لبنان
28 شباط 2024, 13:30

كلمة البطريرك الرّاعي في افتتاح السّنة القضائيّة 2024

تيلي لوميار/ نورسات
إفتتح البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي السّنة القضائيّة في الصّرح البطريركيّ في بكركي، وألقى كلمة قال فيها:

"أصحاب السيادة الأجلّاء،

القضاة والموظّفون القضائيّون،

العاملون في محاكمنا والمحامون المحترمون

أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء.

1. يسعدني أن أستقبلكم في افتتاح السنة القضائيّة 2023-2024، التي أتمنّاها سنة خير وبركة ونجاح. وفيما أشكر عزيزنا الخوري جوزف نخله، رئيس محكمتنا الإبتدائية الموّحدة ، الذي تكلّم باسمكم وأشكركم على المعايدة في حلول العام الجديد 2024، يطيب لي أن أبادلكم أطيب التهاني والتمنيات، مقرونة بالشكر والتقدير لتفانيكم في خدمة العدالة، في ظرف تتكاثر فيه الدعاوى الزواجيّة، الأمر الذي يطعن في قدسيّة الزواج والعائلة، ويخلق مآسي لأولاد المتخاصمين. فيصحّ القول: "الوالدون يأكلون الحصرم والأولاد يضرسون".

2. أودّ أن أتكلّم معكم اليوم "عن عدم القدرة لعقد زواج صحيح" التي ينصّ عليها القانون 818 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة وقد أصبحت بكلّ أسف، الوسيلة الأسهل لإبطال الزيجات، متناسين أنّ الزواج سرٌّ مقدّس، وليس فقط عقدًا كسائر العقود. وأتكلّم أيضًا عن دور القاضي وتعاونه مع الخبراء في هذا النوع من الدعاوى. هذه الكلمة مقتبسة من المحاضرة التي ألقاها في محكمتنا عميد محكمة الروتا الرومانية المطران Alejandro Cedillo Arellano، بعنوان :"عدم القدرة على الزواج : نقاط ثابتة ومسائل مفتوحة"، ومن بعض خطابات البابوات لقضاة محكمة الروتا في افتتاح السنوات القضائية.

أوّلًا، عدم القدرة لعقد الزواج

3. يعرض القانون 818 ثلاث حالات تدخل في إطار عدم القدرة لعقد زواج صحيح بسبب انتفاء الفهم (عدد 1)، والقرار (عدد 2) والإلتزام (عدد 3)، وفقًا للتعليم والاجتهاد القضائي.

- الفهم يختصّ بإدراك معنى عقد الزواج. ويشوبه عدم إمكانيّة استعمال العقل للفهم الأوّلي والكافي. كالجنون المطبق والبلاهة والعصاب الإستحوازيّ، والصرع، وحالة السكر والتسمّم بالمخدّرات والتنويم الإصطناعيّ وحمّى التيفوس.

- القرار يختصّ بتمييز الحقوق والواجبات الزوجيّة الجوهريّة. يشوبه عدم نضج العقل والإرادة من ناحيتيّ التمييز والإدراك، وعدم النضج العاطفيّ. كالذهان الهوسيّ-الإكتآبيّ، وانفصام الشخصيّة، والعظمة الكاذبة والإضطهاد (paranonia).

- الإلتزام يختصّ بموجبات الزواج الجوهريّة. تشوبه أسباب نفسانيّة تحول دون إمكانيّة الزوج أو الزوجة من عيش موجبات الزواج الجوهريّة، علمًا أنّ هذا الزوج أو الزوجة ينعم بالفهم الكامل العقليّ والتمييز والإدراك لطبيعة الزواج وموجباته الجوهريّة (بحسب العددين 1 و2). هذه الشوائب هي من نوع الشذوذ الجنسيّ النفسانيّ، والشخصيّة السيكوباتيّة بمختلف أنواعها.

4. يمكن النظر إلى هذه الحالات من أوجه مختلفة:

أ- الوجه الأوّل

الحالة الأولى (الفهم) تعني عدم إمكانيّة فهم "كافٍ" لما يجري بعقد الزواج.

الحالة الثانية: (القرار) تعني "نقصًا" خطيرًا في تمييز حقوق وواجبات الزواج الجوهريّة التي تُعطى وتُقبل تبادلاً بين الزوجين.

الحالة الثالثة (الإلتزام) تعني عدم إمكانيّة جذريّة للمحافظة على موجبات الزواج لأسباب نفسيّة.

