لمناسبة عيد القديس مارون... الأب نعمة الله الهاشم يحتفل بالقدَّاس الإلهيّ في دير مار مارون – عنَّايا
وألقى قدس الأب العام عظة بالمناسبة وهذا نصها:
تاريخ الخلاص هو تاريخ العلاقة بين الله والإنسان، إنّه تاريخ محبّة الله للإنسان،
يعلّمنا الوحي بأنّه منذ البدء أحبّ الله الإنسان فخلقه على صورته ومثاله، وميّزه عن سائر المخلوقات، ودخل في حوار معه، موضحا طبيعة علاقة الإنسان مع الله ومع الإنسان الآخر ومع الكون والطبيعة،
ومنذ البدء بادل الإنسان الله المحبّة، لكنّه لم يلتزم بأصول علاقة المحبة، فنتج عن ذلك تشويه لهذه العلاقة من قبله مع الله وبالفعل نفسه، تضرّرت علاقة الإنسان مع ذاته ومع الإنسان الآخر ومع الكون والطبيعة.
ومنذ البدء أيضا بقي الله أمينا لمحبته للإنسان، ورافقه في مسيرة ترميم العلاقة والصورة، مكلّما أيّاه "بوسائل شتّى" حسب تعبير الرسالة إلى العبرانيين، إلى أن كلّمه أخيرا بتجسّد أبنه، سيّدنا وإلهنا يسوع المسيح، ألذي أعاد بشخصه نقاء الصورة وعلاقة البنوّة الصافية والمحبّة المطلقة مع الله، وبالفعل ذاته أيضا أصلح علاقة الإنسان مع نفسه ومع أخيه الإنسان ومع الكون والطبيعة.
وترميم العلاقة وتجديدها أو المصالحة، أي الخلاص الذي تحقّق بشخص يسوع المسيح، إبن الله المتجسّد تطال مفاعيله الإنسانيّة جمعاء، وتطال كلّ إنسان، في كلّ زمان ومكان، وأصبح الإتحاد بشخص يسوع المسيح والالتزام ببشارته وتعاليمه مقياس تحقّق هذه المصالحة على الصعيد الفردي والجماعي.
نختبر جميعا، كلّ مراحل هذه العلاقة مع الله، نختبر عدم أمانتنا لمحبّة الله وابتعادنا عنه، نختبر تشويه صورة الله فينا وبعدنا عنه، وبالتالي بعدنا عن ذاتنا وعن أخوتنا في الإنسانيّة وبعدنا عن الكون والطبيعة. نختبر تسلّط الخطيئة والشرّ علينا، فتزعزع علاقتنا بالله ونعيش حالة ضياع وغربة عن الذات وتتحوّل علاقتنا بالآخرين من علاقة اخوة ومحبّة وخدمة إلى علاقة عداء واستغلال واستعباد، وتفقد علاقتنا بالطبيعة عفويتها فنعيث فيها تشويها وتدميرا.
وكما تظهر علامات ونتائج الإبتعاد عن الله وعدم الالتزام ببشارة المسيح وتعاليمه في حياة وتصرفات بعض الناس، ويسببون الضرر والضياع لذواتهم ولمحيطهم ومجتمعاتهم وأوطانهم، فتنقسم العائلات، وتفسد المجتمعات، وتنشأ المخاصمات والفتن والحروب بين الناس والشعوب والبلدان وتتدمر الطبيعة والبيئة، كذلك، وبشكل أكثر جلاء، تتظهر علامات ونتائج الخلاص والمصالحة في بعض الناس، أي في القديسين، فتظهر في نفوسهم علامات ونتائج المصالحة مع الله ومع ذواتهم ومع مجتمعاتهم لتطال الإنسانيّة جمعاء.
والقديس مارون، الذي نحتفل اليوم بعيده، عاش هذه المصالحة في شخصه، وعاش التزامه بشخص يسوع وبشارته وتعاليمه، فتصالح مع الله ومع ذاته ومع البشر اخوته ومع الطبيعة. فعاش راهبا ناسكا مكرّسا حياته بكليتها لله، متصالحا مع ذاته ومع الناس من حوله الذين كانوا يلجأون إليه لطلب النعم وكذلك مع الطبيعة التي عاش في أحضانها في العراء دون أن تؤذيه.