سوريا
13 كانون الأول 2021, 09:45

كاتدرائيّة النّبيّ الياس- حلب احتفلت بمطرانها الجديد ببركة البطريرك يوحنّا العاشر

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفلت كاتدرائيّة النّبيّ الياس للرّوم الأرثوذكس- حلب، يوم الجمعة، بتنصيب المطران أفرام معلولي متروبوليتًا على أبرشيّة حلب والإسكندرون وتوابعهما، خلال خدمة ترأّسها البطريرك يوحنّا العاشر، بمشاركة المطارنة: جاوجيوس أبو زخم (حمص وتوابعهما)، إغناطيوس الحوشي (فرنسا وأوروبا الغربيّة)، غطّاس هزيم (بغداد والكويت وتوابعهما)، أنطونيوس الصّوريّ (زحلة وبعلبك وتوابعهما)، نقولا بعلبكي (حماه وتوابعهما) والأساقفة موسى الخوري، ديمتري شربك، غريغوريوس خوري، يوحنّا بطش وأرسانيوس دحدل ولفيف من الآباء الكهنة والشّمامسة من أبرشيّات مختلفة.

كما حضر السّفير البابويّ في سوريا الكاردينال ماريو زيناري، والمطارنة ورؤساء الكنائس المسيحيّة في حلب، وفعاليّات محلّيّة، وأعضاء المجلس الأبرشيّ، والمسؤولون عن الهيئات والفعاليّات والمؤسّسات الكنسيّة والجمعيّات الخيريّة، وحشد كبير من المؤمنين الّذين توافدوا من حلب ومن كلّ الأبرشيّات والرّعايا.

بعد تسليم البطريرك يوحنّا العاشر العصا الرّعائيّة للمطران الجديد أفرام معلولي، ألقى الأسقف المنتخب موسى الخصي كلمة ممّا جاء فيها: "إنّها سنوات معاناة طويلة قد مرّت على وطننا ومدينتنا حلب الشّهباء أتعبت البشر والحجر، ما يطرح التّساؤل عن نوعيّة المستقبل وكيف نحياه، وبالتّالي يفتقدنا الرّبّ في هذه التّعزية الإلهيّة بميلاد السّيّد المسيح الّذي ننفض من خلاله غبار الأوجاع لبناء مرحلة الشّفاء والتّعاون، لأنّها الأبرشيّة لا تعرف الاستسلام. نعم لقد حان وقت الرّاحة يا صاحب الغبطة، هذه الأبرشيّة تقطع عهدًا أمامكم وأمام راعيها الجديد وأمام سيّدنا بولس الّذي بذل جهده فيها حتّى المنتهى، تجدّد العهد وتعلن أنّها لن ترتاح إلّا بالقيامة والنّهوض كما أنّ الهدف من خدمة التّنصيب هذه هي تدشين مرحلة جديدة من السّعي والرّجاء بهمّة ومحبّة راعيها المطران أفرام معلولي".

من ثم تحدّث البطريرك يوحنّا العاشر وقال: "أيّها الأحبّة، أردت أن أكون معكم في حلب في تنصيب أخ عزيز، أيّ في تسليمه مهام رعاية أبرشيّتنا في حلب. ومن المدينة الجريحة لاختطاف راعيها، أصارحكم، أحبّتي وأقول؛ يعزّ علي ويصعب أن أضع على محراثها باسم آباء المجمع الأنطاكيّ المقدّس، يعزّ عليّ ويصعب أن أضع راعيًا بعد المطران بولس يازجي الّذي لم نتبيّن مصيره إلى السّاعة. إلّا أنّ قساوة التّاريخ لا ترحم ولم ترحمنا كمسيحيّين. ورغم ذلك، إنّ قساوة التّاريخ لن تقسّي فينا القلب الّذي كتبنا على لوحيه أمانة شهادتنا للمسيح يسوع وكتبها ويكتبها بولس، الأخ والرّاعي، بحياته الّتي يقدّمها قربانًا على مذبح حبّ المسيح، وخطّها ويخطّها العزيز المطران أفرام، كما في دمشق ههنا في حلب، محبّةً واحتضانًا كانتا في السّلف وتستمرّان في الخلف.