ب- الوجه الثاني

بالنسبة للرضى الزوجيّ بموضوع عدم القدرة، تنظر الحالتان الأولى والثانية في الكفاءة الداخليّة الشخصيّة لمنحه؛ أمّا الحالة الثالثة فتنظر في فاعليّة إمكانيّة الإلتزام بمضمون فعل الإرادة المعطي الرضى.

ج- الوجه الثالث

حالتا عدم القدرة الأولى والثانية تختصّان بكفاءة الشخص على وضع فعل إرادة كامل جوهريًّا، بحيث ينعم باستعمال كافٍ للعقل، وبحيث يكون محرّرًا من أيّ نقص خطير في التمييز وفي تقدير الحقوق والواجبات الزوجيّة. أمّا الحالة الثالثة، مع افتراض وجود رضى كاف داخليًّا، فتختص بعدم إمكانيّة الشخص الجذريّة للإلتزام بأيّ من موجبات الحالة الزوجيّة الجوهريّة. هذه الحالة بالطبع إذا كانت قائمة أثناء منح الميثاق الزوجيّ، يكون الشخص غير قادر على تحمّل هذه الموجبات كواجب قانونيّ بموجب القول المأثور: "لا من موجب لغير الممكنات "Impossibilium nulla obligatio".

د- الوجه الرابع

ثمّة نقطة دقيقة تختصّ بإيجاد السبب الضروريّ لعدم الأهليّة في الحالات الثلاث، بحيث يتّضح كنه عدم الأهليّة، ومقياسه الذي يميّزها من كلّ صيغ الضعف، والصعوبة، وعدم التحضير، وسرعة العطب، والسطحيّة التي تؤلم بطريقة أو بأخرى كلّ شخص بشريّ ويمكن بكلّ أسف أن يكون له تأثير فعليّ سلبيّ على الخيار الزوجيّ وطريقة عيش التزاماته، من دون أن تجعل حتمًا الشخص غير قادر وغير مسؤول وفقًا لأيّ من الحالات الثلاث.

ولذا حدّد المشترع هذا المبدأ المنطقيّ مؤكّدًا إمكانيّة الكلام عن المفهوم الخاص لعدم القدرة على عقد الزواج فقط عند وجود شكل واضح لشذوذ (anomalie) من شأنه، على المستوى الطبّي، أن يؤثّر على عقل الشخص وإرادته سواء في إتّخاذ القرار الزوجيّ بالإعراب رسميًّا عن التزامه به، أم في إمكانيّة السير بموجباته حتى النهاية.

ه- الوجه الخامس

ان السبب الماديّ، أي الصحيّ، المؤدي الى عدم القدرة القانونيّة، يتّصل بالحالات العديدة ما بين تلك المختصة بالأمراض النفسانيّة من أنواع الذهان (psychose)، وحالات عدم النضج بالمعنى الواسع جدًّا الموصوفة طبيًّا، وقد ذكرنا بعضها أعلاه.

تجدر الإشارة إلى أنّ عدم القدرة النفسيّة على عقد الزواج هي ذات مفهوم قانونيّ قبل أن يكون طبيًّا، وإلى أنّ كلّ حالة واقعيّة من شأنها فتح دعوى، يجب أن تتناسب مع مقياس عدم القدرة المنطقيّ.

و- الوجه السادس

تدور الحالات الثلاث لعدم القدرة للزواج حول موجبات الزواج الجوهريّة والحقوق والواجبات الخاصّة بالحالة الزوجيّة (راجع البندين 2 و 3 من القانون 818). هذه الحقوق والواجبات مأخوذة من جوهر الزواج الذّي يحدّده القانون 776 في بنده الأوّل بأنّه "شركة مدى الحياة بين رجل وامرأة"، ويحدّد غايته "بخير الزوجين وإنجاب الأولاد وتربيتهم." كما يحدّد خاصّتيّ الزواج الجوهريّتين "الوحدة وعدم الإنفصام" (البند 3). هذه كلّها يجب النظر فيها من قبل القاضي لأنّها تحدّد الحقوق والواجبات الجوهريّة المنصوص عليها في الحالتين 2 و3.

