سوريا
16 كانون الأول 2021, 12:50

كنيسة السّيّدة العذراء في حيّ النّاصرة – الحسكة تحتفل، والمناسبة؟

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك السّريان الأنطاكيّ مار اغناطيوس يوسف الثّالث يونان يوم الثّلاثاء 14 كانون الأوّل/ ديسمبر 2021، القدّاس الإلهيّ على مذبح كنيسة السّيّدة العذراء للسّريان الأرثوذكس في حيّ النّاصرة – الحسكة، سوريا، عاونه فيه القيّم البطريركيّ العام وأمين سرّ البطريركيّة المونسنيور حبيب مراد، أمين السّرّ المساعد في البطريركيّة الأب كريم كلش، بحضور ومشاركة مطران أبرشيّة الجزيرة والفرات للسّريان الأرثوذكس مار موريس عمسيح، رئيس الأساقفة السّابق لأبرشيّة الموصل وتوابعها مار يوحنّا بطرس موشي، المدبّر البطريركيّ لأبرشيّة الحسكة ونصيبين الخوراسقف جوزف شمعي، كاهن رعيّة مار جرجس للسّريان الأرثوذكس في الحسكة وأمين سرّ مطرانيّة الجزيرة والفرات الأب أنطونيوس الحنّو، كاهن الرّعيّة الأب الياس قسّ الياس، وكاهن رعيّة مار بطرس وبولس في القامشلي الأب يوسف عاصي. وخدم القدّاس الشّمامسة والجوق، بمشاركة جموع غفيرة من المؤمنين من أبناء الكنيستين الشقيقتين السّريانيّة الكاثوليكيّة والسّريانيّة الأرثوذكسيّة في حيّ النّاصرة بحسب إعلام البطريركيّة.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى يونان عظة بعنوان "وتدعو اسمه عمانوئيل أيّ الله معنا"، شكر من خلالها المطران مار موريس عمسيح "من كلّ القلب على كلماتك اللّطيفة، وبإمكاننا القول إنّك بالغْتَ فيها قليلاً، لأنّنا مهما عملنا، كما يقول لنا الرّبّ يسوع، نحن عمّال بطّالون علينا أن نقوم بواجبنا. أشكرك من كلّ القلب على كلماتك الأخويّة، وأدعو لك أن تبقى الرّاعي الصّالح لهذه الأبرشية المباركة".

وتابع: "نعم، هذا كان الوحي الذي أوحاه الملاك لمار يوسف كي يعلمه أنّ الله أحبّ البشر، وأراد أن يتأنّس ابنه وكلمته الأزليّة في أحشاء مريم البتول الطّاهرة بقوّة الرّوح القدس، لكي يؤكّد لنا أنّه الله معنا وسيبقى معنا. وكلمة "لا تخف – لا تخافوا" تتردّد كثيراً في الأناجيل المقدّسة، نعم نحن البشر، ولأسباب عديدة، إن كانت خارجيّة من الآخرين، وإن كانت من نفسنا، فكلّنا ناقصون ونحتاج إلى أن نصل إلى الكمال. نحن على هذه الفانية نتألّم، ولكنّ الرّبّ يسوع يقول لنا: لا تخافوا، أنا معكم كي أرافقكم نحو الحياة السّعيدة في ملكوت السّماوات. في السّبعينيات عندما احتفلنا بالقدّاس هنا لأولاد المناولة الأولى، وكنتُ قد طلبتُ حينها من المثلّث الرّحمات المطران ميخائيل جروة أن يأتي إلى النّاصرة، وأقمنا القدّاس في الهواء الطّلق، وخلاله انهمر علينا المطر، فقد كنّا حقيقةً بحاجةٍ إلى نعمةٍ إلهيةٍ أن نستمطر نعمة الله لكي تنمو الزروع، عندما كنتُ آتي إليكم، كنتُ أريد أن أرافق أولادنا كي يبقوا دائمًا مع يسوع، وأذكّرهم أنّه ليس فقط في الميلاد يكون الله معنا، وإنّما على مدى الحياة أيضًا، لأنّ يسوع نفسه وعدنا أن يبقى معنا كلّ الأيّام حتّى انقضاء الدّهر.

