كلمة بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس يوحنا العاشر في دير مار الياس- شويّا
"يقول الرّسول بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس الأولى في الإصحاح الّسادس عشر: يا إخوة اسهروا، اثبتوا في الإيمان، كونوا رجال، تشدّدوا، ولتكن أموركم كلها بالمحبة... وأيضا يخبرنا عن الإخوة الّذين خدموا والإخوة الّذين ساعدوا ويشكر الرّبّ الإله على ذلك... ومن ثم يختم بسلام من كنائس آسيا ومن الإخوة ويقل يسلم عليكم الرّبّ وليكن سلامنا معكم بالرّبّ يسوع المسيح وسلموا على بعضكم بقبلة مقدّسة.
فلنقف عند:
يا إخوةُ، اسهَروا، اثبُتوا على الإيمانِ، كونوا رِجالاً، تَشدَّدوا. وَلْتكُنْ أمورُكم كُلُّها بِالمَحبَّة.
1- اسهروا:
هذه نقطة أساسيّة يجب الانتباه لها وهنا ليس السّهر هو عدم النوم، إنّما السّهر من النّاحية الفكريّة (أي أن نكون يقظين وواعين بشكل لائق) ولنسترجع ما يحدث ضمن القدّاس الإلهيّ (الكاهن بعد أن يستدعي الرّوح القدس ويطلب منه أن يحل علينا وعلى هذه القرابين الموضوعة "واصنع هذا الخبز آمين. آمين. آمين.. ويتابع عندها الكاهن الهدف من الاستحالة.. لكي يكونا للمتناولين لانتباه النّفس ولمغفرة الخطايا).
القصد بالانتباه من النّاحية الرّوحيّة وهذا ما يدعونا إليه بولس الّرسول "يا إخوة اسهروا".. كونوا ساهرين متيقّظين وواعيين في كلّ شؤون حياتكم، في امتحاناتكم، في داخلكم، في تصرفاتكم، في كلّ مسائلكم ... حيث أنّه عندما يكون الإنسان واعي ومتيقّظ سيستطيع السّيطرة على تصرفاته، وعندها لا يصبح الحسد أو الغيرة أو المنافسة أو ما شابه ذلك هو المسيطر عليه، إنّما تلك الانفعالات تصبح تحت سيطرة ذلك الإنسان الواعي المحب ويضبط خيالاته ومشاعر نفسه.
2- اثبتوا في الإيمان:
عندما يكون هناك شخصًا يذهب يمينًا وشمالًا فإنّنا تلقائيًّا نطلب منه أن يثبت.
وباسقاطها على ثباتنا الروحيّ فهنالك أفكار كثيرة واسئلة وتفاسير مضلّة كثيرة أيضًا.
لكن علينا الثّبات على الإيمان بالمسيح يسوع والّذي نستمر عليه فنصبح كالرّسل القديسين.
3- كونوا رجالاً:
أيضاً من النّاحية الرّوحيّة فنكون مثالًا للنّضج والكبر.
الحديث ليس موجّه فقط للذكور إنّما جملةً.
كونوا رجالًا موجهّة للذكور والإناث، لأن كلّ من اعتمد بماء المعموديّة وانتُشِلَ من هذا الجرن المقدّس على اسم الآب والابن والرّوح القدس، عليه أن يكون رجلًا للمسيح لأنّه يحيا بحسب إنجيل المسيح يسوع الّذي صار على اسمه.
فعلينا أن نكون رجالًا وأن نعيش هذه الفضيلة (الرجولة) حيث هي مثال النّضج الذي يستوعب كلّ خيال وأي ضعف يمكن أن يحصل معه مباشرة أو يرزح تحت المصائب التي يعالجها.
4- ولتكن أموركم كلّها بالمحبّة:
كما يقول القدّيس بولس في إحدى رسائله لأهالي كورنثوس "إذا فعلت أعظم الأشياء وأنت لا تملك في داخلك المحبّة، فإنك لا تكون شيئًا إنّما تكون كنحاساً يطن أو صنجاً يرن".
