لبنان
02 حزيران 2019, 11:00

كاهن جديد على مذابح الرّبّ

إحتفل بطريرك السّريان الكاثوليك الأنطاكيّ مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان بالقدّاس الإلهيّ، سام خلاله الشمّاس كريم جاك كلش كاهنًا لخدمة الكرسيّ البطريركيّ في لبنان، وذلك في كنيسة مار إغناطيوس الأنطاكيّ في الكرسيّ البطريركيّ، المتحف، بيروت، بحسب "إعلام البطريركيّة".

عاون يونان في رتبة القدّاس رئيس أساقفة بغداد والنّائب البطريركيّ على البصرة والخليج العربيّ وأمين سرّ السّينودس المقدّس، مار أفرام يوسف عبّا، والنّائب العام لأبرشيّة بيروت البطريركيّة مار يوحنّا جهاد بطّاح. وشارك في هذه المناسبة لفيف من المطارنة: مار ربولا أنطوان بيلوني، ومار فلابيانوس يوسف ملكي، ورئيس أساقفة الموصل وكركوك وكوردستان، مار يوحنّا بطرس موشي، وأسقف الدّائرة البطريركيّة مار متياس شارل مراد، والمعاون البطريركيّ للأرمن الكاثوليك المطران جورج أسادوريان، والآباء الخوارنة والكهنة في أبرشيّة بيروت البطريركيّة وفي دير الشّرفة. واتّخذ الكاهن المرتسم عرّابًا لدعوته ورسامته الكهنوتيّة أمين سرّ البطريركيّة الأب حبيب مراد. كما شارك أيضًا عدد من الكهنة والشّمامسة القادمين من أبرشيّات دمشق وحمص وحلب، والرّهبان الأفراميّون، والرّاهبات الأفراميات، والطلاب الإكليريكيون، وجموع غفيرة من المؤمنين القادمين من أبرشيّة بيروت، ومن رعيّة قطنا بريف دمشق، وهي الرّعيّة الأمّ للكاهن المرتسم.

وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى يونان عظةً روحيّةً بعنوان "كما أرسلني أبي، أنا أُرسلكم أيضًا... خذوا الرّوح القدس"، وجاء فيها:

"فرحة كبيرة تغمر قلوبنا جميعًا في هذا اليوم، هي فرحة المشاركة في الذّبيحة الإلهيّة ورسامة الشمّاس كريم الذي نضع يميننا عليه ليكون كاهنًا يخدم الرّبّ يسوع والكنيسة المُقدّسة. ويشاركنا أصحاب السّيادة الأساقفة والخوارنة والكهنة والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات، وهذا العدد الكبير من المؤمنين الذين يمثّلون الكنيسة، هنا في لبنان، وفي قطنا بريف دمشق الرّعيّة السابقة للشمّاس كريم.
إجتمعنا كلّنا هنا أيُّها الأحبّاء كي نفرح مع الشمّاس كريم، وكي نصلّي من أجله وندعو له بخدمة كهنوتيّة مثمرة ومباركة. 

ما معنى أن يتقدّم شابٌّ بعمر الشمّاس كريم إلى الكهنوت في غمرة عالمٍ تتقاذفه أمواج المادّية والإلحاد، عالمٍ يتجاهل البعد الرّوحيّ للإنسان، ويغري بأهوائه الخادعة ووعوده الخلابة شباب اليوم؟
لبّى كريم نداء الرّبّ يسوع إلى الكهنوت بكامل حرّيّته، فتابع تنشئته في الإكليريكيّة وفي الجامعة. وسيم شمّاسًا (إنجيليًّا) في عيد القدّيس إسطفانوس رئيس الشّمامسة وبكر الشهداء في الثامن من كانون الثّاني الماضي. وإذ يتقدّم اليوم من سرّ الكهنوت، يعي تمامًا أنّ هذه الدّعوة هي تلبيةٌ لمشيئة الله، وهو يعرف متطلّباتها ومستعدٌّ لقبول الصّعوبات ومواجهة التّحدّيات.

فالكهنوت موهبة مميّزة من الرّبّ يسوع تطلب من الكاهن أن يكون الخادم والمقدِّس لشعب الله. الكاهن يسلّم مشيئته لمشيئة الرّبّ الذي دعاه، ويتّكل على النّعمة الإلهيّة التي تملأ نقائصه، والتي ستقوّيه لمتابعة المشوار برفقة معلّمه وصديقه الرّبّ يسوع.
 

