لبنان
30 تشرين الثاني 2023, 10:30

كلمة البطريرك أفرام الثّاني في رتبة تجليس مار كريسوستوموس ميخائيل شمعون مطران أبرشيّة جبل لبنان وطرابلس

تيلي لوميار/ نورسات
"يوم تاريخيّ". هكذا وصف بطريرك السّريان الأرثوذكس مار إغناطيوس أفرام الثّاني حياة أبرشيّة جبل لبنان وطرابلس بتجليس مطرانها كريسوستوموس ميخائيل شمعون في كلمة مفعمة بكلمات المحبّة والإيمان والرّجاء، قال فيها تفصيلاً:

"‎يوم تاريخيّ في حياة هذه الأبرشيّة الّتي قد تكون فتيّة بعمرها، إذ تجدّدت سنة 1975، لكنّها بالتّأكيد أبرشيّة تمدّ جذورها بعمق تاريخ هذا البلد لأنّ السّريان كانوا موجودين في لبنان منذ القرون الأولى للمسيحيّة بالتّأكيد- في القرن الرّابع والخامس والسّادس والسّابع- واستمرّوا. جاءت فترات ضعفوا فيها عدديًّا ثمّ جاءت نكبات القرن التّاسع عشر وبداية القرن العشرين، وجدّدت الوجود السّريانيّ في هذه البلاد الطّيّبة الّتي تأخذ اسمها من لغتنا السّريانيّة، ܠܒܢܢ قلب الله.  

‎واليوم، هذه الأبرشيّة تشهد وتعيش يومًا تاريخيًّا فيه يتسلّم رعايتها أخٌ فاضلٌ وحبرٌ نبيلٌ مار كريسوستوموس ميخائيل، يتسلّم دفّة الرّعاية والقيادة في هذه الأبرشيّة في وقت عصيب يمرّ فيه بلدنا لبنان وتمرّ فيه منطقتنا. فالكلّ يشاهد على المباشر ماذا يحدث في هذه البلاد. المآسي الإنسانيّة الّتي لا يتحمّلها أيّ ضمير حيّ، الأطفال والرّضّع الّذين يُقتلون وخاصّةً في البلاد الّتي تقدّست بميلاد السّيّد المسيح وحياته وموته وقيامته، أعني فلسطين وبشكل خاصّ رأينا ما حدث في غزّة الّتي ذُبحت وقُدّمت ضحيّةً من أجل أجندات ومخطّطات لا تُقيم للإنسان أيّ مقام ولا تعطيه أيّ حقّ بل تضحّي بالإنسان لما يُسمّى Collateral damage يذهب الإنسان ضحيّة على الطّريق من أجل أن تتحقّق الأجندات السّياسيّة والأمنيّة في المنطقة. هذا الإنسان الّذي يجب أن يكون محطّة اهتمام كلّ النّاس وخاصّةً من يعمل بالشّأن العامّ من مدنيّين وعسكريّين وسياسيّين ودينيّين، ولكنّه في آخر قائمة اهتمام هذا العالم وهؤلاء النّاس.  

‎لذلك، إنّ مهمّة صاحب النّيافة المطران مار كريسوستوموس كبيرة وحمله ثقيل.  

‎في هذه الأيّام، نتمنّى أن يعمّ السّلام في منطقتنا وأن تتمدّد الهدنة وتستمرّ وتصبح وقفًا نهائيًّا لأعمال الحرب والقتل والدّمار. ونحن نعلم أنّ هذه الأمور لن تقف إلّا بإعطاء الحقّ لأصحاب الحقّ، لكي يكون أولاد هذه المنطقة كلّهم حاصلين على حقوقهم في الحياة الكريمة بالأمن بالسّلام بالأرض بالبلد بالوطن. ما دام هناك تعدٍّ وظلم لأيّ إنسان في هذا العالم لن يكون هناك سلام.  

‎واليوم كما أوصينا صاحب النّيافة، نذكّره أيضًا بأنّ مهمّته سوف تكون صعبة في هذه الظّروف الّتي، كما قلت، نتمنّى أن تتحسّن وإلّا يمتدّ سعير الحرب إلى مناطق أخرى من هذه البلاد فيتسبّب بتهجير المئات والآلاف لا بل مئات الآلاف. وطبعًا الكنيسة دائمًا جاهزة للقيام برسالتها وهي خدمة الإنسان.  

