الفاتيكان
12 أيار 2025, 05:55

لماذا اختار البابا اسم لاون الرّابع عشر؟

تيلي لوميار/ نورسات
إستقبل البابا المنتخَب، صباح السّبت، مجمع الكرادلة، وتوجّه إليهم بكلمة "مؤثّرة"، اتّسمت "بطابع روحيّ وتأمّليّ عميق"، استهلّها بتحيّة امتنان وتقدير لوقوفهم بجانبه، واستعاد فيها "روح القيامة الّتي طبعت الأيّام الأخيرة"، شارحًا السّبب الكامن وراء اختيار اسمه البابويّ.

الأب الأقدس الّذي ذكّر بدور البابا "كمجرّد خادم متواضع لله ولشعبه"، نوّه بالإرث الرّوحيّ والرّاعويّ الّذي تركه البابا فرنسيس، ودعا إلى مواصلة المسيرة بروح الرّجاء والوفاء للإنجيل، وقال بحسب "فاتيكان نيوز": "أنتم، أيّها الكرادلة الأحبّاء، المعاونين الأقرب للبابا، وهذا يمنحني عزاءً كبيرًا وأنا أقبل نيرًا يتجاوز بوضوح قدراتي، كما يتجاوز قدرات أيّ إنسان. إنّ حضوركم يذكّرني بأنّ الرّبّ، الّذي أوكل إليّ هذه الرّسالة، لا يتركني وحدي في حمل أعبائها. إنّني أعلم، قبل كلّ شيء، أنّني أستطيع دائمًا الاعتماد على معونته، وبنعمته وعنايته الإلهيّة، على قربكم أنتم، وقرب العديد من الإخوة والأخوات الّذين يؤمنون بالله في جميع أنحاء العالم، ويحبّون الكنيسة، ويعضدون خليفة المسيح بالصّلاة وبأعمال البرّ.

أشكر عميد مجمع الكرادلة، الكاردينال جوفاني باتيستا ري، الّذي ساعدتنا حكمته، النّاتجة عن حياة طويلة وسنين عديدة من الخدمة الأمينة للكرسيّ الرّسوليّ، في هذه المرحلة. كما أشكر كاميرلنغو الكنيسة الرّومانيّة المقدّسة، الكاردينال كيفن جوزف فاريل، على الدّور الثّمين والدّقيق الّذي أدّاه خلال فترة الكرسيّ الشّاغر وفي الدّعوة إلى الكونكلاف. وأتوجّه بفكري إلى الإخوة الكرادلة الّذين لم يستطيعوا الحضور لأسباب صحّيّة، وأتّحد بكم في شركة المحبّة والصّلاة.

في هذه اللّحظة الّتي تمتزج فيها مشاعر الحزن والفرح، والمغمورة بنور القيامة، أرغب أن ننظر سويًّا إلى رحيل البابا فرنسيس وإلى الكونكلاف كحدثين فصحيّين، كمرحلة من مراحل الخروج الطّويل الّذي يواصل الرّبّ من خلاله قيادتنا نحو ملء الحياة. ومن هذا المنظور، نودّع روح الحبر الرّاحل إلى "الآب الرّحيم، إله كلّ تعزية"، ونوكل إليه مستقبل الكنيسة.

إنّ البابا، بدءًا من القدّيس بطرس ووصولًا إليَّ أنا، خليفته غير المستحقّ، ليس إلّا خادمًا متواضعًا لله وللإخوة، لا أكثر. وقد أظهرت هذه الحقيقة بشكل جليّ أمثلة العديد من أسلافي، وآخرهم البابا فرنسيس، من خلال أسلوبه القائم على التّفاني الكامل في الخدمة، والبساطة الجوهريّة في أسلوب الحياة، والتّسليم لله في زمن الرّسالة، والثّقة الهادئة في لحظة العودة إلى بيت الآب. لنقبل إذًا هذا الارث الثّمين ولنستأنف المسير، يحرّكنا الرّجاء عينه الّذي ينبعث من الإيمان.

إنّ القائم من بين الأموات، الحاضر في وسطنا، هو من يحمي الكنيسة ويقودها ويواصل إحياءها بالرّجاء، من خلال المحبّة الّتي "أُفيضت في قلوبنا بالرّوح القدس الّذي أُعطي لنا". أمّا نحن، فعلينا أن نصغي إليه بطواعيّة، ونكون أمناء في خدمة مخطّطه الخلاصيّ، متذكّرين أنّ الله يحبّ أن يكشف عن ذاته، لا في دويّ الرّعد أو الزّلازل، بل في "صوت النّسيم اللّطيف"، أو كما يترجمها البعض: "صوت الصّمت الخافت". ذاك هو اللّقاء الجوهريّ الّذي لا ينبغي لنا أن نفوّته، بل علينا أن نربّي عليه ونرافق فيه شعب الله المقدّس الّذي أوكل إلينا.