5. كيفيّة تأكيد المقياس الشخصيّ-الطبّي

يجب الإنطلاق من التوافق بين الموضوع (objet) ووسيلة البرهان مع إعتبار مبدأ القانون 1207 البند (1) القائل : إنّ "مهمّة تقديم البرهان تقع على عاتق الذي يؤكّد." يوجد وسيلتان للبرهان:

الأولى، إعادة بناء التاريخ الطبّي للشخص الذي يجب إعلان عدم أهليّته، بواسطة الوثائق الطبيّة والإستماع لمعالجيه. إنّ عدم توفّره يؤثّر سلبًا على برهان عدم القدرة. ولكن إذا كان السبب حماية الخصوصيّة الشخصيّة، فيجب إيجاد براهين أخرى.

الثانية، برهان الخبرة الذي يتوضّح به سبع نقاط:

1) مواصفات الخبرة القانونيّة التي أُجريت وطريقة الوصول إلى البرهان.

2) موضوع (objet) الخبرة والمساهمة الطبيّة بحسب المبدأ المأثور: "وجوب تصديق الخبراء الفنيّين". “Peritis in arte credendum” ولكن، يجب على الخبير التأكّد من وجود شذوذ وترجمة مفاعيله قانونيًّا.

3) ضرورة التقييم النقدي للخبرة ومعاييرها من قبل القاضي الذي هو "خبير الخبراء"، وهي:

- المعايير الخارجيّة وبخاصّة الإعداد العلميّ المختصّ، والترابط مع أنثروبولوجيه النظام القانونيّ.

- المعايير الداخليّة وبخاصّة الصحيّة المنطقيّة والميثولوجيّة بحسب القانون 1259 البند 2، والتوافق المنطقيّ مع عناصر البرهان الأخرى (ق 1259 البند 1).

4) أهميّة التطبيق الفعليّ للقانون 1259 البند 3 المختصّ بطلب إيضاحات من الخبير، من أجل تقييم صحيح للخبرة.

5) وجوب إجراء الخبرة، بإستثناء عدم فائدتها الظاهر في دعاوى عدم القدرة النفسانيّة (راجع ق 1395). وبوسع القاضي تجديدها لعدم نجاح سابقتها.

6) إجراء الخبرات على أعمال الدعوى مشروط بمحتوى هذه الأعمال.

7) تتضح مسؤوليّة محامي الوثاق في دعاوى القانون 818.

ويجب أيضًا في برهان الخبرة التأكّد من أنّ الشواذ الحاصل في الشخص قد أعاق الفهم والإختيار وتأدية أي من الحقوق والموجبات الجوهريّة في الحالة الزوجيّة. وهذا يقتضي إعادة بناء تصرّفات الشخص بإثيات عدم أهليّته، وبخاصّة انتهاكات الحقوق والواجبات في حال حصول إنتهاكات، يصبح من الصعب التأكيد أنّ الشخص لم يكن قادرًا على تقييمها، واختيارها بحريّة، وإتمامها بروح مسؤول.

6. يجب أن يدور البحث حول أمور يقتضيها القضاء ونعني الحقوق والواجبات والموجبات التي منها يبان قيام الزواج وقيامه الحسن أم لا، وعناصر أخرى من طبيعة الزواج وأهدافه كما يقتضي القانونان 776 و777 وهي :

1- إيجاد الموجبات المتعلّقة مباشرة بشركة الحياة في الزواج: العلاقات بين الأشخاص، هبة الذات، العضد المتبادل.

2- ميزة الوحدة بين الزوجين، (بين رجل وامرأة)، وواجب احترامها لعلّ الموضوع رفض إراديّ للوحدة أو غلط بمفهوم القانون 822.

3- ميزة الديمومة في ضوء الحالة الثالثة في القانون 818.

4- غاية الزواج لخير البنين : القدرة على إجراء الفعل الزوجيّ الموجّه إلى الإنجاب؛ والكفاءة على تحمّل أعباء الأولاد الماديّة والمعنويّة. تدخل هنا الحالات الثلاث الموصوفة في القانون 818.

5- غاية الزواج لخير الزوجين، لم يتوضّح بعد موضوع "خير الزوجين" في الإجتهاد القضائيّ.

* * *

ثانيًا، دور القاضي وتعاونه مع الخبراء ومحامي الوثاق

I. دور القاضي

7. في خطاب لقضاة محكمة الروتا الرومانية، تاريخ 3 شباط 1987، قال القديس البابا يوحنا بولس الثاني : "اعتبارًا لواجب القاضي الصعب في معالجة الدعاوى الدقيقة كالتي تختص بعدم الأهلية النفسية لعقد الزواج، وواضعًا نصب عينيه الطبيعة البشرية، ودعوة الإنسان، وارتباطًا بمفهوم الزواج، فإن القاضي هو خادم الحقيقة والمحبة في الكنيسة ومن أجل الكنيسة.