إنّنا اليوم نجتاز زمنًا بالحقيقة رديئًا، زمنًا خطيرًا، زمنًا نشهد فيه بلدَنا ومدينتَنا وقرانا للأسف ممزَّقة. نطلب منه، وهو إله السّلام، أن يحلّ سلامه، بأن يجمع القلوب والنّفوس، وأن يذكّر جميع المواطنين أنّ علينا أن تتشابك أيدينا كي نبني هذا البلد الذي أصيب بالصّميم مدّة أكثر من عشر سنوات في محاولات للقضاء عليه. ولكنّ الله القدير قادر أن يعيد هذا البلد إلى نهضةٍ حضاريّة، فالجميع فيه متساوون، الجميع لهم الحقوق وعليهم الواجبات، الجميع عليهم أن يدركوا، حتّى وإن كان دينهم أو طائفتهم أو لغتهم مختلفة، فهم بالأساس مواطنون لهم كامل الحقوق وعليهم الواجبات، وعليهم أن ينشروا حضارة سوريا العريقة، ليس فقط هنا في منطقتنا، بل في الشرق الأوسط والعالم أيضًا." 

وإختتم سائلاً "الرّبّ أن يهبنا أمانه ويرافق جميعنا، وبشكلٍ خاصّ صغارنا وشبابنا، كي يبقوا مؤمنين بأنّ هذه الأرض، أرض الآباء والأجداد، هي أرضهم، وبأنّ عليهم المسؤوليّة أن يحافظوا عليها. هذا ما نطلبه، بشفاعة أمّنا مريم العذراء شفيعة هذه الكنيسة المقدّسة".

وقد المطران مار موريس عمسيح وجّه إلى البطريرك كلمة ترحيبيّة من القلب، قال فيها "إنّ اليوم فرحة كبيرة ويوم تاريخيّ في حياة هذه الكنيسة المباركة المفتوحة دائمًا لكلّ أبناء حيّ النّاصرة وكلّ أبناء الكنيسة. ومنذ أن قدّسها المثلّث الرّحمات البطريرك مار اغناطيوس زكّا الأوّل عيواص مع المثلّث الرّحمات المطران مار أوسطاثيوس قرياقس مطران الجزيرة والفرات آنذاك، في أيلول عام 1988، كانت هذه الكنيسة لأبناء الحيّ جميعًا على الدّوام. فطالما نحن نعيش تحت سقف واحد في منطقة واحدة على السّرّاء والضرّاء في كلّ شيء، فيجب أن نعمل ونكون بالفعل مثالاً صالحًا للعالم كلّه.

اليوم تباركت النّاصرة بقدومكم، وتبارك هذا الشّعب وأبناء هذا الحيّ الكادح والمُزارع، والرّبّ يسوع المسيح تكلّم عن المُزارع والزّارع والفلّاح الذي يأكل خبزه بعرق جبينه. هذا الشّعب الطّيّب الذي نعتزّ ونفتخر به، أبناء هذا الحيّ المبارك لا تسعهم الفرحة اليوم، ومعهم نقول: تعالَ بسلام أيّها الرّاعي الصّالح والمدبّر الحكيم، بارِك أولادك وشعبك المؤمن هذا الذي صبر وحمل صليب الآلام والأوجاع لأكثر من عشر سنوات. نحن صابرون كأيّوب، ولكنّنا متجذّرون في أرضنا، أرض الآباء والأجداد.

