لبنان
29 أيلول 2017, 12:58

كلمة د. كريستين ميخائيل فهمي في المؤتمر الإعلاميّ الثّاني عن "الإعلام المسيحيّ في مواجهة الأزمات والنّزاعات"

"في الجلسة الثّالثة، تكلّمت د. كريستين ميخائيل فهمي من مصر عن "الإعلام المسيحيّ في مواجهة الأزمات والنّزاعات"، في كلمة جاء فيها:

 

      "يمثّل الإعلام ظاهرة دوليّة وعالميّة ويلعب بوسائله المختلفة دورًا فعّالاً في حياة الإنسان، ويكاد يدخل في أدقّ تفاصيل هذه الحياة.

       وقد اخترقت وسائل الإعلام حاجزين رئيسيّين: حاجز المكان بحيث يتمّ التّواصل عبر المحيطات من خلال تخطّي المسافات أينما كان الشّخص الاَخر وأينما وجد الحدث، وحاجز الزّمان بحيث بات التّبادل يوميًّا واَنيًّا من خلال البثّ المباشر للحدث، فضلَا عن تخزين المعلومات والمواد الإعلاميّة وجعلها تحت التّصرّف في كلّ وقت.

        واليوم لا يمكننا الحديث عن الإعلام ودوره، إلّا ونتحدّث عن الإعلام المسيحيّ الّذي استطاع أن يكون حاضرًا وفاعلاً بشكل كبير، وأصبح بمثابة نافذة حقيقيّة تسهم في إيجاد وخلق موطن للمحبّة والعدالة والسّلام.

      ويأتي التّلفزيون كأحد أهمّ وسائل الإعلام والأكثر حيويّة، والأكثر مشاهدة لما يتّصف به من سهولة في متابعة الأحداث، فالتّلفزيون ليس فقط الوسيلة الأكثر استخدامًا بل هو أيضًا الوسيلة المفضّلة لدى الكثير من الجمهور.

       ومن ثمّ تأتي القنوات التّلفزيونيّة المسيحيّة وأهمّيّتها في معالجة قضايا المجتمع ومشاكله، ونشر الأخبار والمعلومات والحقائق الّتي تخصّ الجمهور المسيحيّ، فضلاً عن المواد الدّينيّة الرّوحيّة المختلفة.

ولعلّنا نرى في السّنوات العشر السّابقة ظهور العديد من القنوات التّلفزيونيّة المسيحيّة وترسيخ وجودها من خلال دورها الحقيقيّ في نشر وتغطية أهمّ القضايا والأحداث والنّزاعات داخل المجتمع بصفة عامّة والأقباط بصفة خاصّة، فضلًا عن قوّة تأثير تلك القنوات على الجمهور المتلقى.

لذا جاءت هذه الورقة لتتناول الإعلام المسيحيّ في مواجهة الأزمات والنّزاعات.

يختلف مفهوم الأزمة عن النّزاعات ويتداخل أيضًا مع مفاهيم أخرى مشابهة: منها المشكلة، الصّراع، الكارثة، ممّا يستدعي تحديد السّمات المشتركة بينهم وهي المفاجأة، التّعقيد، التّشابك والتّداخل بين عناصرها وأسبابها وقوى المصالح المؤيّدة والمعارضة لها، والتّصاعد المفاجىء لآثارها. (1)

يرى الباحثون أن الأزمة هي "موقف أو حدث مفاجىء أو متوقّع يواجه المنظومة المجتمعيّة ينتج عنه تهديد خطير للاستقرار، بينما النّزاع يعني التّعارض والتّضادّ وعدم التّطابق في الشّكل والمضمون بين الأطراف، وهو ما يكون أحد مظاهر الأزمة، ولكنّه لا يعبّر عنها تمامًا.

إنّ النّزاع قد يؤدّي إلى حدوث الأزمة أو يعبّر عنها أو يكون باعثًا على نشوبها واستمرارها.

تتنوّع الأزمات وتتعدّد تبعًا للزاوية الّتي ينظر منها للأزمة، نستعرض أهمّها على النّحو التّالي:

- تصنيف الأزمات وفقًا لمرحلة التّكوين، قد تكون أزمة في مرحلة الميلاد أو مرحلة النّموّ والاتّساع، النّضج أو الانحصار أو الاختفاء.

- تصنيف الأزمات من حيث تكرار حدوثها، أو أزمات غير دوريّة (عشوائيّة).

- تصنيف الأزمات من حيث عمق الأزمة، قد تكون سطحيّة أو عميقة.

- تصنيف الأزمات من حيث الآثار، أزمات ذات خسائر في الأرواح أو الأموال، أو الاثنين معًا.

- تصنيف الأزمات من حيث المدّة، قصيرة كالحرائق، طويلة الأمد كالحروب.

- تصنيف الأزمات من حيث التّبعيّة والتّخصيص، أزمات سياسيّة، دينيّة، اقتصاديّة، اجتماعيّة، دبلوماسيّة.

تصنيف الأزمات من حيث درجة توقّعها، هناك أزمات مفاجئة وأخرى متوقّعة.(3)

       تنعكس أهمّيّة دور الإعلام عند مواجهة الأزمة من خلال زيادة اعتماد الجمهورعليها في معرفة تفاصيل تلك الأزمات، فهي تمثّل المصدر الرّئيسيّ للمعلومات عن الأزمة لدى الجمهور، وأيضًا في تشكيل اتّجاهاته نحو الأزمة وكيفيّة إدارتها.(4)

       ويتحدّد دور الإعلام في مواجهة الأزمة حسب طبيعة الأزمة، ونوعيّتها، وحجمها، وطبيعة النّظام السّياسيّ السّائد، والجماهير المستهدفة، خاصّة عند مواجهة أزمة على المستوى الوطنيّ.(5)

قد تأتي أيضًا أهمّيّة دور الإعلام في مواجهة الأزمات من جانبين:

- جانب إيجابيّ: عن طريق نقل جرعات متفاوتة ومتزايدة من الأخبار إلى جمهور الأزمة.