لقد شهدنا في الأيّام الأخيرة جمال وقوّة هذه الجماعة الكبيرة، الّتي ودّعت راعيها بفيض من المحبّة والوفاء، ورافقته بالصّلاة والإيمان في لحظة لقائه النّهائيّ مع الرّبّ. وهكذا رأينا الوجه الحقيقيّ لعظمة الكنيسة، الّتي تحيا بتنوّع أعضائها، المتّحدين برأس واحد هو المسيح، "راعي نفوسنا وحارسها". إنّها الحشا الّذي وُلدنا منه نحن أيضًا، وهي في الوقت عينه القطيع والحقل الّذي أُعطي لنا لكي نعتني ونغذّيه بأسرار الخلاص، ونخصبه ببذار الكلمة، لكي يسير، راسخًا في الوحدة ومتّقدًا بالحماسة الرّسوليّة، كما سار بنو إسرائيل في البرّيّة، في ظلّ السّحابة ونور نار الله.

وفي هذا الإطار، أرغب اليوم أن نُجدّد معًا التزامنا التّامّ في المسيرة الّتي تسلكها الكنيسة الجامعة منذ عقود، مستنيرة بنور المجمع الفاتيكانيّ الثّاني. لقد أعاد البابا فرنسيس تسليط الضّوء على معانيه وآنيّته في الإرشاد الرّسوليّ فرح الإنجيل، والّذي أودّ أن أُسلِّط الضّوء على بعض المرتكزات الأساسيّة: العودة إلى أولويّة المسيح في البشارة؛ الارتداد الإرساليّ للجماعة المسيحيّة بأسرها؛ النّموّ في روح المجمعيّة والسّينودسيّة، لاسيّما من خلال أشكالها الأصيلة والشّاملة مثل التّقوى الشّعبيّة؛ العناية المحبّة بالأخيرين والمهمّشين؛ والحوار الشّجاع المفعم بالثّقة مع العالم المعاصر في تنوّع أبعاده وحقائقه. إنّها مبادئ إنجيليّة ألهمت وحرّكت على الدّوام حياة وعمل عائلة الله، وقيم يتجلّى من خلالها وجه الآب الرّحيم، الّذي أعلنه لنا الابن المتجسّد، الرّجاء الأخير لمن يبحث بصدق عن الحقيقة والعدل والسّلام والأخوّة.

وإذ أشعر بأنّني مدعوٌّ للسّير بهذا النهج، اخترت أن أحمل اسم لاوُن الرّابع عشر. هناك عدّة أسباب، ولكن السّبب الرّئيسي هو أنَّ البابا لاوُن الثّالث عشر، من خلال الرّسالة العامّة التّاريخيّة "Rerum novarum"، قد تناول المسألة الاجتماعيّة في خضمّ الثّورة الصّناعيّة الأولى؛ أمّا اليوم، فتضع الكنيسة في متناول الجميع تراثها في العقيدة الاجتماعيّة للكنيسة لكي تجيب على ثورة صناعيّة جديدة وتطوّرات الذّكاء الاصطناعيّ، بما تطرحه من تحدّيات جديدة في سبيل الدّفاع عن كرامة الإنسان، وعن العدالة والعمل.

أيّها الإخوة الأعزّاء، أودّ أن أختتم هذا اللّقاء بتبنّي الأمنية الّتي عبّر عنها القدّيس بولس السّادس عام ١٩٦٣، في مستهلّ خدمته البطرسيّة، وأقدّمها لكم أيضًا: "ليجتزِ العالمَ كلّه لهيبٌ عظيم من الإيمان والمحبّة، يشعل قلوب جميع الأشخاص ذوي الإرادة الصّالحة، ويضيء لهم دروب التّعاون المتبادل، ويجذب على البشريّة على الدّوام، فيضَ رضا الله، وقوّته، الّتي بدونها لا يكون لشيء قيمة، ولا يكون في شيء قداسة". لنكن نحن أيضًا ممتلئين بهذه المشاعر، ولنترجمها إلى صلاة والتزام، بمعونة الرّبّ."