كفوري في رسالة الميلاد: فلنتعلّم في هذا العيد أن نحبّ بعضنا بعضًا
"لمّا حان ملء الزّمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت النّاموس، ليفتدي الّذين تحت النّاموس لننال التّبنّي"(غلا 4:4). "لمّا حان ملء الزّمان " تعني لمّا اكتملت النّبوءات وحان الوقت المناسب حسب التّدبير الإلهيّ أرسل الله ابنه..." إنّ الله بعدما كلّم الآباء قديمًا في الأنبياء كلامًا متفرّق الأجزاء ومختلف الأنواع، كلّمنا في هذه الأيّام الأخيرة في الابن الّذي جعله وارثًا لكلّ الأشياء وبه أنشأ الدّهور..." (عبرا 1: 1).
الله كلّم الآباء في الأنبياء. تعترف الرّسالة إلى العبرانيّين أنّ أنبياء العهد القديم تكلّموا بإسم الله، أو أنّهم نقلوا كلام الله للشّعب. وهؤلاء الأنبياء هم الّذين تنبّأوا بمجيء المسيح. ومنهم: أشعياء الّذي قال "ها العذراء تحبل وتلد ابنا يدعى عمّانوئيل (الّذي تفسيره الله معنا)... وقال عن المسيح: "مثل خروف سيق إلى الذّبح، وكحمل صامت لم يفتح فاه. بتواضعه ارتفعت حكومته. أمّا جيله فمن يصفه...". هؤلاء الأنبياء هم: أشعياء، أرمياء، حزقيال، دانيال، والأنبياء الإثنا عشر الصّغار. وفي الختام نذكر إيليّا النّبيّ ويوحنّا المعمدان خاتمة الأنبياء الّذي أتى ليهيّء الشّعب لمجيء المسيح. وهو الّذي قال عن المسيح: "هوذا حمل الله الرّافع خطيئة العالم".
تتابع رسالة العبرانيّين: "كلّمنا (أيّ الله) في هذه الأيّام الأخيرة في الإبن الّذي جعله وارثًا لكلّ الأشياء وبه أنشأ الدّهور (دستور الإيمان). وهو ضياء مجده ورسم جوهره، وحامل الكلّ بكلمة قوّته. وبعدما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا جلس عن يمين الجلال في الأعالي"(عبرا 1:1).
الله كلّمنا في الإبن الّذي نقول عنه في دستور الإيمان "الّذي به كان كلّ شيء" هذا الابن "السّماويّ للآب في الجوهر" تجسّد من الرّوح القدس ومن مريم العذراء" وأخذ من مريم جسدًا بشريًّا ليتّحد بنا. "مولودًا من مرأه. مولودًا تحت النّاموس، لننال التّبنّي"(غلا4:4) هذا حصل بسبب محبّة الله لنا. الله، عندما رأى الإنسان ساقطًا وخاضعًا للخطيئة، لم يشأ أن يبقى متفرّجًا على سقوط خليقته وجبلته وخضوعه (واستعباده) للخطيئة، كما يقول بولس الرّسول. عندما رأى الله ذلك، أيّ "عندما حان ملء الزّمان. أرسل الله ابنه" هذا الأمر يذكّرنا بمثل الكرم والعمّال الوارد في الأناجيل. يقول: "إنسان غرس كرمًا وسلّمه إلى كرّامين وسافر زمانًا طويلاً. وفي الوقت أرسل إلى الكرّامين عبدًا لكي يعطوه من ثمر الكرم. فجلده الكرّامون وأرسلوه فارغًا. وهكذا فعلوا بعبدين آخرين. فقال صاحب الكرم: ماذا أفعل؟ أرسل ابني الحبيب، لعلّهم إذا رأوه يهابون. فلمّا رآه الكرّامون تأمّروا فيما بينهم قائلين: هذا هو الوارث. هلمّوا نقتله لكي يصير لنا الميراث. فأخرجوه جارج الكرم وقتلوه. يتابع. يأتي صاحب الكرم ويهلك هؤلاء الكرّامين ويعطي الكرم لآخرين". (لوقا 9:20-19).
هذا المثل ينطبق على الشّعب العبرانيّ تمامًا .الّذي أخرج يسوع "خارج المحلّة" وقتله. هؤلاء النّاس الّذين قال عنهم السّيّد المسيح إنّهم قتلة الأنبياء. فقد أرسل لهم لله (في العهد القديم) أنبياء. "فمنهم من رجموا. ومنهم من قتلوا. وآخرهم كان زخريّا النّبيّ الّذي قتلوه بين المذبح والهيكل". وفي النّهاية أرسل الله لهم ابنه الحبيب فقالوا هذا هو الوارث. هلمّ نقتله ونستولي على الميراث." وبما أنّكم أبناء أرسل الله روخ ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبا الآب. فلست بعد عبدًا، بل أنت أبن. وإذا كنت ابنًا فأنت وارث لله بيسوع المسيح.