- جانب سلبيّ: عن طريق التّعتيم الإعلاميّ الكلّيّ القائم على التّجاهل التّامّ للأخبار والمعلومات وعدم إعلام جمهور الأزمة بها، وقد يكون تعتيم إعلاميّ جزئيّ حيث يتمّ الاهتمام فقط بأطراف الأزمة وتجاهل الأطراف الأخرى، وصياغة الأخبار عنهم بشكل معيّن مع التّعتيم والتّمويه والتّجاهل في بعض الأحيان.

 

       لذا نجد عزوف الجمهور القبطيّ عن مشاهدة القنوات الفضائيّة أثناء الأزمات الّتي تتعلّق بالكنيسة أو الشّعب القبطيّ ويلجأ إلى الإعلام المسيحيّ كأحد أهمّ المصادر الّتي يعتمد عليها  في الحصول على المعلومات ومعرفة أهمّ الأحداث.

 

       أيضًا نجد أنّ دور الإعلام المسيحيّ لم يقتصر على نقل الأخبار فقط بل امتدّ إلى قلب الحدث نفسه من خلال البثّ المباشر، فضلًا عن  فريق عمل من المراسلين ينقل كلّ ما هو جديد.

هذا وعدّدت المعوّقات الّتي تحول دون نجاح الإعلام المسيحيّ في مواجهة الأزمات والنّزاعات، وهي:

- محدوديّة الموارد البشريّة أو المادّيّة تؤثّر كثيرًا على تغطية الأزمات.

- ندرة المعلومات المتوفّرة عن الأزمة.

- قلّة التّعاون أو العمل المشترك  بين المنظّمات الإعلاميّة وبعضها.

- قيود سياسيّة وتدخّلات حكوميّة تمنع نشر الحقائق والوقائع.

- صعوبة تواجد الإعلاميّين أثناء تغطية الحدث.

- رفض بعض الضّيوف المشاركة بالبرامج التّلفزيونيّة لتغطية الأزمات.

- سطحيّة المعالجة الإعلاميّة من حيث عدم إعطاء خلفيّة كافية من المعلومات والبيانات.

أمّا عن معالجة القنوات الفضائيّة للأزمات والنّزاعات مقارنة بالقنوات المسيحيّة، فأضافت:

     يتابع الجمهور تطوّرات الأزمة من خلال ما تقدّمه وسائل الإعلام من أخبار ومعلومات، علمًا بأنّه ليس كلّ ما يذاع اليوم يحمل مصداقيّة عالية وإنّما نجد وللأسف أنّ الكثير من تلك القنوات قد تتهافت على نشر المعلومات والأخبار البرّاقة والسّريعة وإنّما في حقيقة الأمر نجدها أحيانًا مزيّفة او غير دقيقة وقد تكون لأغراض ومصالح معيّنة، وقد تكون معلومات غير كاملة او غير كافية للجمهور.

       بقدر ما تمتلك تلك القنوات الكثير من الإمكانات والموارد المادّيّة والمعنويّة في رصد الأزمات إلّا أنّها تغفل العديد من الأزمات والنّزاعات الدّينيّة من بينها خطف القاصرات، هدم الكنائس وغيرها من القضايا والنّزاعات الّتي تشغل الكنيسة والجمهور القبطيّ.

        أيضًا تظهر القنوات الفضائيّة بوضوح أثناء الأزمات القويّة أو الّتي لها بعد طائفيّ يؤثّر بالسّلب على المجتمع والعلاقات السّياسيّة الدّولّة.

     في حين يظهر دور القنوات المسيحيّة بوضوح أثناء الأزمات والنّزاعات من خلال عرض العديد من القضايا الّتي قد تكون هامشيّة أو سطحيّة بالنّسبة للقنوات الفضائيّة، فنتيجة لطبيعة تلك القنوات وارتباطها بالكنيسة بجعل لها مكانة وثقة عالية لدى الجمهور.

وختم فهمي كلمتها بالتّوصيات التّالية:

- تدريب وتأهيل القائمين بالاتّصال (مقدّمي برامج- مراسلين وغيرهم) من خلال دورات تدريبيّة من أجل توعيتهم في مواجهة الأزمات والنّزاعات.

- زيادة وعي الإعلاميّين والقائمين بالاتّصال لدور الإعلام المسيحيّ والثّقة بقدرتهم في التّأثير على الجمهور.

- وضع استراتيجيّة ورؤية مستقبليّة للقنوات المسيحيّة تساعد في مواجهة الأزمات والنّزاعات.

-  خطط التّنسيق والتّعاون بين القنوات المسيحيّة وبعضها والتّواصل الجيّد مع مختلف منظّمات وهيئات الدّولة.

- تشكيل فريق عمل داخل كلّ مؤسّسة إعلاميّة متخصّص لإدارة الأزمات.

- الدّعوة إلى الاعتدال والوسطيّة في عرض ومعالجة الأزمات والنّزاعات.

- يجب على القائمين بالاتّصال تحرّي الدّقّة من مصادر المعلومات. وذلك من خلال التّنسيق مع المركز الإعلاميّ للكنيسة والجهات المعنيّة بالأزمات".