لبنان
28 تموز 2020, 09:30

لحّام في الأضحى: ما نحتاج إليه هو المزيد من الإيمان والتّضامن والرّجاء والمحبّة والتّآخي

تيلي لوميار/ نورسات
في رسالة، هنّأ بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندريّة وأورشليم للرّوم الملكيّين الكاثوليك سابقًا البطريرك غريغوريوس الثّالث لحّام، المسلمين بعيد بالأضحى المبارك، فكتب نقلاً عن "الوكالة الوطنيّة للإعلام":

"إلى الإخوة المسلمين الأحبّاء يطيب لي أن أتوجّه كلّ سنة إلى إخوتي المسلمين لاسيّما في مشرقنا العربيّ بمناسبة الأعياد المباركة. عيد الأضحى، يعود بنا إلى إبراهيم أبي الآباء، الّذي لبّى نداء الرّبّ، بأن يضحّي إبنه وحيده! لكن الله قدّر عاليًا إيمان إبراهيم وطاعته، وحفظ له إبنه.

إنّ إبراهيم هو مثال لطاعة الإنسان تجاه خالقه، وهو يدعونا إلى التّضحية في سبيل الآخرين، وكلّ إنسان يعيش معنا.

عيد الأضحى دعوة إلى التّضحية والتّكامل والتّضامن والتّعاون، في هذه الظّروف المأسويّة الّتي نعيشها كلّنا، مسيحيّين ومسلمين، ونعاني من وباء الكورونا، ووباء الغلاء والظّروف المعيشيّة الخانقة. وفي هذه المناسبة أقول كلمة صريحة لإخوتي المسلمين: إنّ قضيّة آغيا صوفيا (الكنيسة والجامع والمتحف) هي نكسة في الحوار والتّآخي والتّراحم والتّسامح. إنّنا لا نحتاج إلى المزيد من أسباب الخلاف والنّزاع والتّوتّر والكراهيّة، والنّعرات الطّائفيّة، لذلك أعيد ندائي إلى المسلمين في بلادنا العربيّة وفي العالم أجمع، لكي نعمل معًا على التّخفيف من النّتائج السّلبيّة النّاتجة عن تحويل كنيسة آغيا صوفيا من متحف ذي طابع تراثيّ عالميّ إلى جامع، يثير الحساسيّات بين المسيحيّين والمسلمين، نحن بغنى عنها.

أعود وأقول: ماذا ربح المسلمون في إسطنبول من تحويل المتحف إلى جامع؟ وماذا سيربح المسيحيّون إذا عادت آغيا صوفيا إلى كنيسة؟ مع احترامي للجامع وللكنيسة. يقول السّيّد المسيح: السّبت لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السّبت. البشر أهمّ من الحجر.

أقول إنّ قرار الرّئيس أردوغان خطأ وخطيئة. والرّجوع عن الخطأ فضيلة. لقد أساء إلينا جميعًا مسلمين ومسيحيّين، في العالم بأسره بهذه الخطوة المتهوّرة، الّتي أثارت عاصفة من الخلافات بين المسيحيّين فيما بينهم. وخلافات في مواقف المسلمين أنفسهم. لا مجال للمفاضلة بين أن تبقى الكنيسة متحفًا أو أن تصبح جامعًا. أو تعود فتصير كنيسة كما كانت منذ تأسيسها في القرن السّادس. إنّها أصبحت تراثًا عالميًّا منذ 1934، عندما حوّلها أتاتورك إلى متحف، كعلامة للطّابع العلمانيّ التّركيّ المنفتح. وهي تجمع التّراث المسيحيّ من خلال أيقونات ورسومات للسّيّد المسيح ومريم العذراء والرّسل. وفيها أيضًا آثار إسلاميّة وهكذا فهي تجمع بين الإسلام والمسيحيّة، على الرّغم من المآسي الّتي واكبت تاريخها. والواقع أنّ التّاريخ حمل جمًّا من هذه المآسي. كلّنا أخطأنا. فالمسيحيّون حوّلوا جوامع إلى كنائس، والمسلمون حوّلوا كنائس إلى جوامع والمسلمون والمسيحيّون حوّلوا مجامع يهوديّة إلى جوامع وكنائس. حدثت حروب بين المسيحيّين والمسيحيّين وحدثت حروب بين المسلمين والمسلمين. ولا تزال هذه الحروب قائمة حتّى أيّامنا، في البلاد العربيّة وخارجها.

التّحدّي الكبير هو كيف نحوّل مآسي التّاريخ وحروب التّاريخ وصراعات التّاريخ وصراعات تاريخنا، التّحدّي يكمن في كيف نحوّلها إلى حوار محبّة وإلى حضارة، وإلى رجاء جديد لأجيالنا الطّالعة، هذا هو التّحدّي الكبير وخطوة أردوغان هي مسيرة في الاتّجاه المعاكس، والمنطق المعاكس والعقليّة المعاكسة. هذا هو الأمر الّذي يجعلنا نحكم على قرار أردوغان بالنّسبة لآغيا صوفيا. هذا القرار سيكون سببًا لتأجيج المشاعر لدى المسلمين ضدّ المسيحيّين، ولدى المسيحيّين ضدّ المسلمين. ونحن بغنى عن كلّ ذلك. وقد عشنا، في الثّورات والحروب على البلاد العربيّة في ما يسمّى "الرّبيع العربيّ"، الويلات والمآسي والمجازر والدّمار بسبب نماء الحركات الأصوليّة والتّكفيريّة، لاسيّما داعش ومشتقاتها.

لدينا كنائس كثيرة ولدينا جوامع كثيرة، ما نحتاج إليه هو المزيد من الإيمان والتّضامن والرّجاء والمحبّة والتّآخي والشّعور بالأخوّة البشريّة الشّاملة، والتّواصل والتّكامل والتّراحم وبناء الجسور بدل الجدران والأسوار وكتبنا الدّينيّة حافلة بهذه القيم الرّوحيّة والإنسانيّة السّامية. من هذا المنطق ندعو الجميع مسيحيّين ومسلمين إلى أن يعملوا على إلغاء هذا القرار والأهمّ من ذلك أن يعملوا معًا مسيحيّين ومسلمين، لأجل تجنّب كلّ تصعيد مسيحيّ أو مسلم بسبب هذا القرار. عيد الأضحى مناسبة جيّدة لكي ننشر هذه الأفكار والمواقف الإيجابيّة. نعايد إخوتنا المسلمين، وسنبقى معًا ونتضامن ونبني معًا عالمًا أفضل، وحضارة المحبًة في أوطاننا المباركة".