى الكرسيّ الرّسوليّ ورئيس المعهد المارونيّ في روما إلى النّيابة البطريركيّة في منطقة جونية ونقل سيادة المطران الياس نصّار مطران صيدا شرفًا إلى الكوريا البطريركيّة.
يعبّر الآباء عن استنكارهم الشّديد لما يتعرّض له قطاع غزّة والضّفة الغربيّة منذ أكثر من سنة وثمانية أشهر، ويدعون المجتمع الدّوليّ وكلّ أصحاب الضّمائر الحيّة في العالم إلى الضّغط على كلّ أطراف النّزاع من أجل متابعة الحوار للوصول إلى وقف نهائيّ لإطلاق النّار تمهيدًا لبدء مفاوضات على قاعدة الاعتراف بحلّ الدّولتين وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 181.
أمّا في سوريا، فيتمنّى الآباء على السّلطات الجديدة أن تبني دولة القانون والمواطنة والدّيمقراطيّة على أسس الوحدة والحرّيّة والعدالة والمساواة واحترام جميع مكوّنات المجتمع السّوريّ. ويأملون ان يرتدّ رفع العقوبات الماليّة والاقتصاديّة إيجابيًّا على أمن سوريا واستقرارها ووحدة شعبها؛ فتتوافر لها إمكانات الاستثمار المطلوب والمؤمِّن لفرص العمل وللنّهوض الاقتصاديّ الّذي سيخفّف بالتّأكيد من وطأة نزوح أبنائها إلى دول الجوار، وعلى رأسها لبنان، مقدّمة لعودتهم إلى ديارهم وإسهامهم في إعادة بنائها وإعمارها.
وتوقّف الآباء عند أوضاع أبنائهم في بلدان الخليج وحاجاتهم الرّوحيّة والكنسيّة من تأمين كهنة لخدمتهم الرّاعويّة حفاظًا على روحانيّتهم وتراثهم السّريانيّ الأنطاكيّ.
ب. أبرشيّات الانتشار.
9. تناول الآباء كذلك أوضاع أبرشيّات الانتشار في أوروبا وأفريقيا وأميركا الشّماليّة والجنوبيّة وأستراليا ونيوزيلندا وأوقيانيا وحاجات بعضها.
وتوقّفوا بشكل خاصّ عند أبرشيّتي فرنسا والمكسيك الشّاغرتين. وإستمعوا إلى التّقارير المقدّمة إلى السّينودس وتدارسوا حاجاتهما وانتخبوا لهما لائحة أسماء ترفع إلى الكرسيّ الرّسوليّ كي يتّخذ قداسة البابا القرار بتعيين مطران لكلّ منهما.
وتوقّفوا عند ظاهرة هجرة أبنائهم الموارنة من لبنان ومن سائر بلدان الشّرق الأوسط نحو بلدان الانتشار وهي تتعاظم باستمرار وتطرح إشكاليّة تناقص عددهم في الأوطان الأمّ وتزايد الحاجات الرّعويّة لخدمتهم في الأوطان الجديدة والمضيفة.
وكان مطارنة الانتشار قد عقدوا مؤتمرهم السّابع في بكركي في 2 و3 حزيران الجاري بعنوان "الأبرشيّات المارونيّة خارج النّطاق البطريركيّ هي علامات رجاء في قلب الكنيسة المارونيّة". وأصدروا توصيات تشدّد على توطيد التّواصل بين أبرشيّاتهم والأبرشيّات والرّهبانيّات في لبنان وتبادل الخبرات وتأمين كهنة غيورين للخدمة في الانتشار وشدّ أواصر الرّوابط مع البطريركيّة في لبنان الأساس والمرجع. وشدّدوا على الالتزام بالنّصوص والطّقوس اللّيتورجيّة رمز وحدة الموارنة في العالم.
قدّر الآباء ما يقوم به مطارنة الانتشار من جهود في سبيل جمع أبنائهم وتوعيتهم على الحفاظ على تاريخهم وتراثهم، وحثّهم على التّضامن مع أوطانهم الأمّ وبلداتهم وأهلهم.
ثالثًا: في الشّأن الاجتماعيّ والتّربويّ وخدمة المحبّة
10- تداول الآباء في الأوضاع المعيشيّة الصّعبة والأزمات الاقتصاديّة والتّربويّة والاستشفائيّة الّتي يعاني منها أولادهم في لبنان، ولاسيّما في ظلّ عجز المؤسّسات الحكوميّة والرّسميّة عن القيام بواجباتها لتسهيل حياة المواطنين والحفاظ على كرامتهم.