"إقبل أيّها الأخ هذه العصا... وتوكَّأْ عليها وتقوَّ بها روحيًّا لتتمكّن من أن تشقّ أمواج البحر المتلاطمة حول الكنيسة المقدّسة وتقودَ شعبك الجديد سالمًا من كلّ عيبٍ وشائبةٍ... تشجّع أيّها الأخُ وتقوَّ واعلم أنّك مزمعٌ أن تعطي جوابًا عن الرّعيّة أمام إلهنا ورئيسِ رعاتنا يسوع المسيح". هذه هي العصا الّتي سُلّمتها أيّها المطران العزيز أفرام. هي عصا وداعة ومحبّة ولمّ شمل. هي شعبٌ تتّكئ عليه وتتقوّى به كما يتقوّى تمامًا هو بك. هي عصا حكمة ورويّة تستمدّها من الإنجيل الّذي كان مفتوحًا على رأسك يوم رسامتك الأسقفيّة والأجدر به والمفروض، وهو كذلك على رغم ضعفاتنا البشريّة، أن يبقى مفتوحًا على رؤوسنا جميعًا وإيّاك نحن إخوتك في الأسقفيّة الواحدة والكهنوت الواحد في المسيح يسوع. "لتتمكّن أن تشقّ أمواج البحر المتلاطمة حول الكنيسة المقدّسة" وما أكثرها، ما أكثرها هذه الأمواج! فمنذ ألفي عام وأنطاكية المحبّة لسيّدها المسيح يسوع تشقّ أمواج البحر المتلاطمة حول كنيسة سيّدها وتكتب له عربون وفائها أمانةً وأصالةً وحيويّة تقليد. هذه هي العصا الّتي سُلمتها اليوم. هي عصا خدمة ومسؤوليّة. هي "الجواب الحسن" لدى منبر المسيح المرهوب، لدى منبر إلهنا ورئيس رعاتنا يسوع المسيح المزمع أن يسألك ويسألنا عنها في يوم الدّينونة.

أقول كلّ هذا وفي القلب حلب وأبناؤها من كلّ الأطياف. أقول هذا وترتسم أمامي صورة رعاة الأبرشيّة منذ خمسينيّات القرن الماضي إلى يومنا، والّذين عرفتهم بشكل من الأشكال.  

تحضر اليوم ذكرى المثلّث الرّحمة المطران الياس معوّض ابن جورة أرصون- جبل لبنان مطران حلب وبطريرك أنطاكية وسائر المشرق لاحقًا وبطريرك العرب لقبًا ناله من خلال مواقفه الكنسيّة والوطنيّة الّتي فاح عبيرها إلى أيّامنا. تحضر اليوم ذكرى المثلّث الرّحمة المطران الياس يوسف ابن بلدة السّودا الّتي تجمع بين انتمائها إداريًّا لطرطوس وانتمائها كنسيًّا لأبرشيّة اللّاذقيّة. تحضر ذكراه بصوته العذب المحفور إلى الآن بين حنايا المريميّة والّذي سعى أَن تكون كنيسة مار الياس هذه الّتي نصلّي فيها الآن. تحضر اليوم وهي حاضرةٌ أبدًا صورة الأخ الحبيب بولس ابن اللّاذقيّة الّذي تولّى هذه الأبرشيّة والّذي يقاسي إلى الآن مع أخيه يوحنّا إبراهيم مرارة الخطف الآثم، الخطف الّذي يبعث فينا جميعًا مرارة الغضب البشريّ أمام ملفٍّ يتعاجز الجميع أمامه وأمام همجيّةٍ تريد أن تجعل منّا كمسيحيّين وقودًا وسلعًا في سوق الأقلّيّات والأكثريّات الّذي ننبذه.  

وأمّا سيادة الرّاعي الجديد ابن جديدة عرطوز الدّمشقيّة فإنّ شهادتي به لمجروحةٌ مذ عرفته في دير مار جرجس الحميراء إلى يومنا هذا.

من هنا من كنيسة مار الياس، أحيّيكم يا أبناء الشّهباء. وأطلّ إطلالة المحبّة على الرّعيّة العزيزة الّتي حاولتُ ما استطعت أن أكون إلى جانبها في غياب سيّدنا بولس، حتّى جسديًّا، وذلك منذ ميلاد العام 2014 في زيارتي الأولى لها، يوم كانت المدينة تحت الحصار، وإلى يومنا هذا. واسمحوا لي ههنا أن أتوجّه بشيءٍ من التّقدير والعرفان إلى كلّ من ساهم في تخفيف المعاناة وإلى من سهر وتعب في غياب الرّاعي، عنيت بهم، الأرشمندريت موسى الخصيّ، المنتخب أسقفًا معاونًا لنا، والآباء الكهنة والأخوات الرّاهبات وكلّ الهيئات الّتي سهرت وتعبت وقوفًا إلى جانب كلّ من في ضيق.