أتى المسيح متجسّدًا ليبطل فرائص النّاموس ويزيل حائط العداوة الّذي ورفع بين الله وبين الإنسان بسبب الخطيئة. أتى المسيح ليصالح الإثنين، كما يقول بولس الرّسول، ويجعلهما واحدًا بجسده المتألّه.
في الميلاد انتقلنا من عهد النّاموس إلى عهد النّعمة. وفيه أيضًا انتقلنا من عهد العبوديّة إلى عهد الحرّيّة. يرمز العهد القديم إلى ذلك بخروج الشّعب العبرانيّ من مصر (وتخلّصه من نير العبوديّة للمصريّين أيّ لفرعون) إلى أرض الميعاد. الأرض الّتي تدرّ لبنًا وعسلاً. الأرض الّتي دعا الله إبراهيم ليسكن فيها (مع إسحق ويعقوب الوارثين لموعده) ويقيم نسلاً مباركًا الله.
في الميلاد أصبحنا أحرارًا وحصلنا على حرّيّة أبناء الله: "فلست بعد عبدًا بل أنت ابن. وإذا كنت ابنًا فأنت وارث لله بيسوع المسيح".
إذًا، في ميلاد المسيح أصبحنا أبناء لله وأصبحنا أحرارًا. المسيحيّة تقدّس الحرّيّة. لكن أيّة حرّيّة؟ "حرّيّة أبناء الله". أيّ الحرّيّة الّتي يعطيها الأب لابنه فيتصرّف الإبن بهذه الحرّيّة ضمن احترام الأب. آخذا بالاعتبار أنّ أباه يحبّه. فلا حرّيّة إذًا إلّا بالمحبّة. نحن أحرار ولكنّنا نستخدم حرّيّتنا ضمن إطار المحبّة. والمحبّ لا يمكن أن يسبّب الأذى لمحبوبه. من هنا تتركّز علاقتنا ببعضنا البعض، وبيننا وبين الآخرين على أساس الحرّيّة المرتكزة على الاحترام والمحبّة. فلا تتجاوز حرّيّتنا حدود الآخرين.
في الميلاد نتعلّم التّواضع عندما نرى ابن الله "المولود من الآب قبل كلّ الدّهور" يولد في مذود البهائم ويعيش مع الفقراء والمرضى والمساكين. لايسكن قصرًا منيفًا مثل ملوك الأرض. "ابن البشر ليس له موضع يسند إليه رأسه". هذا ما قاله يسوع عندما سئل: أين تسكن؟ في الميلاد نتعلّم التّضحية وبذل الذّات عن الآخرين. بينما هو جالس عن يمين الآب في السّماء "أخلى ذاته آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه البشر وموجودًا كبشر في الهيئة" (فيليبي5:2).
فلنتعلّم في هذا العيد أن نحبّ بعضنا بعضًا كما أحبّنا هو. وبالتّالي أن نحبّ القريب كما نحبّ أنفسنا. لن يصلح الوضع عندنا ما لم نتمّم هذه الوصايا وهذه الدّروس الّتي تعلّمناها في الميلاد. لن تصطلح الأمور ما لم يتنازل كلّ منّا عن شيء من خصوصيّته من أجل كرامة الآخر وبالتّالي من أجل حفظ كرامة الوطن.
نصلّي في هذا العيد المبارك من أجل المشرّدين وضحايا الحروب وخاصّة ضحايا "الزّلزال" الّذي هزّ بيروت في الرّابع من آب الماضي. نصلّي من أجل راحة أنفس الضّحايا ومن أجل مؤازرة الّذين فقدوا أحبّاءهم أو خسروا بيوتهم أو أصبحوا معوّقين بسبب الانفجار، سائلين الرّبّ أن يتحنّن عليهم وأن يحنّن قلوب المسؤولين ليقوموا بواجبهم الإنسانيّ والوطنيّ تجاههم.
في هذا العيد نطلب إلى لله العليّ القدير أن يعيد لنا بسلام أخوينا المطرانين بولس ويوحنّا (مطراني حلب) المخطوفين وسائر المخطوفين والمحتجزين ظلمًا، إلى بيوتهم وعائلاتهم.
نسأله في عيد ميلاده أن يحلّ السّلام في العالم وهو ملك السّلام ومخلّص نفوسنا.
المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام وفي النّاس المسرّة".