لبنان
09 كانون الأول 2020, 14:50

لقاء حواري مع البطريرك الرّاعي في جامعة الرّوح القدس- الكسليك

تيلي لوميار/ نورسات
إلتقى البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي بعد ظهر يوم الثّلاثاء، طلّاب أكاديميّة الرّئيس الشّهيد الشّيخ بشير الجميّل في جامعة الرّوح القدس الكسليك بحضور السّيّدة صولانج الجميّل، الرّئيس العامّ للرّهبنة اللّبنانيّة المارونيّة الأباتي نعمة الله الهاشم، رئيس الجامعة الأب طلال الهاشم، الوزير السّابق سجعان القزّي، فؤاد أبو ناضر، رئيس الأكاديميّة الدّكتور ألفرد ماضي، إضافة إلى فعاليّات اجتماعيّة وثقافيّة ودينيّة، وذلك في إطار الدّعوة الّتي وجّهتها الأكاديميّة إلى البطريرك الرّاعي لعقد لقاء حواريّ مع الطّلّاب حول مبادرة الحياد النّاشط الّتي كان قد أطلقها في الخامس من شهر تمّوز الماضي.

إستهلّ اللّقاء بتلاوة النّشيد الوطنيّ اللّبنانيّ، بعده قدّم أربعة طلّاب يمثّلون الدّورات الأربع الّتي تخرّجت من الأكاديميّة، أربع باقات ورد إلى البطريرك حملت عبارة مجد لبنان أعطي له تعبيرًا عن تقديرهم لحضوره ومشاركته.

ثمّ كانت كلمة ترحيبيّة ألقاها الأب طلال الهاشم عرض فيها لأبرز نشاطات الأكاديميّة وللأهداف الّتي تأسّست من أجلها لافتًا إلى أنّه "من خلال عملنا الجامعيّ نريد التّأكيد على أهمّيّة الفكر والحوار والمسؤوليّة الاجتماعيّة الّتي تضطلع بها جامعة الرّوح القدس."

وأكّد الهاشم السّعي إلى تنشيط الحركة الفكريّة والأبحاث ولاسيّما في ما يتعلّق بأرشيف الشّيخ بشير الجميّل وغيره من الوجوه اللّبنانيّة الوطنيّة الّتي تركت بصمتها في الحياة الوطنيّة.

بدوره رحّب الدّكتور ألفرد ماضي بالبطريرك المارونيّ والحضور مستهلّاً كلمته بعبارة: "بكركي من عركة لعركة لا زيتها ولا نورها شحّ كلّن عم يحكو تركي إلّا بكركي بتحكي صحّ."

وإعتبر ماضي أنّ "الوضع يزداد سوءًا وتأزّمًا في لبنان على كافّة الأصعدة، فيما السّياسيّون الّذين أكلوا الأخضر واليابس وفرّطوا بمقدّرات الدّولة وبأموال النّاس وأرزاقهم لا يبالون بمصير هذا الوطن لا بل هم مستمرّون في إفلاس البلد وتجويع شعبه وسط حصار فرضته أميركا وحلفائها ما زاد الطّين بلّة."

ورأى أنّ "الجميع يعوّل على مبادرة الحياد الّتي أطلقها البطريرك الرّاعي داعيًا المخلصين إلى تلقّفها لإنقاذ ما تبقّى من الوطن والسّير به إلى برّ الأمان فيزدهر من جديد ويعرف أهله معنى الرّاحة والعيش بطمانينة. "

وحذّر ماضي من "مجاعة قد تكون أصعب وأخطر من المجاعة الّتي أنهكت سكّان جبل لبنان في الحصار العثمانيّ وقضت عليهم،" لافتًا إلى أنّ "الوجود المسيحيّ بات مهدّدًا أكثر من أيّ وقت مضى وكم نخاف من أن نكون الخاسر الأكبر في لعبة الأمم ونحن نغرق في ثبات عميق. لذلك الحاجة ملحّة إلى عقد مؤتمر يضمّ الجمعيّات الأهليّة والمجتمع المدنيّ وإطلاق ورشة عمل هدفها خدمة الإنسان."