كريم يعرف أنّ الكهنوت هو دعوة للخدمة والقداسة: أن يكون كاهنًا هو أن يلبّي دعوةً خاصةً أي مميّزةً إكتشفها كريم في داخله، إذ أوحاها له الرّبّ بطريقة لا يكنه سرّها سواه وحده. وراح كريم ينمّي هذه الدّعوة بالصّلاة والتّأمّل والاختبارات المثمرة خلال سنوات تنشئته الإكليريكيّة.
لقد عرف كريم واختبر بأنّه يلبّي دعوةً، وليس مبتغىً لوظيفةٍ استهوته، ولا إنجازًا يحقّقه طموحه البشريّ، وهو يعلم بأنّ الكهنوت حسب قلب الرّبّ، ليس الحصول على حقّ من حقوق الإنسان المدنيّة، ولا هو انتماءٌ إلى مؤسّسةٍ اجتماعيةٍ أو جمعيةٍ إنسانيةٍ أو حزبٍ سياسيّ.


"ودعا الرّبّ من أرادهم" (مرقس 3: 13): فسرّ الكهنوت دعوةٌ خاصّةٌ لمن ميّزهم وأحبّهم الرّبّ، فأرادهم هو أن يسيروا على خطاه ويكملوا عمل فدائه الذي أتمّه بآلامه وموته على الصّليب وقيامته من بين الأموات في اليوم الثّالث، كما يقول لنا مرقس البشير. هذا العمل الفدائيّ الذي كمّله الرب بحلول روحه القدوس على التّلاميذ، ونحن نعيش هذه الأيّام في غمرة عيد صعود الرّبّ إلى السّماء ومنتظرين عيد العنصرة، عيد حلول الرّوح القدس.

 
في إنجيل يوحنّا نسمع يسوع يقول: "لستم أنتم الذين اخترتموني، بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتنطلقوا وتأتوا بثمارٍ وتدوم ثماركم..." (يوحنا 15: 16). شاء يسوع وانتقى تلاميذه، فلبّوا دعوته. ونحن نعلم أنّ هذه الدّعوة ليست مجرّد رغبةٍ بشريةٍ لاعتلاء منصبٍ ما في المجتمع أو لمنفعةٍ شخصيةٍ، كما نستدلّ من طلبٍ لأحدهم جاء في إنجيل لوقا: "يا سيّد، أتبعك إلى حيث تمضي...". وكان جواب يسوع واضحًا، إذ كان عارفًا برغبة ذاك الشخص وهدفه في ابتغاء منفعة: "... ليس لابن الإنسان حجرٌ يسند إليه رأسه...!" (لوقا 9: 57).


في مسيرة حياة كريم، سيواجه تجارب وتحدّيات كبيرة، فالطّريق ليس دومًا محاطًا بالورود والأزهار، إذ أنّ طريق اتّباع يسوع قد يكون عسيرًا. هناك تجارب كثيرة تراود الكاهن اليوم، من شعور بالوحدانيّة، وضعف بشريّ، وشعور ببعض الفشل والخيبة، ومن نتاقضات في الجماعة المسيحيّة، حتّى من بين الكهنة ذاتهم. إذًا الدّعوة الكهنوتيّة ليست مشوارًا أو نزهة، لكنّها مسيرة نحو الكمال وتتميم مشيئة الرّبّ في حياة الكاهن.
 

على مثال معلّمه الإلهيّ، إلتزم كريم أن يخدم الجميع بالمحبّة الخالصة والتّواضع والوداعة. والشّمّاس كريم يدرك بأنّ دعوته الكهنوتية هي عطيّة من الرّبّ، وعليه أن يستجيب لها كلّياً برضىً تامٍّ وقرارٍ مطلق، أي بدون أيّ تحفُّظ أو شرط. وهو يعرف بأنّ هذه الدّعوة تتطلّب منه استسلامًا تامًّا لمشيئة المعلّم الإلهيّ الذي دعاه، متّكلًا على النّعمة كي يقوى على التّجارب والمصاعب التي ستعترض مسيرة حياته، ويجد في التّحدّيات فرصًا للسّموّ في هذه الدّعوة والتّفاني غير المشروط تشبُّهًا بمعلّمه، إذ يتكلّم باسمه ويعمل على نشر ملكوته، لأنه عالمٌ أنّ

المسيح هو الذي يحيا فيه، على ما يؤكّد مار بولس رسول الأمم.
الدّعوة الكهنوتيّة، هي دعوة للخدمة، وكريم بتلبيته هذه الدّعوة للكهنوت الخِدَمي، يعرف بأنّ عليه أن يبذل كلّ طاقاته وبسخاءٍ وتجرّدٍ، لكي يخدم الجماعة المؤمنة التي ستوكل إليه، أينما رأى رئيسه الكنسيّ. وليتذكّر دومًا كلام يسوع الذي جاء لا ليُخدم بل ليخدم.
وعلى مثال معلّمه، سيخدم الجميع بالمحبّة الخالصة وبتواضعٍ ووداعةٍ، ومن دون تمييز، كي يربح جميعهم للرّبّ، ويقودهم إلى الخلاص. عليه أن يستعدّ للإصغاء إلى من يحتاج إرشادًا أو نصيحةً، أن يرأف بالضّعفاء، ويقوّم بصبرٍ وحنانٍ اعوجاج مَن يبتعد عن الإيمان ومن يُحيد عن طريق الحق والمحبّة.