‎الكنيسة لم تُؤسّس لتخدم ذاتها، الكنيسة أُسّست لتخدم الإنسان. وكلّ كنيسة وكلّ طائفة وكلّ رعيّة تنسى هذا الموضوع تكون في الطّريق الغلط. نحن لم نُقَم رعاة وكهنة ومدبّرين لنخدم أنفسنا وأقرباءنا وأصدقاءنا بل لنخدم الإنسان، كلّ إنسان، وخاصّة المحتاجين من النّاس وهم كثيرون في هذه الأيّام.

‎نشكر الله الّذي يلهم الكثيرين في هذا العالم من أشخاص ومؤسّسات ودول تقدّم يد المساعدة من خلال كنائس المنطقة. ولكن الكنيسة بحدّ ذاتها يجب أن تكون مؤهّلة لتقديم هذه الخدمة وهذا من مسؤوليّات الرّاعي الجديد في هذه الأبرشيّة مع إخوته الأعزّاء أصحاب النّيافة مطارنتنا في لبنان وهم معًا يمثّلون كنيستنا السّريانيّة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة في هذا البلد العزيز. ومسؤوليّتهم هي أن يقوموا بخدمة ليس فقط السّريان ولكن كلّ إنسان محتاج بحسب الإمكان.

‎نصلّي من أجلكَ، سيّدنا، أن يكون الله معك أن يقودك بروحه القدّوس بالحكمة والفهم ومخافة الله والتّواضع والتّضحية وأن تستطيع أن تقف أمامه لتقدّم له الوزنات الّتي أعطاك إيّاها مضاعفةً.

‎أحبّائي، قلتُ إنّ هذا يوم تاريخيّ بل نيافة المطران كريسوتوموس هو المطران الثّاني لهذه الأبرشيّة بعد إعادة تأسيسها وأنا أقول هذا لأنّي أعلم علم اليقين أنّه كانت لنا أبرشيّات كثيرة في هذا البلد. منذ أيّام، سمعنا أنّ بعض القذائف سقطت في محيط دير سريان في الجنوب لأنّه كانت لنا هناك أبرشيّة في تلك المنطقة بقرب كفركَلَا، كان لنا هناك مطران مسؤول عن شمال فلسطين وجنوب لبنان حتّى القرون الوسطى. فإذن هي أبرشيّة متجدّدة هنا في جبل لبنان ومؤسّس هذه الأبرشيّة هو الأخ العزيز نيافة المطران مار ثاوفيلوس جورج صليبا. هو المطران المؤسّس ولقبه من اليوم سيكون المطران المؤسّس لأبرشيّة جبل لبنان.  

‎نشكر نيافته على محبّته وتعبه وخدمته الّتي لم يميّز فيها بين إنسان وآخر. خدم الجميع من كلّ الكنائس ومن كلّ الأديان. فعادة المطران جورج أن يخدم الكلّ وحتّى لو في الأمور البسيطة. فروح العطاء هي نابعة من الإيمان بالرّبّ يسوع، وبالإنجيل المقدّس الّذي يقول: "مغبوطٌ هو العطاء أكثر من الأخذ". روح العطاء، روح الكرم، روح المحبّة الموجودة في نيافة المطران جورج تعكس إيمانه وفهمه لرسالته وهو اليوم يقدّم هذه الأبرشيّة بإرادته وبمحبّته لأخ له، خلف له، لها معان كثيرة.

‎طبعًا، بحسب دستور كنيستنا، يجب أن يتقاعد المطران عندما يبلغ الـ75 من عمره، ليعطي مجالاً لجيل جديد حتّى يخدموا الكنيسة. ولقد التزم المطران جورج بهذا القرار وطلب إحالته إلى التّقاعد عندما بلغ الـ٧٥. فطلبنا منه أن يكمّل سنتَين أو ثلاث سنوات إلى أن رأينا أنّ الوقت قد أصبح مناسبًا وهو نفسه أيضًا طلب أن يصير للأبرشيّة مطران جديد.  

‎نحن اليوم، نيافة المطران جورج، نصلّي من أجلك، وباسم كلّ الموجودين والأبرشيّة وكلّ السّريان في كلّ العالم لكي يعطيك الله الصّحّة والعافية والعمر الطّويل. وعربونًا عن محبّتنا وتقديرنا لخدمتك، أحببنا أن نقدّم لك هديّة صغيرة وهي أيقونة السّيّدة العذراء، سيّدة أورشليم القدس، حتّى نتذكّر أنّ القدس هي منبع المسيحيّة وهي بوصلة الجميع.  

‎لم يستطع المطران جورج أن يرافقنا بزيارتنا التّاريخيّة إلى القدس لتجليس المطران الجديد عليها، فأحببنا أن نهديه بركة من القبر المقدّس فهي عربون محبّة وشكر وتقدير على كلّ خدماته."