وتوقّفوا عند واقع المؤسّسات الكنسيّة، وبخاصّة تلك التّربويّة والصّحّيّة والاجتماعيّة، الّتي تمرّ في مرحلة دقيقة وصعبة على المستوى الماليّ.
وبحثوا واقع التّربية والتّعليم بقسمَيْه الخاصّ والرّسميّ. وهم يطالبون الدّولة بتحمّل مسؤوليّاتها كاملة بالمحافظة على المؤسّسات التّربويّة، المدرسيّة والجامعيّة، وبإنهاء عمليّة تحديث البرامج وبتعزيز روح المواطنة والحوار بين الطّلّاب، ما يرتدّ خيرًا على المجتمع الوطنيّ.
10. ويعي الآباء ما يعانيه الوالدون في سبيل تأمين العلم والتّربية السّليمة لأولادهم في ظلّ الظّروف الصّعبة. لذلك هم يطلبون من القيّمين على المؤسّسات التّربويّة أخذ التّدابير اللّازمة لملاقاة الأهل في التّحدّيات الّتي تواجههم مع السّهر على تأمين استمرار هذه المؤسّسات في تأدية رسالتها. ويدعون في الوقت عينه الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة إلى التّواصل الدّائم مع السّادة النّوّاب ونقابة المعلّمين وأصحاب المؤسّسات التّربويّة من أجل وضع تشريعات تحمي حقوق المعلمين في الحياة الكريمة.
10- ويطلب الآباء من الأبرشيّات والرّهبانيّات أن تقوم بكلّ ما يلزم حتّى لا يُحرم أيّ راغبِ علمٍ من التّعلّم بسبب ضيق الأحوال الاقتصاديّة. وليتذكّر الجميع أنّ التّربية والعلم يسهمان في بناء الكنيسة والأوطان.
ويؤكّد الآباء وقوفهم إلى جانب شعبهم وأنّهم سيعملون كما عملوا في السّابق، على تقديم كلّ المساعدات الممكنة عبر مؤسّساتهم الكنسيّة المختصّة وبالتّعاون مع أبرشيّات الانتشار والهيئات العالميّة المانحة للمساهمة في دعم التّعليم والاستشفاء والدّواء لأبنائهم وبناتهم.
رابعًا: في الشّأن الوطنيّ
13- يتعرّض لبنان اليوم، وبعد خمسين سنة على اندلاع الحرب فيه، لأزمة خطيرة تهدّد كيانه وهويّته وتضعه في مأزق وجوديّ مصيريّ بالغ الخطورة. ولكن علامات رجاء بدأت تظهر منذ بداية السّنة الجارية مع انتخاب رئيس للجمهوريّة وتعيين رئيس لمجلس الوزراء وتأليف حكومة جديدة. وقد وعدوا جميعهم ببناء دولة القانون وإعادة الثّقة إلى اللّبنانيّين.
لذا يثني الآباء على إطلاق عجلة التّشكيلات والتّعيينات في الإدارة العامّة والجسم القضائيّ والمؤسّسات العسكريّة والأمنيّة، إيذانًا ببدأ تنفيذ الإصلاحات المطلوبة والمنتظرة من جميع اللّبنانيّين. ويجدّدون دعمهم لفخامة رئيس الجمهوريّة والحكومة آملين ان يستمرّوا في هذه المسيرة بوتيرة أسرع ويتّخذوا القرارات الجريئة والصّائبة.
13- يدرك الآباء خطورة التّحدّيات الّتي تواجهها الحكومة في إجراء الإصلاحات الهيكليّة الأساسيّة الّتي من شأنها أن تُخرج البلاد من دوّامة الانهيار. والّتي تتجلّى في النّقاط التّالية: أولويّة إعادة الودائع كاملةً، تنفيذ كامل وتامّ للقرار الدّوليّ 1701، حصر السّلاح بيد الدّولة، إصلاح واستقلاليّة الجسم القضائيّ، إعادة الإعمار، إعادة هيكلة المصارف والدَّيْن العامّ، إصلاح القطاع المصرفيّ والنّظام الضّريبيّ وتعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد، تحسين بيئة الأعمال والاستثمار، وضبط المعابر الحدوديّة ومنع التّهريب. لذا هم يتمنّون النّجاح للحكومة بالتّعاون مع مجلس النّوّاب ومع القوى السّياسيّة والحزبيّة.
