الأراضي المقدّسة
29 نيسان 2020, 19:14

كنيسة ليتورجيا أم ليتورجية الكنيسة بقلم الاب سامر حداد

نورسات/ الأردنّ
بدأنا هذا المقال بعنوان كنيسة ليتورجيا أم ليتورجية الكنيسة لتسليط الضوء على الازمة التي نمر فيها في الكنيسة والتي تتعلق بطبيعتها وتبلور هويتها التي تشكل رسالتها في العالم.

لطالما كانت الكنيسة منذ عهد الرسل مدعوة بشكل مستمر وعلى مدار الزمن وفي كل مكان ومع مؤمنيها في كهنوتهم الملكي والذين يشكلونها والقائمين على رعايتها في كهنوتهم الخدمي للتعمق في سرِّ طبيعتها وهويتها.  (ecclesia semper reformanda الكنيسة في تشكل أو اصلاح مستمرecclesia semper reformanda) إصطلاح لاهوتي أطلقه القديس أغسطينوس للتعبير عن التوجه الدائم في الكنيسة لمعرفة ذاتها ورسالتها تجاه مؤمنيها لبلوغ ملئ رسالتها وفعاليتها لتُثمر حياة جماعتها ما أراده رأسها السيد المسيح حيث يحضر فيها الله الآب بيسوع المسيح الذي يعطي ذاته في روائعها (الأسرار المقدسة) فيثمر فيها الروح القدس محبة وعدلا وسلام في العالم. كما ونحن على يقين بانَّ المسيح رأس 

الكنيسة يستمر في بناء جسده في وسط هذا العالم.

هذا وقد تبنى البابا القديس يوحنا بولس الثاني في روح المجمع الفاتيكاني الثاني روح هذه الدعوة بأنَّ الكنيسة في تشكل دائم واصلاح دائم لخيرها وخير مؤمنيها، يَظْهَر هذا النهج في الدستور العقائدي الكنيسة "نور الأمم" رقم: 8 للمجمع الفاتيكاني الثاني : ( إنَّ الكنيسة التي تضم في حضنها الخطأة هي، في آن واحد، مُقَدَسةٌ ومفتقرةٌ دائما إلى التطهير، ولا تَني عاكفةً على التوبة والتجدد).

 

 إنطلاقا مِن العنوان الذي يطرح تسائل انكشفت أسراره في ظل تعرض ممارسات الكنيسة والقائمين عليها للظروف الخاصة التي استوجبها فايروس كورونا والذي كشف عن ضعف في مقدرتنا بلوغ روح رسالة الكنيسة حين توقفنا عندَ حدِّ معرفتنا بأنَّ كنيستنا هي كنيسة ليتورجية وليس أنَّ الكنيسة تمتلك وسيلة اسمها ليتورجية يُعطي الله مِن خلالها نِعَمْ الخلاص والعدل والسلام والتظامن والحب. 

نكشف هذا الضعف الذي ظهر في غياب الابداع في تطوير روح الفكر اللاهوتي لليتورجيا عندما نقلنا ما كنَّا نُقيمه في الكنائس الى البيوت وغابت الفرصة للتحفيذ على الابداع في عيش ما كانت تعيشه وتمارسه الجماعة طيلة حياتها في الكنيسة. طلبنا منهم مشاهدة ما كانوا يشتركون فيه في الكنيسة دون التركيز على عيش ما كانوا يشتركون فيه، فهل كان الاجدر بنا أن نحثهم ونحث انفسنا على عيش ما كنا نمارسه بدل تكرراه في البيوت، بكل بساطة أن يعيشوا ملئ الحب والتضامن في حياتهم اليومية بكل تفاصيلها. 

 

ألم يكن بمقدورنا ومقدورهم أن نُبدع في طُرق وأساليب تطبيق عيش ما كنَّا نمارسه ونعيشه في الأسرار في حياتنا اليومية، فهل كانت الليتورجيا هدف الكنيسة وممارسة الشعب أم أنَّ هُنالك بُعْد مفقود، فمثلا مَن مِنَّا جميعا يُدرك ويعي أنَّ الأحتفال في ذبيحةِ المسيح هو اتحاد بالمسيح نفسه لنصبح مسيح آخر في العالم وبعد الخروج مِن الكنيسة ننقل هذا المسيح بجسده وكلمته وكُل مواقفه إلى كُلِّ مَنْ نلتقيه في البيت ومكان العمل والمدرسة وفي كُلِّ علاقة مع الآخرين، أليست هذه الحقيقة غائبة؟؟ هذا مثال بسيط عن فكر لاهوتي كان الأجدر أن نُثيرهُ فينا وفي مؤمنينا فيفرحوا في المسيح المتجسد فيهم ليعيشوا ملئ الحياة المسيحة بدل تكرار ما كُنَّا نمارسهُ والاستمرار في الوقوف عنده وعيش حياة تدور حول نفسها. 

 

أم أننا نتخوف مِن أن نُبرزَهُ خوفاً مِن أنْ يَقِفَ الناس عند الزاوية الخطأ مِن هذا الفكر اللاهوتي والاكتفاءِ بهِ وترك ممراسات الكنيسة؟؟ أكيد سيقومون في ذلك إنْ لم نوضح لهم أولاً أننا نعيش ظرف استثنائي وأنَّ طبيعة الانسان ضعيفة وبحاجة لتُجَدد الوعي للحضور الإلهي في الأسرار ولذلك مهم جداً اعادة إعلان الايمان الذي نعيشة مِن خلال تكرار ممارسة الليتورجيا التي لا نستطيع أن نفصلها عن الإيمان حيث أنها تُظهِرهُ ويكتمل في شهادةِ الحياة. مِن جديد دعوة لنا جميعاً لاستغلالِ ما يجبرنا عليه فايروس كورنا للتدرب على عيش كلمة الله فيما بيننا بطريقة رائعة وتخفيف التعلق الأعمى في ممارسة الليتورجية واعطاء فرصة للجميع للابداع في ترجمة الحياة الليتورجية، فمهمة الفكر اللاهوتي هي في استفزاز الإيمان الممَارِس عند الجميع لبلوغ الهدف الأسمى وهو حضور الله بيننا والذي ينكشف في المحبة والتضامن والخير والعدل والسلام.