سوريا
09 شباط 2021, 10:15

ماذا تقول بطريركيّة الرّوم الأرثوذكس عن اللّقاحات ضدّ كورونا؟

تيلي لوميار/ نورسات
صدر عن بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس بيانًا بشأن اللّقاحات ضدّ كورونا، وجاء في نصّه:

"أمام ما يتعرّض له العالم ويُصيب الإنسان اليوم بفعل جائحة كوفيد 19، وأمام إنتاج اللّقاحات المُضادّة لهذه الجائحة، يهمّ الكنيسة الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة، وبعد التّشاور بين غبطة البطريرك والسّادة المطارنة، أن توضحَ لأبنائها ما يلي:

1. لقد سبق للكنيسة أن أكّدت في الرّسالة الرّعائيّة الصّادرة في العام 2019 على "قدسيّة الحياة ووجوب احترامها، مع انفتاحها على التّقدّم العلميّ". وهي في السّياق ذاته، وإيمانًا منها بالدّور المحوريّ الّذي لعبه التّقدّم العلميّ على مرِّ العصور، تشجّع العلم والعلماء وتبارك كلّ مبادرةٍ خيّرةٍ تساهم في تقدّم البشريّة وتخفّف من معاناة الإنسان. ولذلك فهي ترفع صلواتها من أجل كلّ العاملين على حفظِ الحياة الإنسانيّة وخدمتها من باحثين وعلماء وأطبّاء وممرِّضين وممرِّضات وجميع الّذين يوفّرون الرّعاية والعناية والخدمة في المستشفيات. وهي تتضرّع من أجلهم، وقد أظهروا في ظلّ انتشار هذه الجائحة تفانيًا وتضحيةً وسهرًا مستمرًّا حتّى بذل الذّات، لكي يؤازرهم الرّبّ الإله بنعمته ويكونوا معاونين أمناء لطبيب النّفوس والأجساد، المسيح إلهنا. كما ترفع الكنيسة صلواتها من أجل شفاء جميع المرضى وعضد ذويهم، وتعزية قلوب الحزانى وراحة نفوس الّذين رقدوا على رجاء القيامة والحياة الأبديّة.

2. واليوم، وبعد أن توصّل العلماء إلى إيجاد مجموعة من اللّقاحات المضادّة لجائحة كوفيد 19، تعتبر الكنيسة من بعد متابعتها لنتائج البحوث الطّبّيّة المختلفة واستشارة أصحاب الاختصاص، أنَّ مسألة التّلقيح لا تختصّ بحقل الدّراسات اللّاهوتيّة والرّوحيّة الإيمانيّة، وإنّما بالحقل العلميّ والطّبّيّ والمراجع المعنيّة به، فيكون القرار بشأنها قرارًا شخصيًّا، يعود لكلّ شخصٍّ حقّ اتّخاذه بالتّنسيق مع طبيبه.

3. علاوةً على ذلك، وبما أنَّ هذه الجائحة ما زالت تُشكّل خطرًا على الحياة الإنسانيّة كون أنَّ المعنيّين لم يجدوا لها العلاجَ الشّافي بعد، رغم ما يشكّله اللّقاح من وقايةٍ منها نرجوها فعّالة، فإنَّ الكنيسة تلفت انتباه أبنائها إلى أهمّيّة استمرارهم بالالتزام بكافّة الإجراءات الّتي تدعوهم إليها الجهات المسؤولة والمُختصّة، أكانَ قبل التّلقيح أم بعده، وذلك لمزيدٍ من صون سلامة المجتمع والحياة الإنسانيّة، علمًا أنّ اللّقاحات المعروضة قد أنجزت في فترةٍ قياسيّةٍ غير اعتياديّةٍ بهدف الحدّ من انتشار الوباء، وذلك بفضل التّقدّم الطّبِّيّ والتّكنولوجيّ وتضافر الجهود وتوفير الموارد اللّازمة.

4. تحذّر الكنيسة من أيّ استغلالٍ سياسيٍّ أو تجاريٍّ لموضوع اللّقاحات، خاصّةً مِن حجبها عن الفئات المهمّشة وتوزيعها بشكلٍ يخالف أسُسَ المساواة والعدالة والتّعاضد بين جميع النّاس.

5. إنّ الكنيسة إذ تتفهّم وجود آراءٍ مختلفةٍ نابعةٍ من مخاوف وهواجس يتمّ تداولها على غير صعيد، خصوصًا في ظلّ تقاذفٍ إعلاميٍّ مستمرٍّ وجوٍّ من الخوف والقلق والتّهويل الّذي أثارته طريقة طرح موضوع الصّحّة العامّة والضّغوطات الكثيرة الّتي مورست أو تمارَس، كما والرّغبة في الحفاظ على عطيّة الحياة، دون أن تغفل الخلفيّة الإيمانيّة والرّوحيّة الّتي انطلق البعض منها في طرح هذه المسألة، تؤكّد أنّ هؤلاء جميعًا يبقون، على اختلاف آرائهم ومواقفهم أبناءها، وتدعوهم إلى الحفاظ على رباط السّلام والوحدة والمحبّة الّذي يجمعنا في المسيح.

6. لا شكّ أنّ جميع التّدابير الوقائيّة والصّحّيّة واللّقاحات مفيدةٌ لسلامتنا الجسديّة، ولكن يجب ألّا نغفل أيضًا أهمّيّة سلامتنا الرّوحيّة، الّتي تقتضي منّا الانتباه إلى تلك "المسافة الآمنة" الّتي نضعها بيننا وبين الله وأخينا الإنسان وبيئتنا الطّبيعيّة، كوننا نعيش في غربةٍ عن الله، وفي صراعٍ مع أخينا، وفي تعدٍّ على بيئتنا الحيويّة واستهلاكٍ نهمٍ لمواردها. وهذا يُعالَج بتغيير سلوكنا عبر توبتنا الصّادقة بالعودة إلى الله بالصّلاة وحياة الشّركة والخدمة، بالصّوم عمّا يؤذينا ويؤذي أخانا وبيئتنا، مع ما يعني ذلك من عيشٍ لسرّ شكر الله على عطاياه ومراحمه، وتغذية رجائنا بالكلمة الإلهيّة وسِيَر القدّيسين وتعاليمهم. فالشّركة الدّائمة مع الله وجميع قدّيسيه تَنهض بالكنيسة المجاهدة إلى لقاء الكنيسة الظّافرة، فتسكب الثّانية على الأولى نِعَم الله فتتجلّى فيها روح الشّجاعة والمروءة والتّعاضد الصّادق والمحبّ مع إخوتنا البشر.

7. في النّهاية، إنّ الفرح النّابع من إيماننا بأنّ المسيح معنا حتّى انقضاء الدّهر يجعلنا رفاق دربٍ مع الّذين سلكوا طريق الجهاد من آبائنا في كلّ زمانٍ ومكانٍ، ويقوّينا في مواجهة كلّ شرٍّ وسوءٍ، ويجعلنا مثلهم، نتغلّب بنعمة الله وتضافر المساعي والجهود على التّحدّيات الّتي تعترض مسيرتنا، لكي يتمجّد الله في أقوالنا وأعمالنا."