كلمة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي في احتفال تخريج فوج "رسل الرحمة 2016" - ثانوية راهبات الوردية-المنتزه بيت مري - الأربعاء 4 أيار 2016
إنّني، إذ أشكر الأخت بيبيان زكريا، رئيسة الثانوية، على دعوتي لرعاية وحضور هذا الاحتفال وأحيّي معها الأخوات الراهبات، أعرب عن تهانيّ القلبيّة وأطيب التمنيات بمستقبل زاهر للطالبات والطلّاب المتخرّجين من فئات الصفوف النهائية الثلاث، وعددهم الإجمالي ثلاثة وتسعون. كما نهنّئ الثانوية وأسرتها التربوية، إدارةً وأساتذة وأهالي، بهذا التخرّج، مع الشكر على ما أغنت به هذه المدرسة الكاثوليكية الخرّيجين والخرّيجات من معرفة علمية فضلى وتربية على الإيمان الملتزم وعلى القيم الإنسانية. إنّها بذلك وفّرت لهم الأسس الثقافية والروحية والأخلاقية التي تجعل منهم مسيحيّين ناشطين، وشهودًا للإنجيل أسخياء، ومواطنين مسؤولين في وطنهم (راجع رجاء جديد للبنان، 106).
2. شاءت الإدارة أن تسمّي فوجكم، ايّها الخرّيجون والخرّيجات، "رسل الرحمة". وهذا لكم امتياز ونعمة ورسالة. امتياز لأنّه لن يتكرّر لغيركم، لكونه محصورًا بيوبيل سنة الرحمة؛ ونعمة لأنّه يفتح قلوبكم لقبول نعمة غفرانات السنة المقدّسة؛ هذه النعمة تقدّسكم وتقوّيكم وتلازمكم، إذا أحسنتم المحافظة عليها بالحياة الصالحة تحت نظر الله؛ ورسالة تحملونها إلى عالم هو بأمسّ الحاجة إلى رحمة. كلّنا يعاني من أزمة فقدان المشاعر الإنسانية في معظم القلوب. ونراها ظاهرة في الحقد والبغض والضغينة، في الحسد والنميمة، في استغلال الوظيفة والجشع، في التزوير والرشوة، في إهمال الواجب، وبخاصّة واجب تأمين الخير العام من قبل الذين يتعاطون الشأن السياسي والعام في الدولة ومؤسساتها الدستورية العامّة.
3. هذه هي رسالتكم، يا رسل الرحمة. لا تخافوا منها ومن تضحياتها، فالله "الغني بالرحمة"(أفسس4: 2)، الذي يأتمنكم عليها، وهو يعضدكم ويقود خطاكم ويبلغ بها إلى النجاح الأكيد. فهو الذي "طوّب الرحماء" (متى 5: 7). هذه الرسالة تعطي معنى وقيمة لحياتكم.
إنني أصلّي من أجلكم ملتمسًا شفاعة أمّنا مريم العذراء، سلطانة الوردية المقدّسة، شفيعة هذه الثانوية، والقديسة ماري ألفونسين مؤسِّسة جمعية راهبات الوردية، كي يجمِّلَكم الله بفضيلة الرحمة، فتمتلىء قلوبكم بالمشاعر الإنسانية والحنان، وبسخاء المحبّة، وروح التوبة الدائمة، وفضيلة الغفران والمصالحة.
4. على ظهر الدعوة إلى هذا الإحتفال نُشِرَتْ لكم "أعمال الرحمة الجسدية والروحية" لتكون برنامج عملكم أينما كنتُم وفي أيّة حالة وظرف. عددُ هذه الأعمال أربعة عشر، سبعةٌ منها جسديّة، وسبعةٌ روحيّة. الجسديّة يذكرها الربّ يسوع في إنجيل الدينونة العامّة (متى 25: 31- 46)، أمّا الروحيّة فهي من إبتكار آباء الكنيسة في بداية القرن الثالث، ومستوحاة من إنجيل القديس متّى.
5. أعمال الرحمة الجسدية السبعة تختصّ بمساعدة الإنسان في حاجات جسده الداخليّة: الخبز لجوعه والماء لعطشه؛ وفي حاجاته الخارجية: اللّباس لعُريِهِ والإيواء لغربته؛ وفي عوزه الداخلي بالعناية بمرضه؛ وفي عوزه الخارجي بتحريره من الأسر، وبتكريم دفنته.
6. أمّا أعمال الرحمة الروحيّة السبعة فتختصّ بمساعدة الإنسان حينما يُعاني من ضعف، سواء على مستوى الوعي: بالمشورة في الشكّ، والتعليم للجاهل، والتّنبيه للخاطئ؛ أو على مستوى التعزية والصّبر: بتعزية الحزانى، ومغفرة الإساءة، وتحمّل مسبِّبي الإزعاج؛ أو على مستوى المساعدة الروحيّة: بالصلاة إلى الله من أجل الأحياء والموتى.
7. أنتُم، أيّها الخرّيجون والخرّيجات، ونحن ننتمي إلى وطنٍ الرّحمةُ فيه هي في أساس ميثاقه الوطني الذي عبّرَ فيه اللّبنانيون، مسيحيّون ومسلمون، عن إرادتهم بالعيش معاً بالمساواة، وبالمشاركة المتوازية والمتوازنة في الحكم والإدارة، وبنظامه الديمقراطي المنفتح على جميع مكوّنات المجتمع اللّبناني، وعلى قبول الآخر المختلف، وعلى احترام جميع حقوق الإنسان، وعلى إقرار احترام الحريّات العامّة.
أنتم قواه الحيّة، أنتم مسؤولو الغد فيه. تهيّأوا ليومكم بروح المسؤوليّة. الوطن بحاجة إلى منقذين يتميّزون بالتجرّد من المصالح الشخصيّة وبالتفاني في سبيل الخير العام، من أجل بداية مسيرة جديدة للنهوض بمجتمعنا ووطننا. هذه الثانويّة درّبتكم على الجديّة في كلّ شيء. لقد علّمنا التّاريخ أنّ الأوطان تُبنى بجهود أبنائها وبناتها وتضحياتهم، لا بالإهمال والإتكال على الغير.
8. إنطلقوا، يا رُسُل الرحمة، إلى أرجاء الوطن كافّة، وانشروا ثقافة الرحمة والمحبّة، وجسِّدوها أعمالَ خيرٍ وإنماء. وسيّدتنا مريم العذراء، سلطانة الورديّة المقدّسة، وأمّ الرحمة، تبسط يديها وتبارككم وتسير بكم إلى كلّ ما هو حقّ وخير وجمال.
مبروك تخرّجكم! عشتم! وعاش لبنان!