بعدها ألقى البطريرك الرّاعي كلمة شكر فيها الجامعة على الدّعوة ورحّب بالحضور والمشاركين واستهلّ كلمته باعتبار الرّئيس الشّهيد الشّيخ بشير الجميّل "شهيد حياد لبنان" لأنّه كان ينادي بالدّولة اللّبنانيّة الحرّة وتوحيد الجيش اللّبنانيّ ووضع حدّ لكلّ الميليشيات ما يعطي للبنان دوره ورسالته، وقال: "بعد إعلاننا مبادرة الحياد في عظة الخامس من تمّوز الماضي لاحظنا كثافة المقالات وردود الفعل حولها لذلك عرضنا في وثيقة خاصّة توضيحًا حول ما تعنيه هذه المبادرة وأهدافها. هذا الحياد هو من عمق الهويّة اللّبنانيّة وهو ناشط بسبب دوره الفاعل. لم يولد الحياد نتيجة مبادرة من البطريرك أو من الصّرح في بكركي وإنّما هو الكيان اللّبنانيّ الّذي نستعيده، وما يؤكد ذلك ردود الفعل القويّة الّتي أظهرت وكأنّ اللّبنانيّين الّذين أحسّوا بضياع هويّتهم عادوا وعثروا عليها. ووثيقة الحياد هذه وضعت في متناول الرّأي العامّ اللّبنانيّ ليطّلع أكثر على المعنى الحقيقيّ للحياد وأهمّيّته ونتيجته. وفي هذا السّياق سلّمنا كافّة السّفراء الّذين التقيناهم هذه الوثيقة وهم جميعًا من عرب وغربيين أبدوا حماسة لموضوع حياد لبنان نظرًا لقيمة هذا الوطن."

وتابع: "الحياد في لبنان هو مبدأ وقاعدة ومصير. إنّه مبدأ لأنّه يشكّل ركيزة للميثاق الوطنيّ أيّ لا شرق ولا غرب أيّ استقلال تامّ عن كلّ الدّول لا وصاية ولا حماية ولا امتياز ولا مركز ارتكاز كما قال الرّئيس بشارة الخوري في العام 1945. لبنان متساوي مع باقي الدّول وغير تابع لأيّ منها. بدوره أكّد رئيس الحكومة رياض الصّلح على حياد لبنان عندما قال نحن نريد لبنان سيّدًا عزيزًا حرًّا لا ممرًّا ولا مقرًّا. والحياد هو قاعدة أيضًا بسبب سياسته ونهجه وإيديولوجيّته السّياسيّة، كما أنّه المصير ذلك أنّ خلاص ومستقبل لبنان المشرق يتأمّن من خلاله. إنّه ضرورة وطنيّة ليستمرّ لبنان وهذا ما عايشناه منذ الـ1920 حتّى 89 حتّى بعد اتّفاق القاهرة 67 الّذي تسبّب بالاجتياح الإسرائيليّ والدّخول السّوريّ ونشوء الميليشيات والحرب الأهليّة والّتي مع بدايتها ظهر نجم بشير الجميّل الّذي أراد إعادة الوضع إلى ما كان عليه."

وأضاف: "عاش لبنان على الرّغم من كلّ ذلك فترة بحبوحة على الرّغم من كلّ الخضّات الّتي شهدتها المنطقة لأنّه كان محايدًا. وبحكم نظام لبنان التّعدّديّ والثّقافيّ والدّينيّ هو مكان للتّلاقي والحوار وهو مكان العيش المسيحيّ والإسلاميّ غير الموجود في أيّ مكان وخصوصًا أنّه قائم على الانتماء للمواطنة. في كيانه الأساسيّ لبنان دولة مدنيّة تفصل بين الدّين والدّولة ولكنّهم شوّهوا هذه الدّولة بممارساتهم الطّائفيّة. نظامه ديمقراطيّ يعتمد الحرّيّات العامّة والانفتاح على الدّول أنّه رسالة حرّيّة وتعدّديّة للشّرق والغرب. مؤسّساته الماليّة ونظامه الاقتصاديّ الحرّ يشكّلان حاجزًا في وجه الانظمة التوتاليتاريّة. نعم لبنان حياديّ بهويّته وكيانه. الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود مع ما يمثّله من صوت عربيّ قال عن لبنان إنّ حياد لبنان قوّة له وللعرب وإبعاده عن التّجاذبات الإقليميّة الّتي تهدّد وحدته وسلامة أهله هو ضرورة. هذا الحياد يعصم لبنان عن التّداعيات الخطيرة للصّراعات المحتدمة في المنطقة. للبنان وضع خاصّ باعتباره في وضع نزاع مع إسرائيل ولكن حياده يحول دون تحويله إلى ساحة نزاع للدّول على أرضه."