وننتقل الى النّقطة الأهمّ هنا وهي أن الله محبّة وأن إيماننا المسيحيّ يقول أن هذا هو التّعليم الأساسيّ.
أحبّنا يسوع لدرجة أنّه بذل نفسه من أجل خلاصنا بسبب خطايانا، وأطاع حتّى الموت موت الصّليب لأنّه أحبّنا فقرّر أن يموت على الصّليب من أجل أن يفتدي الّذين أحبهم.
هذا شيء مهمّ لمواجهة القصص والمشاكل وماشابه ذلك.
واذ يعلّمنا القدّيس بولس برسالته هذه أن كلّ شيء علينا أن نتمّمه بالمحبّة.
الرّسول بولس ينتقل من مدينة إلى مدينة ومن مكان الى مكان يبشّر ببشرى خلاص الإنجيل بيسوع المسيح. تعذّب وعلّم المؤمنين. تعب كلّ تعب من أجل الكرازة باسم يسوع، وجرت هذه الأعمال بالكنائس التي آمنت بالرّبّ يسوع المسيح.
ومن ثم الرّسول يكلّم أهل كورنثوس ويخبرهم أنّه فرح بقدوم استفانوس وفرتوناتوس واخائيكوس - هؤلاء إخوة أمنوا بقدوم المسيح - يخبرهم بفرحه بوجودهم، ويطلب منهم أن يتعاملوا بمحبّة مع بعضهم البعض وليس بنقصان المحبّة.
ويقول لهم اعرفوا مثل هؤلاء.
ويتابع بولس، يسلّم عليكم في الرّبّ كثيرًا آكيلا و بروكسيلا مع الكنيسة التي في بيتهما.
عبارة يسلّم عليكم الإخوة دليل الفرح ودليل الإيمان العظيم ودليل المسيحيّة.
لن ينه الرّسول رسالته إلّا ليتوجّه إليهم بالسّلامات والاعتذارات لأنّهم صاروا إخوة سلام المسيح يسوع بينهم، وهذه هي رسالة الفرح أن نصبح جميعنا إخوة في المسيح يسوع.
إخوة مشاركين في أبانا الّذي في السّموات.
مطلوب منّا أن لا نتمتم هذه الكلمات بالشّفاه والقلب بحيث نقول شيئًا ونعيش شيئًا آخر، فبقولنا أبانا الذي في السموات، علينا أن نظهر الكلمة بالحياة وبالتصرّفات بالمجتمع مع الإخوة.
يسلم عليكم في الرّبّ كثيرًا اكيلا وبريكسيلا والكنيسة الّتي في بيتهما أي جماعة المؤمنين (الّذين كانوا يجتمعون في بيتهما لإقامة الصّلاة، كان البيت هو مكان لصلاة الجماعة المؤمنة حيث لم يكن هناك كنائس، إنّما كانت الجماعة المسيحيّة تجتمع لإقامة الصلوات في المدافن على قبور الشّهداء أو في المنازل الى أن شيئا فشيئا أصبحت هناك الكنيسة كبناء).)
أذهاننا تلهج بهذه الكلمات وقلوبنا أيضًا من آلية حبّنا للكلمة الإلهية عندما يكون كلّ فكرنا وعقلنا وقلبنا وكلّ كياننا و مشاعرنا تتعب وتسعى وتعلو بموجب هذه الكلمات الإلهيّة بالمحبّة.
وهنا نتذكّر صورة السّفينة وسط العاصفة حيث أنّه عندما يدخل الرّبّ يسوع يهدأ كلّ شيء، أي عندما يكون يسوع في وسطنا عندها سنخرج من ذواتنا من دوامة - كرامتي، وأنا معي حق، وهذا رأي أنا، وأنا وأنا. ختامًا علينا أن نكون دائمًا في حالة اليقظة.
أن نسهر وننتبه ونثبت على الإيمان على كلّ ما يزعزعنا، مثل شجر السّنديان الذي يتجذّر بجذوره بقوّة في الأرض وعندما تهب الريح يبقى متجذّرًا بأرضه.
بهذا نكون رجالًا ونكون على صورة الله بالمحبّة لان الله محبّة".