رسالتنا اليوم الثّبات في الأرض رغم كلّ شيء. نحن لا نلوم مهاجرًا من أبنائنا ومن سواهم. لكنّنا نضع رسالتنا ومبدأنا أمام الجميع. نحن أبناء هذه الأرض. نحن أبناء هذه الأرض الّتي عبرت مخاض التّاريخ وسلّمتنا إيمان أجدادنا منقوشًا في الحجر كما في البشر. نحن أبناء هذه الأرض الّتي عانقت أقدام الرّسل والقدّيسين. نحن أبناء كنيسة أنطاكية الّتي أخرجت كنيسة الجماعة الأولى من رحم أورشليم الأرضيّة إلى المتوسّط فالعالم أجمع. نحن أبناء كنيسة أنطاكية، أبناء تلك الجبال والمغاور والمدن الحاضرات. نحن صخرٌ من هذا الشّرق الّذي تكسّرت عليه زوابع التّاريخ وأبى إلّا أن ينقل حلاوة المسيح.

لا أنسى أبدًا أن أتوجّه اليوم من ههنا بطيب السّلام إلى أهلنا في الإسكندرون وفي أنطاكية والقرى المجاورة في كلّ اللّواء، قلبِ كنيسة أنطاكية ومهدها التّاريخيّ الأوّل وقلبها النّابض بالإيمان. أنقل إليهم جميعًا سلام دمشق والكنيسة المريميّة فيها. أنقل إليهم محبّتكم جميعًا وتأكيدنا أنّهم في قلبنا دومًا وفي صلواتنا وأنّهم كانوا ويبقون وسيبقون الأمناء الأوّل على إِرثِ أنطاكية التّاريخ، أنطاكية الّتي جدلت للعالم اسم "مسيحيّين" وأرقصته نغمًا على شفاه الأجيال.

صلاتنا اليوم من أجل سلام سوريا الواحدة الموحّدة بكل شبرٍ من أراضيها وصلاتنا من أجل لبنان الّذي يقاسي كما تقاسي سوريا الضّيقة الاقتصاديّة. صلاتنا من أجل سلام هذا الشّرق ومن أجل خير وسلام العالم أجمع.

وعلى فاتحة الميلاد المجيد. أبعث إلى الجميع أطيب تحيّة ميلاديّة. فليكن ميلاد ربّ السّلام ميلادًا مجيدًا على أبناء هذا الشّرق والعالم. ميلادًا مجيدًا فيه شيء من سلام طفل المغارة ومن تهليل الملائكة الّتي رنّمت "المجد لله في العلاء وعلى الأرض السّلام وفي النّاس المسرّة".

ألا بارككم الرّبّ جميعًا وأخذ بيمينك أيّها السّيّد الكريم وحفظ حلب وأبناءها. حلب الّتي أطلقنا عليها في العام 2014 اسم "حلب الصّامدة" والّتي نسمّيها الآن "حلب النّاهضة".

كلّ عام وأنتم بخير."

في سياق متّصل، ألقيت عدد من الكلمات من بينها كلمة رؤساء الكنائس المسيحيّة في حلب ألقاها المطران يوحنّا جنبرت قال فيها: "أيّها المطران الجليل أفرام معلولي، بلغنا أنّك من روّاد العمل المسكونيّ، وأنّك على اضطلاع وعلم بالمسار المسكونيّ اللّافت في مدينتنا، وإنّ إخوانك أساقفة حلب الأحد عشر يلتقون بشكل دوريّ على مدار السّنة، لذلك ترانا ننتظرك مجتمعين، آملين أن نراك تضيف طاقاتك المشهود لها إلى طاقاتنا، لكي نحسّن معًا فعاليّة العمل الخدميّ في سبيل أبناء هذا الوطن".

أمّا الكلمة الختاميّة فتوّجها المطران الجديد أفرام معلولي بكلمات ألهبت، بحسب إعلام البطريركيّة، قلوب الحاضرين بشعلة الأمل والرّجاء مع ميلاد الأبرشيّة من جديد، فقال: "إنّ التّنصيب هو استجابة لنداء الرّبّ الّذي دعاني إلى الرّعاية، فألبسني تاج مسؤوليّة أوكلها لي صاحب الغبطة، قرّرت أن أجعل منه تاج عزّ وفخر لمدينة حلب، إنّ التّنصيب هو فرح لقاء الرّاعي برعيّته في هذا العرس الكنسيّ، لقاء القلوب الّتي ستدمع معًا وستفرح معًا.