هو خادم الحقيقة، الذي يحمي جوهر المفهوم المسيحي للزواج، حتى وسط ثقافات وطرق عيش تسعى الى تعتيمه.

وهو خادم المحبة تجاه الجماعة الكنسية التي تحمى من فضيحة رؤية هدم قيمة الزواج المسيحي بتزايد أعداد اعلان البطلان بشكل آلي ومفرط، في حال اخفاق الزواج بحجة عدم نضج ما، او ضعف نفساني لدى الزوجين او احدهما.

وهو خادم المحبة تجاه المتداعيين اللذين، حبًا بالحقيقة، يجب نفي اعلان بطلان زواجهما. وبهذا الشكل يساعدهما اقلّه على ألا ينغشّا بشأن الأسباب الحقيقية لفشل زواجهما، ويُحميان هكذا من احتمال خطر العودة الى ذات الصعوبات في حال عقد زواج جديد كدواء لفشل الأول، من دون ان يحاولا اولاً كل الوسائل لتخطي الصعوبات المختبرة في زواجهما الصحيح.

وهو خادم المحبة تجاه الأجهزة الراعوية في الكنيسة بحيث ان رفض المحكمة الكنسية لأن تصبح طريقًا سهلًا لحلّ الزواجات الفاشلة، والأوضاع الزوجية اللاشرعية، يمنع عمليًا الكسل في تنشئة الشبيبة على الزواج. وهكذا يكون عمل القاضي في المحكمة مترابطًا مع سائر انشطة الكنيسة الراعوية، وبذلك يصبح نفي بطلان الزواج مناسبة للإنفتاح على إيجاد سبل أخرى لحلّ معطلات الزوجين فيلجاءان الى خدمة الكنيسة الخلاصيّة.

II. تعاون القاضي مع الخبراء النفسانيين

8. لا يمكن ولا يجب على القاضي ان يسائل الخبير بشأن بطلان الزواج، او يشعر بوجوب التقيّد برأي الخبير الذي يكون قد أعرب عنه. فللقاضي وحده تقييم بطلان الزواج في ضوء رأي الخبير، فيكون دور الخبير ان يقدّم العناصر المختصة بصلاحيته الخاصة اي طبيعة ودرجة الواقعات النفسانية والعقلية التي بسببها أقيمت دعوى بطلان الزواج. القانونان 1259-1260 يقتضيان صراحة من القاضي ان يقيّم وينتقد الخبرات. المهم في هذا التقييم ألاّ ينغش القاضي بأحكام سطحية، وبتعابير حيادية ظاهريًا ولكنها في الواقع تتضمّن مقدمات انتروبولوجية غير مقبولة مسيحيًا.

9. يجب ان يبقى واضحًا لرجل القانون ان مبدأ عدم القدرة فقط، وليس صعوبات منح الرضى وتحقيق شركة حياة وحب حقيقية، هو الذي يجعل الزواج باطلاً. فشل الاتحاد الزوجي ليس بحدّ ذاته برهانًا لعدم القدرة للزواج. فربما الزوجان أهملا او أخطآ استعمال الوسائل الطبيعية والفائقة الطبيعية، او لم يقبلا الحدود التي لا يمكن تجنبها، وأثقال الحياة الزوجية، سواء لكبح من طبيعة اللاوعي، او لأمراض طفيفة معنوية لا تمس جوهر الحرية الإنسانية، أو أخيرًا لتعب على المستوى المعنوي. أما عدم القدرة الحقيقية فهي فقط نوع من المرض الذي يؤثر جوهريًا على قدرة الإدراك والإرادة لدى عاقد الزواج.

ليس كل عرقلة تقتضي جهدًا، والتزامًا او تخليًا، وايضًا ليس فشل الوحدة الزوجية فعلاً، يصبح بسهولة تثبيتًا لعدم قدرة الزوجين على فهم زواجهما وتحقيقه.

يجب على القاضي ألا يؤخذ بسهولة بخبرة الخبراء الذين لا يميّزون بين الصعوبات والعراقيل في الحياة الزوجية وبين الشواذ النفساني والعقلي المؤثر على أفعال العقل والإرادة.

