لبنان
24 أيلول 2020, 05:00

كفرعبيدا ألقت نظرة الوداع على كاهنها البارّ الخورأسقف بولس الفغالي

تيلي لوميار/ نورسات
ودّعت كنيسة مار سركيس وباخوس الرّعائيّة في كفرعبيدا الخورأسقف بولس الفغالي، في جنازة ترأّسها راعي أبرشيّة البترون المارونيّة المطران منير خيرالله، موفدًا من البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، وقد تلا بإسمه الرّقيم البطريركيّ البركة الرّسوليّة خلال الصّلاة، جاء فيها:

"البركة الرّسوليّة تشمل سيادة أخينا المطران منير خيرالله راعي أبرشيّة البترون وأبناءنا الكهنة وأشقّاء المرحوم الخورأسقف بولس طنّوس الفغالي وشقيقاته وعائلاتهم، والخوري أرمندو الخوري إبن شقيقته، وسائر ذويهم وأنسبائهم في الوطن والمهجر المحترمين.

في صباح الأحد الماضي، وهو اليوم الأميز في حياة الكاهن، أسلم عزيزكم وعزيزنا الخورأسقف بولس الفغالي روحه النّقيّة بين يدي الله، وسلّمه الوزنات الخمس مضاعفة، وقد قبلها من جودته تعالى مجّانًا كعلامةِ حبّه وثقته. فإنّا معكم نودّعه بالأسى لغيابه، وبالرّجاء لانتقاله إلى بيت الآب في السّماء حيث ينضمّ إلى مراتب الكهنة القدّيسين.

في البيت الوالديّ، بيت المرحوم طنّوس الفغالي، في بلدة كفرعبيدا العزيزة، وعلى تقاليد العائلة الغنيّة بوجوهها الأسقفيّة والكهنوتيّة والمسيحيّة، تربّى على الإيمان والقيم الأخلاقيّة، وعلى محبّة الله والكنيسة، إلى جانب ثلاثة أشقّاء وخمس شقيقات، نسج معهم أفضل علاقات الأخوّة.

خصّ الله هذه العائلة المؤمنة الكبيرة العدد باختياره ليكون كاهنًا فلبّى الدّعوة بفرحٍ والتزام، مميّزًا باجتهاده وحبّه لدعوته المقدّسة وبنجاحه في دروسه الأكاديميّة في إكليريكيّة غزير، والفلسفيّة واللّاهوتيّة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت، والجامعة اللّبنانيّة، وفي باريس. فنال شهادة الدّكتوراه في الكتاب المقدّس بعهده القديم، مضاعفة بفكر القدّيس أفرام السّريانيّ وشرحه للكتاب المقدّس. كما نال إجازات وشهادات في اللّغة الفرنسيّة وآدابها، وفي اللّغات القديمة: السّريانيّة والعبريّة واليونانيّة والآراميّة، والسّاميّة الغربيّة، والأوغاريتيّة، والعلوم الأثريّة.

كلّ هذه المعارف وضعها في خدمة التّعليم والكتابة، وتنظيم المؤتمرات. فعلّم الكتاب المقدّس في إكليريكيّة كرم سدّة، وجامعة الرّوح القدس الكسليك، ومعهد القدّيس بولس حريصا، والمعهد اللّاهوتيّ في المعادي (القاهرة)، وفي الخرطوم بالسّودان، وفي معاهد التّثقيف الدّينيّ في كلّ من البترون وأنطلياس وزغرتا وحارة صادر وطرابلس وكفيفان وبسكنتا. وعلّم في الجامعة اللّبنانيّة تاريخ الأديان واللّغات القديمة.

