الفاتيكان
30 تشرين الثاني 2022, 14:20

كيف يمكننا أن نعرف التّعزية الحقيقيّة؟

تيلي لوميار/ نورسات
تساؤل طرحه البابا فرنسيس اليوم خلال المقابلة العامّة في سياق تأمّله حول التّمييز، وبشكل خاصّ "حول الخبرة الرّوحيّة الّتي تُدعى "تعزية"، لافتًا إلى أنّه "سؤال مهمٌّ جدًّا من أجل تمييز جيّد ولكي لا يتمَّ خداعُنا في بحثنا عن خيرنا الحقيقيّ".

وفي تعليمه قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "يمكننا أن نجد بعض المعايير في مقطع من الرّياضة الرّوحيّة للقدّيس إغناطيوس دي لويولا، نقرأ فيه: "إذا كان كلّ شيء صالحًا في الأفكار، البداية، الوسط والنّهاية، وإذا كان كلّ شيء موجّهًا نحو الخير، فهذه علامة على الملاك الصّالح. من ناحية أخرى، قد يكون في سياق الأفكار شيئًا سيئًا أو مشتّتًا أو أقلّ خيرًا ممّا اقترحته الرّوح سابقًا، أو شيئًا يضعف النّفس، ويجعلها مضطربة، ويضعها في حالة اضطراب ويسلبها السّلام والسّكينة والهدوء الّذي كان لديها: فهذه إذن علامة واضحة على أنّ تلك الأفكار تأتي من الرّوح الشّرّير".

إنّها إرشادات ثمينة تستحقّ تعليقًا موجزًا. ماذا يعني أنّ البداية موجّهة نحو الخير؟ على سبيل المثال، لديّ فكرة أن أُصلّي، وألاحظ أنّها مصحوبة بمودّة تجاه الرّبّ والقريب، وتدعوني إلى القيام بتصرّفات سخاء ومحبّة: إنّها بداية جيّدة. ولكن، قد يحدث أن تولد هذه الفكرة لتجنّب وظيفة ما أو مهمّة ما تمّ تكليفي بها: في كلّ مرّة يجب عليَّ فيها أن أغسل الأطباق أو أن أنظّف المنزل، تأتيني رغبة كبيرة في أن أذهب لأصلّي! لكن الصّلاة ليست هروبًا من واجباتنا، بل على العكس هي مساعدة لتحقيق الخير الّذي نحن مدعوّون للقيام هنا والآن. هذا فيما يتعلّق بالبداية.

ثمّ هناك الوسط، أيّ ما يأتي بعد تلك الفكرة. ولكي نبقى في المثل السّابق، إذا بدأت بالصّلاة، ومثلما يفعل الفرّيسيّ في المثل، أميل إلى إرضاء نفسي واحتقار الآخرين، وربّما باستياء وبأسلوب لاذع، فهذه علامات أنَّ الرّوح الشّرّير قد استخدم هذه الفكرة كمفتاح لكي يدخل إلى قلبي وينقل مشاعره إليّ. ثمّ هناك النّهاية. النّهاية هي جانب قد رأيناه، وهو: إلى أين تأخذني هذه الفكرة؟ على سبيل المثال، قد يحدث أنّني أعمل بجدّ من أجل عمل جميل وجدير، لكن هذا الأمر يدفعني إلى التّوقّف عن الصّلاة، فأكتشف أنّني أصبحت أكثر عدوانيّة وشرًّا، وأعتقد أنّ كلّ شيء يعتمد عليّ، إلى أن أفقد الثّقة بالله. من الواضح هنا أنَّ هناك عمل الرّوح الشّرّير.

إنَّ أسلوب العدوّ- كما نعلم- هو أن يقدّم نفسه بطريقة خفيّة ومقنَّعة: يبدأ ممّا نعتزّ به كثيرًا ثمّ يجتذبنا إليه، شيئًا فشيئًا: إنَّ الشّرّ يدخل سرًّا، بدون أن يتنبّه الشّخص له. ومع مرور الوقت يتحوّل اللّطف إلى صلابة: وتظهر تلك الفكرة على حقيقتها. ومن هنا تأتي أهمّيّة هذا الفحص الصّبور الّذي لا غنى عنه لأصل وحقيقة أفكارنا؛ إنّها دعوة لكي نتعلّم من الخبرات، ممّا يحدث لنا، لكي لا نستمرّ في تكرار الأخطاء عينها. كلّما عرفنا أنفسنا أكثر، كلّما استشفَّينا من أين يدخل الرّوح الشّرّير، "كلمات المرور" الخاصّة به، والأبواب الّتي يدخل منها إلى قلوبنا، والّتي هي النّقاط الّتي نكون فيها أكثر حساسيّة، لكي ننتبه إليها في المستقبل.

يمكننا أن نضاعف الأمثلة حسب الرّغبة، من خلال التّأمُّل في أيّامنا. وعلينا القيام بذلك: إنَّ فحص الضّمير اليوميّ مهمّ جدًّا: إنّه الجهد الثّمين لكي نعيد قراءة حياتنا من وجهة نظر معيّنة. إنَّ التّنبّه لما يحدث هو أمر مهمّ، إنّه علامة على أنّ نعمة الله تعمل فينا، وتساعدنا لكي ننمو في الحرّيّة والوعي. وبالتّالي فالتّعزية الحقيقيّة هي نوع من التّأكيد على حقيقة أنّنا نفعل ما يريده الله منّا، وأنّنا نسير على دروبه، أيّ على دروب الحياة والفرح والسّلام. إنّ التّمييز، في الواقع، لا يركز فقط على الخير أو على أكبر قدر ممكن من الخير، وإنّما على ما هو جيّد بالنّسبة لي هنا والآن: أنا مدعوّ لكي أنمو في هذا الأمر، ولكي أضع قيودًا على مقترحات أخرى جذّابة ولكنّها غير حقيقيّة، لكي لا يتمَّ خداعي في البحث عن الخير الحقيقيّ.

أيّها الإخوة والأخوات، نحن بحاجة لأن نفهم، لأن نسير قدمًا في فهم ما يحدث في قلوبنا. ولهذا نحتاج إلى فحص للضّمير لكي نرى ما حدث اليوم. "اليوم غضبت هناك، ولم أفعل ذلك ...": لكن لماذا؟ وأكثر من الـ"لماذا" علينا أن نبحث عن جذور هذه الأخطاء. "اليوم كنت سعيدًا ولكنّني شعرت بالملل لأنّه كان عليّ أن أساعد هؤلاء الأشخاص، ولكن في النّهاية شعرت بالفرح والرّضى بسبب هذه المساعدة": وهناك الرّوح القدس. علينا أن نتعلّم أن نقرأ في كتاب قلوبنا ما حدث خلال النّهار. إفعلوا ذلك حتّى ولو لدقيقتين فقط، لكنَّ هذا الأمر سيفيدكم، أنا أؤكّد لكم ذلك."