10. مع اعتبار ما أحرزته من تقدّم العلوم النفسانية والعقلية، يجب التنبّه الى نظرتها الأنتروبولوجية التي قد تختلف عن تلك المسيحية. فإذا كان هذا الاختلاف على مفهوم الشخص البشري والحياة والدعوة البشرية واضحًا، يصعب الحوار والتعاون بين القاضي والخبراء. لذا، ان معالجة دعاوى بطلان الزواج لقُصر نفساني او عقلي تقتضي : من جهة مساعدة الخبراء الذين يقيّمون وفقًا لصلاحيتهم طبيعة ودرجة هذا القصر في الرضى الزوجي وقدرة الشخص على تحمّل موجبات الزواج الجوهرية، ومن جهة أخرى، لا تعفي القاضي الكنسي من واجب عدم التأثر بمفاهيم انتروبولوجية غير مقبولة، تفضي به الى قبول امور تخالف حقيقة الأفعال والمفاهيم.

من الواضح اذن ان الحوار والتواصل البنّاء بين القاضي والخبير النفساني والعقلي يكونان أسهل، اذا كانت نقطة الإنطلاق في نطاق انتروبولوجية مشتركة، بحيث تبقى النظرة مفتوحة على الآخر، مع التنوّع في النهج والأهداف والمصالح.

اما اذا كان النطاق الذي يتحرك فيه الخبير النفساني او العقلي مناقضًا او مقفلاً على النطاق الذي يتحرك فيه رجل القانون فيمكن ان يصبح الحوار والتواصل مصدرًا للفوضى وسوء التفاهم. وهذا يشكل خطرًا كبيرًا على القرارات بشأن بطلان الزواج. فالحوار بين القاضي والخبير، المبني على إلتباس في نقطة الانطلاق يفضي بسهولة الى استنتاجات خاطئة ومضرة لخير الأشخاص والكنيسة.

III. تعاون القاضي مع محامي الوثاق

11. يحتاج القاضي الى التعاون مع محامي الوثاق للبحث على الحقيقة الموضوعية بشأن بطلان الزواج او عدمه في دعاوى عدم القدرة المطروحة امامه. هذا لا يعني انه يعود اليه تقييم البراهين مع او ضدّ، واعلان القرار بشأن الدعوى، بل عليه ألاّ يبني دفاعًا اصطناعيًا من دون التأكد من ان ما يدلي به ذو اساس او لا. فدور محامي الوثاق الخاص هو المساهمة في اكتشاف الحقيقة الموضوعية اذ يعرض ويفنّد كل ما يمكن ان يكون ضد البطلان بشكل عقلاني.

لهذا السبب، ولأن الزواج يختص بالخير العام في الكنيسة "وينعم بحمى القانون" (ق779)، لا يمكن الإستغناء عن دور محامي الوثاق، فغيابه عن مسار دعوى بطلان الزواج يجعل الأعمال باطلة. فلا يحق له ولا لقاضي التحقيق الحدّ من دوره في البحث والتدقيق والتوضيح لكل ما يمكن تقديمه عقلانيًا ضد بطلان الزواج، وإلا أصيبت خدمة توزيع العدالة بضررٍ كبير. ولذا، من واجبه القاطع القيام بمهمته الخاصة بكل جدّية.

في دعاوى عدم القدرة النفسية، محامي الوثاق مدعو للرجوع الدائم الى النظرة الأنتروبولوجية المسيحية لمقابلتها مع نتائج الخبرات المقدّمة.

في ضوء ما تقدم، نظرًا لخطورة دور محامي الوثاق، لا يحق له الإدلاء برأيه من دون ان يكون مدروسًا في العمق. وانه يخلّ بمسؤوليته عندما يكتفي برأي سطحي روتيني لا علاقة له بموضوع الدعوى التي بين يديه.

الخاتمة

12. نظرًا لتحويل الأكثرية الساحقة من دعاوى بطلان الزواج الى موضوع عدم القدرة المطروحة في القانون 818، بحيث اختفت تقريبًا جميع اسباب البطلان الأخرى، ونظرًا لخطورة تزايد اعداد ابطال الزيحات، الأمر الذي يهدد مستقبل العائلة المسيحية، فاننا نفكر مع السادة مطارنة الأبرشيات في إيجاد وسيلة للحدّ من هذه الخطورة. ونطلب من حضرة القضاة ومحامي الوثاق التقيّد بالتعليم القانوني والاجتهاد القضائي، بروح المسؤولية الواعية في خدمة سرّ الزواج المقدس.

على هذا الأمل اتمنى لمحاكمنا سنة قضائية مباركة، والتمس لكم جميعًا فيض النعم الإلهية."