لبنان يرفع أوّل تمثال للبابا فرنسيس في الحدث
وتأتي المبادرة تزامنًا مع الذّكرى الخامسة لانتخاب البابا على السّدّة البابويّة، وأرفق التّمثال بكلمة الأب الأقدس الّتي قال فيها: "وصيّتي إلى المسيحيّين في الشّرق الثّبات في أرضهم والحفاظ على العيش المشترك".
تخلّل الاحتفال كلمة للمونسنيور سانتوس قال فيها نقلاً عن "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "علينا اليوم أن نسير معًا مسيرة أخوّة ومحبّة وثقة متبادلة. كما علينا أن نصلّي من أجل بعضنا البعض ومن أجل العالم أجمع لكي نصل إلى المحبّة الكاملة، وبهذه العبارات خاطبنا البابا فرنسيس منذ خمسة أعوام يوم انتخابه عندما أطلّ من النّافذة على الجموع المؤمنة المحتشدة في باحة القدّيس بطرس في روما. ونجتمع اليوم في مناسبة إزاحة السّتار عن نصب لقداسته لنؤكّد وندعم كلماته وخصوصًا لناحية المحبّة والعيش المشترك. كما أودّ مشاركتكم جميعًا رغبة البابا فرنسيس وهي: أوّلاً السّلام لاسيّما وأنّ الأخوة والانسجام يواجهان تحدّيات خطيرة لا يمكن تأجيلها إلى ما بعد، وفي هذا الإطار فإنّ لبنان كما قال البابا فرنسيس ليس لديه فقط شيئًا ليقوله، بل عليه مهمّة سلام يؤدّيها للعالم. ومن بين الأبناء في هذه الأرض المباركة أيّ في لبنان عمومًا وفي بلدة الحدث خصوصًا، ندعو الجميع للخدمة الأخويّة في سبيل أن يعود هذا البلد ويشكّل منارة لشعوب المنطقة ويكون السّلام المهدى من الرّبّ".
والرّغبة الثّانية لدى قداسة البابا هي المحافظة على شباب الغد ومرافقتهم في مسيرتهم الصّعبة بصبر وثقة. وأدعو في هذا اللّقاء إلى دعم شبّان وشابّات هذه البلدة الحدث وكذلك شباب الوطن كلّه، من خلال تكريس أوقاتنا والاستماع لهم ولمشاكلهم، لأنّهم وعد المستقبل والاستثمار الجدّيّ لبناء الوطن".
ثمّ كانت كلمة للمطران مطر قال فيها: "عندما أطلّ البابا فرنسيس من نافذته يوم انتخابه منذ خمس سنوات في العام 2013 على المؤمنين في ساحة القدّيس بطرس في روما، قام بحركة أذهلتنا جميعًا، انحنى أمام الألوف عشرات الألوف وقال لهم: "باركوني". هو يطلب البركة أيّ أن يستنزل الشّعب كلّه بركات الله على خادم الله هذا في كرسيّ بطرس في روما. نحن ننحني إجلالاً لهذا الرّجل الكبير الّذي طلب بركة كلّ النّاس من أجل أعماله. وفي الحقيقة دخل القلوب قبل العقول وقد أحبّه النّاس، هو الّذي أحبّ الجميع من دون تمييز ولا استئذان. وعندما تكلّم للمرّة الأولى رسميًّا، حدّث العالم عن المهمّشين آخذًا هذه الصّورة أنّه هناك في البلدان الكبرى من يصنعون الأحداث، ولكن في المقابل هناك من هم في الأطراف هم المنسيّون الّذين لا يشعر بهم أحد. ونحن في بلادنا عرفنا هذا الوضع عندما كانت الأطراف تعاني والعاصمة لها الأخضر واليابس. قداسته يوصينا بالأطراف وبالضّعفاء والمهمّشين كما يوصينا بالتّضامن لا بالتّضامن الوطنيّ فحسب، أيّ بين مواطن وآخر، بل بالتّضامن بين الغنيّ والفقير، لنكون كلّنا سواسيّة، هذه هي وصيّته الأساس، اهتمّوا بالمهمّشين والمنسيّين والضّعفاء.