وقال: "يجب أن يكون لبنان حياديًّا ناشطًا. أيّ عدم دخوله في أحلاف ومحاور وصراعات إقليميّة أو دوليّة ومنع أيّ تدخّل إقليميّ أو دوليّ في شؤونه أو استخدام أراضيه. لذلك يجب تعزيز الدّولة اللّبنانيّة كما أرادها الشّيخ بشير الجميّل بجيش قويّ ومؤسّسات تخضع للقانون ووحدة داخليّة تمكّن لبنان من مواجهة أيّ خطر من أيّ دولة سواء إسرائيل أو غيرها. كلّنا نتذكّر انتخاب الشّيخ بشير وكيف أنّه في خلال 21 يومًا انتظمت أمور البلد والإدارات والوزارات لقد استعمل شخصيّته فقط ولطالما كمن سرّه في شخصيّته لم يستخدم السّلاح أو أيّ منطق ترهيب أو تهويل آخر. أين نحن اليوم من هذا الانتظام. كلّ واحد يفتح على حسابه فنرى العدالة الاختياريّة الكيديّة الانتقائيّة والسّلاح المتفلّت وغيرها من الشّوائب."

وشدّد على أهمّيّة فكّ ارتباط قضيّة لبنان بقضيّة الشّرق الأوسط لافتًا إلى أنّ الحلّ بسيط بتنفيذ القرار 425 والقرارات ذات الصّلة. أمّا حلّ قضيّة الشّرق الأوسط فهي تستند إلى القرار 242، لذلك قضيّة لبنان لا علاقة لها بقضيّة الشّرق الأوسط. أين هي القضيّة الفلسطينيّة اليوم وعودة اللّاجئين إلى أرضهم؟ ما من حلّ. لماذا أدخلونا بالقوّة في قضيّة الشّرق الأوسط؟ لبنان في حياده لا يدخل في هذه القضيّة فنحن لا نفاوض إسرائيل بل هناك قرارًا دوليًّا بخروجها من أرضنا. وموقع لبنان الجغرافيّ بين سوريا وإسرائيل هو مهمّ أيضًا سيّما وأنّ الدّولتين لديهما أطماعهما في لبنان. لقد صمد لبنان في وجه مشروع إسرائيل الكبرى وسوريا الكبرى ولذلك يريد الحياد ليكمل رسالته وعلى الأسرة الدّوليّة مساعدته ليكون محايدًا ليستعيد قيمته ودوره في المنطقة."

ورأى أنّ لبنان مريض ولكن علينا مساعدته والحفاظ عليه لأنّه كرامتنا ومستقبلنا وتاريخنا وقيمة الحياد النّاشط في لبنان أنّه يولّد الاستقرار السّياسيّ وهذا يؤمّن إطارًا للنّموّ الاقتصاديّ. والحياد ينقذ وحدة لبنان أرضًا وشعبًا ويحيي الشّراكة المسيحيّة الإسلاميّة المتصدّعة بسبب حروب المنطقة. الحياد يساهم في استقرار وسلام المنطقة. في الماضي كان لبنان خزنة الشّرق الأوسط أيّ أنّ البلاد العربيّة كان لديها الثّقة بالمصارف اللّبنانيّة إضافة إلى المستوى الطّبّيّ والاستشفائيّ والتّعليميّ العالي المستوى والسّياحة وكلّ هذا يرتكز على حياد لبنان.

وفي الختام، أجاب البطريرك الرّاعي على عدد من الأسئلة الّتي طرحها الطّلّاب ومن ضمنها تفعيل مبادرة الحياد، فأكّد أنّ "الوثيقة أطلقت لكي يفهم العالم معنى الحياد وبالتّالي سيكون هناك مؤتمرات وورشات عمل لرجال العلم والسّياسة من كلّ الطّوائف للبحث في هذا الموضوع."