إنّ التّنصيب هو كتاب جديد في حياتي وفي حياة هذه الأبرشيّة، في الصّفحة الأولى يكتب الله عنوانه: "أنا هو الرّاعي الصّالح، والرّاعي الصّالح يبذل نفسه عن الخراف". لهذا ستبدأ رحلتنا معًا في حلب وسيكون باب المطرانيّة مفتوحًا أمام الجميع وسأكون أنا وكهنة هذه الأبرشيّة في خدمتكم وسنعمل كلّنا معًا، إكليروسًا وشعبًا، لما فيه خير كنيستنا واعتبروني حلبيًّا مثلكم وكلّ حلبيّ سيكون قريبًا لي، بل وكلّ إنسان يودّ أن يجعل من قلبه مذبحًا للرّبّ والقريب يقدّم عليه ذاته قربان محبّة لله ولكلّ أخ له في الإنسانيّة".

هذا وقد قدّم المطران أفرام معلولي خلال تلاوة كلمته الرّسميّة صليب بركة للبطريرك يوحنّا العاشر ليرفعه بيمينه وليستمرّ بمباركة المطران أفرام وشعب أنطاكية المؤمن.

كما قدّم للمطران بولس يازجي أيقونة ستبقى موجودة في حلب الّتي لطالما أحبّها وعمل لأجلها.

وأخيرًا، قدّم لوالدته أوّل صليب قلّده إيّاه البطريرك حين صيّره أرشمندريتًا.

في ختام الصّلاة، تقبّل البطريرك يوحنّا والمطران الجديد التّهاني.

أمّا الأحد فترأّس البطريرك يوحنّا العاشر القدّاس الإلهيّ في كاتدرائيّة النّبيّ الياس- حلب لمناسبة تنصيب المتروبوليت أفرام معلولي، عاونه فيه إلى جانب راعي الأبرشيّة الجديد كلّ من المطارنة: جاورجيوس أبو زخم (حمص وتوابعهما)، إغناطيوس الحوشي (فرنسا وأوروبا الغربيّة)، غطّاس هزيم (بغداد والكويت وتوابعهما)، أنطونيوس الصّوريّ (زحلة وبعلبك وتوابعهما)، نقولا بعلبكي (حماه وتوابعهما)، والأساقفة موسى الخوري، ديمتري شربك، غريغوريوس خوري الوكيل البطريركيّ، يوحنّا بطش، وأرسانيوس دحدل والأرشمندريت اسحق بندلي مع وفد ممثّلاً المطران أثناسيوس متروبوليت ليماسول من قبرص ولفيف من الآباء الكهنة والشّمامسة من أبرشيّات مختلفة.

بعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى المطران افرام معلولي عظة روحيّة قال فيها: "للوهلة الأولى، راودتني هواجس وأفكار كيف يمكن وبهذه اللّحظة أن أفكّر وبماذا يخطر على بالي؟ نعم، يخطر على بالي النّعمة الإلهيّة الّتي أهّلتني لهذه الدّرجة الأسقفيّة، هذه النّعمة الّتي تشفي المرضى وتكمل النّاقصين، لذلك أرجو أن تكمل هذه النّعمة نواقصي لأستطيع بهذه الدّرجة الأسقفيّة أن أخدم شعب الله الموجود في أبرشيّة حلب الغالية، نعم إنّها هذه النّعمة الإلهيّة تؤهّلني للخدمة لكنّها في الوقت نفسه تضعني أمام مسؤوليّة قد أولاني إيّاها صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر الكلّيّ الطّوبى، وآباء المجمع الأنطاكيّ المقدّس، والرّهبان والرّاهبات، لذلك فإنّ المسؤوليّة الملقاة على عاتقي ليست بالمسؤوليّة السّهلة إنّما تفرض علينا أن نجتمع ونضع يدنا بيد بعض وأن نعمل للخدمة أوّلاً، خدمة ربّنا وخدمة كلّ إنسان في هذا البلد الطّيّب.

يا أخوة، نحن موجودين بمسحة إلهيّة، ويجب أن لا تغيب عنّا في الكنيسة وأن تكون ممسوحة بالخدمة الإلهيّة كي نصل إلى المسيح يسوع. نعم يجب أن نعمل كلّ شيء للمسيح يسوع فقط عندئذ سننجح مع بعضنا البعض، ونأمل أن يعطينا الرّبّ بهذه الخدمة، أن نعمل بهذا الفكر وبهذا التّصرّف، لنكون الصّورة الحسنة والجيّدة لنبقى أنطاكية لؤلؤة بفكرنا وقلبنا وأفعالنا".

في ختام القدّاس، كانت كلمة رجائيّة للبطريرك يوحنّا العاشر هنّأ فيها الأبرشيّة بمطرانها الجديد متمنّيًا له وللأبرشيّة ولحلب الشّهباء الازدهار والعطاء مؤكّدًا أنّ المطران بولس يازجي هو في القلوب والوجدان على الدّوام.

بعد القدّاس، تقبل البطريرك والمطران الجديد التّهاني في صالون الكنيسة.