الأردنّ
19 آب 2022, 06:30

كيف يمكن لباب ضيّق أن يسمح بدخول الكثير من النّاس؟

تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة الأحد الحادي والعشرين للزّمن العاديّ، تأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا بإنجيل لوقا ١٣، ٢٢–٣٠، الّذي يضيء على دعوة يسوع إلى تقبّل الخلاص ودخول الملكوت.

وفي هذا السّياق، يشرح بيتسابالا بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ ويقول:

"يبدأ المقطع الإنجيليّ لهذا الأحد (لوقا ١٣، ٢٢–٣٠) بذكر مسيرة يسوع إلى أورشليم، بحيث أنّ القارئ يتبيّن، على الفور، الأفق الّذي سيدخل فيه. والأفق بالتّحديد هو إتمام المخطّط الخلاصيّ الّذي سوف يحقّقه يسوع في المدينة المقدّسة، بالموت على الصّليب من أجل الجميع.

سوف يتّسم هذا الجزء من المسيرة، الّتي تبدأ بمقطع اليوم، بدعوة مُلحّة من قبل يسوع حتّى يتمكّن الجميع، دون استثناء، من تقبّل الخلاص، والدّخول إلى الملكوت.

يأتي، في هذا السّياق، سؤال رجل عمّا إذا كان عدد الّذين يخلصون قليلًا (لوقا ١٣، ٢٣).

لا يسأل الرّجل عن عدد الّذين قد خُلّصوا أو ماذا ينبغي أن يفعل الإنسان كي يخلص؛ وإنّما يسأل إذا كان عدد الّذين يخلصون قليل، ملمحًا بذلك إلى أنّ العقليّة الشّائعة، الّتي تغذّيها تأمّلات الرّبّانيّين في ذلك الوقت، كانت تدعم هذه القناعة تمامًا، بأنّ عدد الّذين يخلصون قليل.

السّبب الأوّل لأنّ الخلاص كان خاصًّا بالشّعب المختار فقط؛ وداخل الشّعب المختار، وكان محتكرًا على الّذين كانوا أمينين تمامًا للتّوراة، بكلّ مبادئها، حتّى الصّغيرة منها. وكلّ الآخرين، أيّ غالبيّة النّاس، كانوا يظلّون في الخارج مستبعدين.

للرّدّ، يستخدم يسوع صورة تبدو للوهلة الأولى تأكيدًا لهذه العقليّة: من أجل الدّخول في الخلاص، يتوجّب على الإنسان العبور من باب ضيق (لوقا ١٣، ٢٤). ومن التّفكير في باب ضيق، تأتي تلقائيًّا الفكرة بأنّ العبور من خلال هذا الباب، لكونه ضيقًا، ويقتصر دخوله على عدد قليل من النّاس.

في الواقع، ليس الأمر كذلك، لأنّ المقطع الإنجيليّ يواصل القول بأنّ الكثيرين من النّاس يعبرون من خلال هذا الباب الضّيّق: "وسوف يأتي النّاس من المشرق والمغرب، ومن الشّمال والجنوب، فيجلسون على المائدة في ملكوت الله" (لوقا ١٣، ٢٩).

لكن كيف يمكن لباب ضيّق أن يسمح بدخول الكثير من النّاس؟ نسأل أنفسنا، من هم الّذين يُتركون في الخارج؟

يمكن أن يأتي الرّدّ على هذا السّؤال من الفعل الّذي يستخدمه يسوع لدعوة النّاس للدّخول: "اجتهدوا" (لوقا ١٣، ٢٤).

يمكن لهذا الفعل أن يجعلنا نفكّر في جهد الإرادة، بمعنى أنّه لا يدخل إلى الملكوت سوى أولئك الّذين يبذلون أقصى جهد. والفعل في اللّغة اليونانيّة هو "agonízo"، وهو نفس المصطلح الّذي يستخدمه الإنجيليّ في مشهد بستان الزّيتون (الجثمانيّة)، حين يعيش يسوع صراعه للمضيّ قدمًا في طاعة أبيه؛ يعيش يسوع صراعه إلى أقصى حدّ كي لا يستسلم لتجربة تخليص نفسه فقط، بل أن يبذل حياته من أجل خلاص الجميع.

ثمّ يمكننا القول إنّ هذا هو عنق الزّجاجة الّذي من الضّروريّ العبور منه، أيّ موت يسوع. لدخول الحياة، يجب أن نمرّ عبر هذا العنق الضّيّق، ألا وهو آلام المسيح، الّذي يطلب منّا، ببساطة، أن نقرّ بأنّ الخلاص يأتي من هناك، ومن هناك فقط.

لكن هذا متاح للجميع، ولذلك، فمن المفارقات، أن يصبح هذا الباب الضّيّق بابًا واسعًا، باب النّعمة.

بالنّسبة للبعض، هذا الباب ليس ضيّقًا فحسب، بل إنّه مغلق أيضًا. من هم هؤلاء البعض؟

إنّهم أولئك يتفاخرون بقدرتهم على القول: "لقد أكلنا وشربنا أمامك، ولقد علمت في ساحاتنا" (لوقا ١٣، ٢٦). أيّ الّذين هم متأكّدون من الدّخول اعتمادًا على أعمالهم الخاصّة، الّذين يعتقدون أنّهم يحظون ببعض الامتيازات على الآخرين، أولئك الّذين يشعرون بأنّهم قريبين بما فيه الكفاية.

إذا كان هذا الضّمان الواهم يمنعنا من دخول الموت مع المسيح، فحتّى أفضل الأعمال وأكثرها استحقاقًا لا تفعل في الواقع سوى إغلاق الباب بدلاً من فتحه.

ليس هذا فقط. بل يسمّيهم يسوع "فاعلي الشّرّ" (لوقا ٣ ، ٢٧) ، وقد يبدو هذا التّعبير غير عادل ومبالغًا فيه: فما هو الشّرّ الّذي فعلوه؟

يبدو هنا وكأنّ يسوع يقول إنّ من لا يدخل في منطق الإنجيل الجديد، ويبقى في الخارج، لا يسعه إلّا أن يصبح غير أمين للشّريعة الحقيقيّة والوحيدة الّتي وهبها الله، شريعة المحبّة تلك. فيبقى أسيرًا لشريعة ظالمة وغير عادلة وشرّيرة، تلك الشّريعة الّتي تحسب الحسابات وتقيس، وتعيش الخلاص وكأنّه حقّ مكتسب، وتُكافئ الصّالحين وتعاقب الأشرار.

إنّ الّذين يبدون قريبين، هم في واقع الأمر بعيدون عن الرّبّ جدًّا، وعن أسلوب تفكيره.

لذلك نرى أنّ ما يحدث هو عبارة عن قلب للأمور رأسًا على عقب: "فهناك آخرون يصيرون أوّلين وأوّلون يصيرون آخرين" (لوقا ٣٠، ١٣). وهو قلب لما سنكون قادرين على رؤيته مرارًا في المقاطع الإنجيليّة للآحاد القادمة، إلى حين حصول الانقلاب الأخير، عندما، يكون يسوع قد وصل إلى أورشليم، سوف يحدث أنّ بارّا واحدًا يموت عن الأشرار فيقدّم الرّبّ حياته للإنسان."