وعن دور البطريركيّة في إنشاء لبنان جديد ذات نظام لا مركزيّ، أشار البطريرك الرّاعي إلى "أنّ اللّامركزيّة الإداريّة الموسّعة ننادي بها دائمًا ولكن هناك تحفّظات من عدد من المناطق ولاسيًما في ما يتعلّق بمسألة المحاصصة. لذلك لا بدّ من أن تتمّ بعيدًا عن مبدأ المحاصصة الّذي بات اليوم موضة للأسف. فالتّحدّث والمطالبة باللّامركزيّة الإداريّة اليوم هو أمر يتطلّب الشّجاعة."

وبالنّسبة لموضوع أراضي لاسا قال البطريرك: "للأسف وعلى الرّغم من أنّ القانون معنا إلّا أنّ تطبيقه لا يتمّ والأرض مباحة. على الدّولة أن تكون حرّة وتفرض هيبتها. لقد تحدّث رئيس الجمهوريّة عن جمهوريّات داخل الجمهوريّة. ونحن نقول على الدّولة أن تفرض حضورها وهيبتها وتؤمّن تطبيق القانون والعدالة للجميع وعليهم."

وأوضح البطريرك ردًّا على سؤال حول طلب الفاتيكان سحب صيغة الفيديراليّة من التّداول "إنّ الصّحافة اللّبنانيّة تفبرك أخبارًا لا صحّة لها. الفدراليّة أو اللّامركزيّة هي قضايا داخليّة والفاتيكان لا يتدخّل فيها لقد تحدّثنا عن الحياد نعم لأنّه أمر دوليّ. ولكن في لبنان كلّ شيء مباح."

وأكّد البطريرك الرّاعي أنّ "الكنيسة تخاطب الضّمائر وتتحدّث عن الثّوابت ولا تتدخّل في الشّؤون الخاصّة بالأشخاص. ولكنّها لا تقوم بأيّة حركة سياسيّة الكنيسة حرّة في قول كلمتها وهي تحاور لأنّ الرّبّ كلمة، لافتًا إلى "مواصلة تشجيع الحراك المدنيّ شرط حفاظه على أداء حرّ ديمقراطيّ وحضاريّ يحقّق النّتائج المرجوّة بدولة قويّة قادرة على حماية مواطنيها وتأمين العيش الكريم لهم."

وحول تعلّم اللّغة السّريانيّة لفت البطريرك إلى قوّة الكنيسة في هذا الإطار من خلال مدارسها ومعاهدها وجامعاتها لخلق جيل مثقّف لذلك "يجب تفعيل هذه القوّة من خلال دعوة هذه المؤسّسات إلى تعليم الطّلّاب لغتنا الأساسيّة لما تشكّله من مصدر غنى."

وعن ضمان حياد لبنان شدّد الرّاعي "على صيانة البيت الدّاخليّ أوّلاً وعدم انتظار الغير. من المعيب أن نسأل الغير عن حلّ لأزمتنا. مشكلتنا أنّ كلّ ما يتعلّق بلبنان نحن غير معنيّين به وكلّ ما هو خاصّ نناضل من أجله. الحياد يحمي الجميع وهو لكلّ النّاس وليس لطرف دون آخر. إنّه الضّمانة."

وعن إمكانيّة تسمية بكركي لوزراء في الحكومة أوضح البطريرك الرّاعي أنّ "الكنيسة لم ولا تسمّي أحدًا وليس هذا دورها. وعلى الرّغم من ذلك فإنّ أحدًا لم يسألها رأيها في هذا الإطار."

وعن موقف الكنيسة من نظام جديد للبنان عرض البطريرك الرّاعي لجوهر النّظام اللبّنانيّ "فهو نظام غير طائفيّ وإنّما حوّلوه إلى طائفيّ. لبنان دولة مدنيّة تفصل الدّين عن الدّولة ولكن الممارسات السّياسيّة الطّائفيّة خنقت مفهوم هذه الدّولة. لذلك علينا المطالبة باستعادة الدّولة المدنيّة وليس إنشائها. وأنهى مؤكّدًا أنّ الحياد يعيد إلى لبنان هويّته ودوره ورسالته القيّمة في هذا الشّرق."