لبنان
11 شباط 2019, 08:52

للمرّة الأولى بعد أكثر من ألف عام، عودة إلى الجذور في العاصي

لمناسبة عيد مار مارون وذكرى ١٥٠٠ سنة على تأسيس دير مار مارون على ضفّة نهر العاصي في الهرمل، احتفل أمين سرّ عامّ الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة الأب ميشال أبو طقّة بالذّبيحة الإلهيّة، عاونه فيها كلّ من وكيل دير مار مارون العاصي الأب ليشع سرّوع، ووكيل دير سيّدة النّجاة- بعلبك الأب طوني حدشيتي، ووكيل دير سيّدة الورديّة- دير الأحمر الأب بيار غصين، بمشاركة عدد من الآباء الرّهبان والكهنة والرّاهبات، وبحضور فعالياّت روحيّة، بلديّة، عسكريّة، أمنيّة، سياسيّة، حزبيّة وحشد كبير من المؤمنين الآتين من كلّ أصقاع لبنان.

 

وألقى الأب ميشال أبو طقّة عظة في المناسبة، جاء فيها: "نحتفل اليوم بعيد أبينا وشفيع كنيستنا، وملهم العديد من الّذين اختاروا السّير في الطّريق الضّيّق المفضي إلى الملكوت، من مؤمنين ورهبان وزهّاد. نحتفل بعيد القدّيس مارون الرّاهب والنّاسك، المدافع عن الإيمان والشّاهد له. نحتفل بعيده في هذا الدّير المبارك، الّذي يعود بنا إلى زمن البدايات والأصالة، زمن أمانة مارون وتلاميذه للمسيح وكنيسته، فيه نتنسّم عبق أنفاس الآباء القدّيسين تلاميذ مار مارون، الّذين أنشأوا هذا الدّير حوالى سنة 520، فتمّ بهم قول آشعيا النّبيّ: "ستفرح البرّيّة والقفر وتبتهج البادية وتزهر كالورد"(1: 6). عندما أتى تلاميذ مارون إلى هذه الأرض حوّلوا صخرها إلى حدائق، وجنوا من عفر الأرض ثمر حياة فأعطوا للبنان كيانًا، يوم لم يكن له كيان، لقد بنوه في الفكر والقيم مساحة حرّيّة وانفتاح، وجعلوه واحةً سماويّة، واحة تلاق ووحدة في الانفتاح على الإخوة من الدّيانات التّوحيديّة ولاسيّما الإسلام، فكانوا أوّل من استقدم فكرة الوطن إلى الشّرق، وأوّل من غامر بإنشاء وطن على غير الأسس التّيوقراطيّة المألوفة منذ الماضي السّحيق، فهم يمدّون يدهم إلى المسلمين من السّنّة والشّيعة والدّروز، والى سائر الطّوائف في سبيل تجسيد تلك الفكرة المبدعة وإقامة ذلك الوطن الفريد، الّذي حوّلوه بإيمانهم إلى أكثر من وطن، فجعلوه رسالةً في بناء التّناغم الإنسانيّ على أساس وحدة الخلق والكيان والانتماء والهدف، حتّى ولو تفاوتت المعتقدات وتمايز الإيمان."

وأردف: "بعد ألف وخمسمائة سنة تعود الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة، بأمانتها وأصالتها لتحيي تاريخ تأسيس هذا الدّير العريق، وقد شاءت العناية أن يتمّ ذلك بالتّعاون مع أبرشيّة دير الأحمر وبعلبك المارونيّة بشخص سيادة المطران حنّا رحمه راعي الأبرشيّة السامي الاحترام، وسعي قدس الأب العام الأباتي نعمة الله الهاشم رئيس عامّ الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة السّامي الاحترام... حضور الرّهبانيّة في هذا الدّير ليس طارئًا، هي الّتي سبق أن قدّمت شهيدًا على أرضه هو الأب يوسف كفرصغاب، الّذي استشهد سنة 1898 ودفن فيه".

ثمّ توجّه الى المؤمنين المشاركين بالقول: "أيّها الإخوة والأخوات، هذا العيد يملي علينا وقفة ضمير من أجل عودة إلى الله وإلى الذّات، فمارون اليوم وكلّ يوم يدعونا للعودة إلى جذور روحانيّتنا للتّأمّل فيها، والعودة إليها، فنسلك الطّريق، ونحقّق الدّعوة الّتي دعانا المسيح إليها، في عيش الرّوحانيّة الأنطاكيّة السّريانيّة، الّتي وضع أسسها القديس مارون، تلك الرّوحانيّة الّتي أظهرت فاعليّتها في بلوغ القداسة، فأثمرت العديد من القدّيسين على توالي الحقبات وفي أيّامنا هذه وقد أعطت شربل ورفقا ونعمة الله والطّوباويّ الاخ إسطفان، كما أكّدت قدرتها في الحفاظ على القطيع الصّغير والاستمرار في تحدّي الأمر الواقع، والثّبات في وجه التّحدّيات كافّة".

وأضاف: "تقوم الرّوحانيّة المارونيّة على عيش الإيمان المسيحيّ المتجذّر في شخص يسوع المسيح وفي تعليمه ومثله، كما تقوم على محبّة الكنيسة والالتزام بتعاليمها والوفاء لها بالطّاعة والدّفاع عنها، على مثال استشهاد تلاميذ مار مارون الثّلاثمائة والخمسين الّذين بذلوا دم أعناقهم دفاعًا عن تعليم الكنيسة الصّحيح. كما تقوم هذه الرّوحانيّة على محبّة الأرض، والحفاظ عليها لأنّها شكّلت وتشكّل بالنّسبة للموارنة مساحة حرّيّة لعيش العبادة... انطلاقًا من مقوّمات هذه الرّوحانيّة وثوابتها، تعود الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة إلى هذا الدّير لتطلق مجدّدًا رسالته في إعلان المسيح المخلّص والفادي، في محبّة الأرض والوطن، وفي الانفتاح والحرّيّة والعيش المشترك مع إخوتنا المسلمين أبناء هذه المنطقة الغالية".

واختتم كلامه قائلاً: "نسأل الله أن يكون هذا العيد مناسبةً نتّحد فيها حول أولويّة حمل الرّسالة الإنجيليّة بالمصالحة والمحبّة والانفتاح والحرّيّة. نرفع الصّلاة من أجل وطننا لبنان ورئيسه وحكومته ونوّابه، ومن أجل كنيستنا المارونيّة وعلى رأسها غبطة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي الكلّيّ الطّوبى، وقدس أبينا العامّ الأباتي نعمة الله الهاشم السّامي الاحترام. حماكم الله وحفظكم جميعًا بشفاعة مار مارون، وببركة الله الآب والابن والرّوح القدس، آمين".