وبشكلٍ خاصّ عليه، وهو الكاهن الشّابّ، أن يولي الشّباب عنايةً خاصّةً، بمرافقتهم وإرشادهم وتذكيرهم بأن يظلّوا مؤمنين أنّ يسوع هو المعلّم وهو الصّديق، وأنّ لهم دورًا فاعلاً في حياة الكنيسة اليوم، فهي الأمّ التي تثق بهم، وتبثّ فيهم الرّجاء الذي يحملونه للعالم، ولغدٍ مشرق.
 

الدّعوة الكهنوتيّة هي دعوة للقداسة، وتتمّ هذه الدّعوة للقداسة بالعمل الدّؤوب على تقديس الجماعة المسيحيّة، أينما دُعي كريم لخدمتها، فقداسته نابعة وناتجة من مقدار ما يسعى لتقديس المؤمنين: بإعلان بشرى الخلاص السّارّة، أي كلام الله، وبمنحه إيّاهم الأسرار المقدّسة، وبمرافقتهم كي يتّحدوا في الفرح والرّجاء بمخلّصنا الذي فدى عروسه الكنيسة وقدّسها.
 

وكريم يعرف أنّ سرّ الكهنوت عظيم، إذ إنه يخوّله الاحتفال بسرّ القربان المقدّس، الإفخارستيا، أي الذّبيحة الإلهيّة، وفيها يتحوّل الخبز والخمر إلى جسد الفادي ودمه بكلمات الكاهن ذاته، ويصغي إلى ضعف الإخوة والأخوات من رعيّته، ويمنح الغفران للتّائبين في سرّ التوبة. هذه الموهبة العظيمة التي ينالها الكاهن توجب عليه أن ينمّيها، فهناك معاناة يوميّة، إنما يغلب الكاهنُ المعاناةَ بالظفر، وبالإتّكال على النّعمة الإلهيّة والثقة التامّة بالرب يسوع الذي، عندما نبقى متّحدين به، لسنا نحن الذين نحيا بل المسيح هو الذي يحيا فينا، بحسب مار بولس. إنّها أعظم نعمةٍ يمنحها الرّبّ للكاهن، سلطانٌ غير مدرَك وعجيب يفوق عظمة الملائكة على حدّ تعبير قدّيسنا مار أفرام السّريانيّ ملفان الكنيسة الجامعة!

 
يتقدّم كريم لاقتبال سرّ الكهنوت متّكلًا كليًّا على النّعمة الإلهيّة. لذا يحتاج إلى صلواتنا وإلى تشجيعنا وإلى طلب بركة الرّبّ وفيض عطاياه وخيراته. 

 

عظيمٌ هو الكهنوت الذي دعاك الرّبّ إليه، يا كريم! ولكنَّ عظمة دعوتك تكمن في التّواضع المثاليّ الذي ستعيشه في حياتك وفي ممارسة خدمتك، فكن سخيًّا في تجرّدك وعطائك، لأنّك عارفٌ بأنّ مكافأتك هي في السّماء.
 

نهنّئ أبونا كريم بهذه الرّسامة، ونؤكّد له على الاستمرار بالصّلاة من أجله كي يكون ذاك الكاهن الذي هو على صورة الرّبّ يسوع الرّاعي الصّالح. ونهنّئ والده ووالدته وشقيقتيه وأهله الحاضرين معنا والقادمين من رعيّته السابقة في قطنا، هذه الرعية المباركة التي زرناها منذ أشهر وفرحنا بلقاء كاهنها ومؤمنيها.
نهنّئ كنيستنا السّريانيّة برسامة كاهن جديد، ونهنّئ جميع الكهنة لأنّه أصبح لديهم كاهن وأخ جديد شابّ، هو أصغرهم سنًّا، ولكنّه يقدر أن يبثّ فيهم الحماس والغيرة على الكنيسة بحميّته وبشبابه.
نهنّئ الجميع إكليروسًا ومؤمنين، شاكرين كلّ الذين هيّأوا هذا الاحتفال من كهنة وشمامسة وجوق وكشّاف وحركات رسوليّة، طالبين من الرّبّ يسوع، بشفاعة أمّنا مريم العذراء سلطانة الرّسل وأمّ الكهنة، أن يبارك الكاهن الجديد كريم بالبركات التي يحتاجها، كي يكون مثالًا لإخوته وأخواته في الكنيسة، آمين."