13- يتابع الآباء باهتمام كبير تسارع الأحداث السّياسيّة والدّيبلوماسيّة في الشّرق الأوسط وما يمكن أن تنعكس تأثيراتها على لبنان. ويجدون في الدّعم الدّوليّ للبنان ولحكومته فرصة، لا يمكن أن تتكرّر ولا يجب أن تضيع، بل ينبغي أن يستفيد منها أركانُ الحكم، وعلى رأسهم فخامة رئيس الجمهوريّة، ويتّخذوا خطوات جريئة وحازمة وحاسمة ينتظرها جميع اللّبنانيّين على صعيد تعافي الدّولة وحصريّة مرجعيّتها في شؤونهم المصيريّة والحياتيّة.
13- يلفت الآباء انتباه السّياسيّين والأحزاب والكتل النّيابيّة إلى الأهمّيّة القصوى المعلّقة على متابعة تنفيذ وثيقة اتّفاق الوفاق الوطنيّ وسدّ الثّغرات في ما نُفّذ منها استنسابيًّا.
وهذا يحتاج برأيهم الى إطلاق مسيرة وطنيّة لتنقية الذّاكرة، كان من المفترض أن تحصل بين اللّبنانيّين بعد اتّفاق الطّائف لتضع حدًّا نهائيًّا للحرب. لهذا أعلنوا في حزيران من السّنة الماضية عن تأليف لجنة أسقفيّة تعمل على تهيئة الأجواء ووضع خطّة عمل وآليّة التّنفيذ والتّواصل مع جميع الأطراف اللّبنانيّين.
في 14 نيسان 2025، وخلال اللّقاء مع السّادة النّوّاب المسيحيّين في مزار سيّدة لبنان في حريصا، أطلق صاحب الغبطة والنّيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي مسيرة تنقية الذّاكرة وكلّف اللّجنة البدء بعملها، آملًا أن تكون هذه السّنةُ اليوبيليّة، سنةُ الرّجاء، بدايةً لمسيرة المصالحة الوطنيّة ووحدة اللّبنانيّين بغية إعادة بناء لبنان وطنًا ورسالة.
خاتمة
17- في الختام يتوجّه الآباء إلى أولادهم المنتشرين في كلّ أنحاء العالم، ويقولون لهم :
أنتم تنظرون إلينا نحن الرّعاة، خلفاء الرّسل، باحترام وتقدير وأحيانًا بريبةٍ وخشيةٍ، وتطلبون منّا شهادة صادقة في حياتنا بينكم. إنّنا نصغي إليكم ونسمع صوتكم، ونتفهّم مواقفكم، ونتحسّس وجعكم، ونحاول بكلّ إمكاناتنا أن نبلسم جراحكم. ونؤكّد وقوفنا الى جانبكم عبر مؤسّساتنا الكنسيّة وتضامن أبنائنا في بلدان الانتشار.
لقد اختارنا الله من بينكم في ضعفنا، وأقامنا لنكون في خدمتكم ونحبّكم أكثر، ونشهد للمسيح الخادم والمعلّم ونخدم باسمه كلّ فقير ويتيم ومريض ومظلوم ومنبوذ ومهجّر ومهاجر.
وبالرّغم من الأوضاع الكارثيّة الّتي تحمل على اليأس، نقول لكم إنّنا في سنة الرّجاء نحمل معًا الرّجاء بالرّبّ يسوع المسيح الّذي لا يخيّب. ونقول لكم مع قداسة البابا لاون الرّابع عشر :
"من يمكنه، أكثر منكم، ان يترنّم بكلام الرّجاء في زمن العنف، أنتم الّذين اختبرتم أهوال الحرب؟ تعالوا نبني معًا، بنور وقوّة الرّوح القدس، كنيسة "قائمة" على محبّة الله وعلامةً للوحدة، كنيسةً مُرسَلة تفتح ذراعيها للعالم وتبشّر بكلمة الله وتعلن إنجيل الخلاص، وتسمح للتّاريخ بأن يقلقها، وتصير خميرةَ انسجام ووفاق للبشريّة".
لا تخافوا إذًا، يقول لنا الرّبّ يسوع، فكنيستنا قويّة به وبتضامننا ووحدتنا. فلنطلب من الله، بشفاعة العذراء مريم، سيّدة لبنان ونجمة الرّجاء، وجميع قدّيسينا، لاسيّما آخر المعلنين فيها الإخوة الشّهداء المسابكيّين والبطريرك إسطفان الدّويهيّ، أن يجعل منّا رُسل محبّة وأنبياء رجاء وصانعي سلام."