قبل مئة عام جُبِل تراب الجزيرة بدماء آبائنا وأجدادنا، ولن نترك هذه الأرض المقدّسة، وكما قدّس الرّبّ يسوع المسيح أرض فلسطين، قدّس آباؤنا وأجدادنا هذه الأرض الطّيّبة بدمائهم. فنحن لا نفرّط بدماء آبائنا وأجدادنا، ونسير على هذا المنوال في صلواتنا وعبادتنا وقداديسنا، نعمل بمحبّة شهودًا حقيقيّين للرّبّ يسوع المسيح أينما كنّا وأينما ذهبنا، وخاصّةً في هذه الظّروف القاسية التي تمرّ بها بلادنا".

وسأل "بركة صاحب الغبطة في هذا اليوم، وبالذّبيحة الإلهيّة التي سيرفعها، من أجل سوريا ومن أجل الجزيرة ومن أجل أبنائنا وشعبنا، وفي نفس الوقت من أجل الرّحمة لنفوس جميع موتانا. نسأل الله أن يمدّ في حياتكم، يا صاحب الغبطة، إلى سنين عديدة في رعاية الكنيسة الشّقيقة السّريانيّة الأنطاكيّة الكاثوليكيّة التي اختاركم الله أن تكونوا راعيًا ومدبّرًا وقائدًا لها".

وتابع: "مهما تكلّمْتُ عنكم يا صاحب الغبطة، فشهادتي مجروحة، لأنّني كنتُ تلميذكم منذ عام 1973 في مدرسة الموحَّدة في الحسكة في الأحدية، حيث كنتم تعلّموننا التّعليم المسيحيّ كلّ يوم جمعة. وكانت الجزيرة في عصرها الذّهبيّ، كهنة شباب بكلّ العنفوان، لا يفرّقون بين سريانيّ أرثوذكسيّ وسريانيّ كاثوليكيّ وأرمنيّ وكلدانيّ وآشوريّ أو من أيّ كنيسة شقيقة.

في هذه الأيّام نعيش فرحتين: اليوبيل الذّهبيّ لكهنوت صاحب الغبطة، واليوبيل الفضّي لأسقفيّته، إذ رُسِم كاهنًا في الحسكة عام 1971، وعام 1996 كان لي نصيب أن أنال البركة عندما جاء المثلّث الرّحمات البطريرك مار اغناطيوس أنطون الثّاني حايك، ورسم صاحبَ الغبطة مطرانًا في القامشلي، وكنتُ حينها خادمًا لرعيّة السّذّدة العذراء في القامشلي. وبعدها انتقلتُ إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة، وكنّا نلتقي كثيرًا في جاكسونفيل ونيوجرسي وشيكاغو وفي أماكن عديدة لأكثر من 19 عامًا. فقد خدم غبطته في الولايات المتّحدة الأميركيّة وكندا ربع قرن من الزّمن، واليوم، بنفس الهمّة ونفس الوتيرة، يخدم غبطته أبناء الكنيسة في كلّ أصقاع الدّنيا".

وفي ختام كلمته، تضرّع "إلى الرّبّ كي يحلّ أمنه وسلامه في المنطقة، ويمدّ بحياتكم يا صاحب الغبطة. وباسمي واسم أبناء الجزيرة نقول لكم: أهلاً وسهلاً بكم بين شعبكم وبين أهلكم، فنحن نفتخر أنّكم ابن الحسكة، هذه المدينة التي أنجبت قادة ورعاة ومدبّرين. أمدّ الله في حياتكم ذخرًا وفخرًا للكنيسة، وبارخمور".

ثمّ قدّم كاهن الرّعيّة الأب الياس قسّ الياس إلى البطريرك، باسم الرعية، درعًا تذكاريًّا تخليداً لهذه الزّيارة الأبويّة، وعربون محبّة وشكر وتقدير.

وفي ختام القدّاس، منح البطريرك الإكليروس والمؤمنين بركته الرّسوليّة عربون محبّته الأبويّة.

وبعد القدّاس الإلهيّ أضاء البطريرك يونان شجرة ومغارة الميلاد وباركهما.