بدأ بترجمة الكتاب المقدّس مع أخصائيّين في إطار الرّابطة الكتابيّة العالميّة، وكتب حواشي الترجمة المشتركة الّتي أنجزتها جمعيّة الكتاب المقدّس الّتي أصبح عضوًا في هيئتها الإداريّة. كتب ونشر في أكثر من سلسلة كتابيّة ضمّت واحدًا وثمانين كتابًا بالإضافة إلى إزائيّة الأناجيل الأربعة، والمحيط الجامع في الكتاب المقدّس، وقاموس آباء الكنيسة وبدايات المسيحيّة، والعديد من المقالات في اللّغتين العربيّة والفرنسيّة. ونظّم أربعة مؤتمرات حول الكتاب المقدّس في إطار الشّرق العربيّ، والأيّام البيبليّة في لبنان، وسنة اليوبيل. كما شارك بمداخلات في العديد من المؤتمرات حول الكتاب المقدّس، وأعطى الكثير من الحوارات البيبليّة في محطّتي تيلي لوميار/ نورسات وإذاعة صوت المحبّة. ولا ننسى عظاته والرّياضات الرّوحيّة الّتي كان يحييها للكهنة والرّهبان والرّاهبات وفي الرّعايا.

أجل، لقد تمّت فيه كلمة الرّبّ لبولس في الرّؤيا، الّتي تَوّجت ورقة نعيه: "لا تخف! بل تكلّم ولا تسكت" (أعمال 18: 9).

وقبل هذه النّشاطات المذهلة، كانت له أخرى رعائيّة وكنسيّة، فخدم في رعيّة السّيّدة في بشرّي ورعيّة كفرعبيدا، وتولّى مسؤلويّة التّعليم المسيحيّ في حوالي ثلاثين مدرسة. وأسّس مركز الثّقافة الدّينيّة في البترون، وعُيِّن مرشدًا إقليميًّا للأخويّات، وانتُخب رئيسًا للرّابطة الكهنوتيّة، وأعاد إصدار المجلّة الكهنوتيّة، وشارك في تأسيس مجلّة "نور وحياة"، وفي انطلاقة "حياتنا اللّيتورجيّة، وجريدة "بيبليا"، وترأّس الرّابطة الثّقافيّة في البترون.

كلّ هذا النّشاط المتنوّع القطاعات وغير العاديّ، أخفاه المرحوم الخورأسقف بولس الفغالي تحت ثوب التّواضع والبساطة والجهوزيّة الدّائمة للعطاء، مع فرح دائم وأمانة للكهنوت وللكنيسة. وكان مفخرة لأهل بيته الذّين أحاطوه بالمحبّة والخدمة والعناية.

وقد آلمته وفاة شقيقه يوسف، وشقيقته لورنس وزوجها، لكنّه تعزّى بأسرتيهما، وبخاصّة بإبن شقيقته عزيزنا الخوري أرمندو، الذّي سار على خطّه الكهنوتيّ، وتُسند إليه اليوم مسؤوليّة نائب رئيس إكليريكيّة سيّدة لبنان في واشنطن.

بغياب الخورأسقف بولس الفغالي، تخسر الرّابطة الكهنوتيّة، وجمعيّة الكتاب المقدّس، والرّابطة الكتابيّة في الشّرق الأوسط، والإكليريكيّة البطريركيّة المارونيّة في غزير، ورابطة القدامى فيها صديقًا ومعلّمًا. ولئن كان لا بدّ أن ينهي رحلته على وجه هذه الدّنيا ككلّ حيّ، فإنّه يبقى من خلال نتاجه ومؤلّفاته ومنشوراته، معلّمًا دائمًا. ما أجمل أن يحضر أمام الله ويداه مملوءتان من ثمار تعبه والأمانة لوزناته الخمس! نرجو أن يلقى لدى رحمة الله جزاء الكهنة الأبرار والمعلّمين المخلصين.

على هذا الأمل، وإكرامًا لدفنته، وإعرابًا لكم عن عواطفنا الأبويَّة نوفد إليكم سيادة أخينا المطران منير خيرالله راعي أبرشيَّة البترون السَّامي الاحترام، ليرئس باسمنا حفلة الصَّلاة لراحة نفسه وينقل إليكم جميعًا تعازينا الحارَّة.

تقبّله المسيح الإله، الكاهن الأزليّ في عداد الكهنة الأبرار، وعوّض على الأبرشيّة والكنيسة بكهنة قدّيسين."