وأنا اليوم في حضرة مسؤولين نحيّيهم جميعًا ونبارك مساعيهم من أجل الوطن والخير. ووصيّة البابا للبنان تقرأونها اليوم أمام هذا التّمثال الأوّل لقداسة البابا فرنسيس في لبنان وربّما في الشّرق أيضًا والموجود على بولفار كميل شمعون في بلدة الحدت. ونشكر رئيس البلديّة جورج عون وأعضاء المجلس البلديّ على مبادرتهم اللّافتة. والبابا يقول لمسيحيّي الشّرق: "إثبتوا في أرضكم"، هي مشيئة الله الّتي زرعتكم في هذه الأرض مع إخوانكم منذ البدء. المسيحيّون والمسلمون هم معًا في هذا الشّرق والأيّام السّمحى الّتي أمضوها معًا في البدايات هي الّتي ستحكم النّهايات وتحكم كلّ الطّريق، هذا ما ندركه ونعرفه. وقداسته يقول للمسيحيّين أوصيكم بالعيش المشترك، أيّ العيش الواحد أيضًا الّذي هو ضرورة الوجود. نحن خلقنا لنتعارف، نحن خلقنا لنتحاب. وأن نتعارف أيّ عندما نعترف بالآخر ولا نكون أناسًا يرضى الله عنهم إلّا إذا كنّا أهل حبّ. وأودّ القول للجميع إنّ سرّ لبنان لا أن يكون متوازنًا بين هؤلاء وأولئك، بل سرّ لبنان أن يكون أهله متحابّين ويضحون في سبيل الآخر والآخر يضحي في سبيلهم، هكذا تكون الحياة الحلوة الّتي عشناها والّتي نعود إليها إن شاء الله كلّ حين، المحبّة تصنع الأوطان.
إنّ المفكّر الإغريقيّ أفلاطون الّذي كان عاش أربعة مئة سنة قبل المسيح، كتب كتابًا أسماه "الجمهوريّة"، يقول فيه: لن يكون للمدينة أو للوطن مصير آمن إلّا إذا آمن أبناؤها بفئاتهم كلّها. إنّنا والمصير واحد. هذا قبل المسيح وهو وصيّة من الله. نحن نكون وطنًا حقيقيًّا عندما نكون وطنًا واحدًا متنوّعًا، هذه مشيئة الله وما شاءه الله هو حقّ، وهو مبارك أن يكون لنا مصير واحد وأن تكون لنا مودّة في علاقاتنا وفي احترام بعضنا لبعض واستعداد للتّضحية في سبيل الآخر، وأن يكون كلّ إنسان منّا متمتّعًا بمواصفات العيش اللّائق والكريم وهذه المسؤوليّة ليست على الفرد، بل على الجماعة كلّها أن تكون متضامنة معًا، هذا هو تعليم البابا فرنسيس الّذي آمن بهذا التّضامن لا على مستوى كلّ وطن، بل على مستوى الدّنيا بأسرها.
إنّ لبنان اليوم بخير يعيش الأمن والأمان والنّاس تعيش متلاحمة وطبعًا هناك تسابق على الحكم وعلى السّلطة، وإن كان هذا التّسابق للخير العامّ بارك الله فيه. وقد قال بولس الرّسول: "تنافسوا في الصّالحات". أصلح الله قلوبنا جميعًا وأعطانا أن نكون في خدمته في مجده تعالى وخدمة أوطاننا وزرع السّلام في القلوب. اأمنيته هي أمنيتنا جميعًا هذا المساء. شكرًا للحدت وأهلها الّذين أعطونا اليوم أن يدخل البابا فرنسيس في جغرافيّة الطّرق فيها ومعالمها وفي جغرافيا لبنان وروحه. عشتم. عاشت الحدث وعاش لبنان!".
