قصارجي: لنواجه آلة الموت والدمار بسلاح التقوى والانخراط في الخدمة الاجتماعية
وألقى قصارجي عظةً بعنوان"أو ما تعلمون أنّنا وقد اعتمدنا جميعاً في المسيح قد اعتمدنا في موته، فدفنّا معه بالمعمودية في الموت، لنحيا حياةً جديدةً كما أقيم المسيح من الموت بمجد الآب؟"، جاء فيها:"المعمودية هي الدخول في حياة البنوة لله الآب، هي الموت مع المسيح عن إنسان الخطيئة ليحيا المرء حياة جديدة، إذ كما يموت الجميع في آدم، يحيا الجميع في المسيح" (1 كور 15/22)، لذلك، جرت العادة منذ القديم أن يتقدم الموعوظون أي المتأهبون للمعمودية من هذا السّر العظيم، عشية عيد الفصح ليتزامن موتهم عن الإنسان العتيق مع دخول ابن البشر في ظلمة القبر لينهضوا معه من أحداث الزلات الى نور الملكوت المجيد. لكن المعمودية على انواع، وقد ميّزت الكنيسة بين المعمودية الأسرارية، معمودية الماء والروح، ومعمودية الشوق أي التوق لمعرفة المسيح والاتحاد به ومعمودية الدّم التي هي استشهاد في سبيل ختن النفوس، حبا به وبمناهج الخلاص التي أرسى قوامها على أرضنا. تلك هي أنواع المعمودية الثلاثة التي نعرفها".
أضاف:"لقد حدّثنا الآباء القديسون عن معمودية أخرى، هي معمودية الدموع، أي ذرف الدموع على الخطايا السمجة التي تنمّ عن رجاسة النفس التي ابتعدت عن الله وكلمات الحياة الخارجة من فيه. ولما كان الفصح عبوراً وانتقالاً من الموت الى الحياة ومن عبودية مرة الى حرية حق، فإنّها اساسية جدّاً للمؤمن الذي أراد أن يستثمر الفداء الذي أهداه لنا الفادي الإلهي بدمه الثمين. لذلك، لا نستطيع أن نستقبل الفصح، إلا إذا عشنا نحن أيضاً، ولئن كنّا معمدين، ما اختبره الموعوظون قديماً في أثناء الشوط الصيامي. علينا، بكلمات أخرى، أن نعيش تنشئة تربوية خلال الصوم الكبير تؤهّلنا لمعمودية الدموع ليلة الفصح، فنلج مع الناهض من الرمس في اليوم الثالث، الى خدر مجده السماوي في أورشليم الجديدة، في عدن الروحية التي اليها نتوق. هذه هي رغبة الفادي الذي حطم اليوم المتاريس الدهرية للجحيم التي تنتحب لكونها أبيدت ودمرت، لأنّه"يريد أن يخلص جميع الناس ويبلغوا الى معرفة الحق"(1 تيم 2:4) التوبة تبدأ بالندامة الحقيقية وتتابع بالاعتراف بالزلات وتستكمل بالتعويض، فبنتيجة توبة زكا والتزامه التكفير عمّا اجترمه بحق الآخرين، منحه المسيح المصالحة مع الله، قائلاً: اليوم حصل الخلاص لهذا البيت" (لو 19:9)".
وتابع:"وفي مطلع الصوم الأربعيني الكبير لهذا العام، شدّد قداسة الحبر الروماني البابا فرنسيس، في رسالته الحبرية، على ضرورة اقتران زمن الصوم بمسيرة توبة حقيقية ليكتمل معنى الفصح وتتضح مفاعيله في قلب كل منّا. وهذا ما أورده قداسته تحت عنوان: الكلمة هي عطيّة، الآخر هو عطيّة: إنّ الصّوم هو الزمن المناسب لنتجدد في لقائنا بالمسيح الحيّ في كلمته والأسرار والقريب، ليرشدنا الروح القدس لنقوم بمسيرة توبة حقيقية، فنكتشف مجدّداً عطيّة كلمة الله، ونطهر من الخطيئة التي تعمينا ونخدم المسيح الحاضر في الإخوة المعوزين. اليوم هو موعد تحقيق هذه الأمور، إذ إنّ ما تمّ على الصليب ومن خلال الضريح الفارغ وما سوف يكتمل نهائيا في الحياة الأخرى، كل هذا مجتمعا هو الفصح. هذا بأسره يبدّد ظلمات النفس إذ يضرب جذور الخطيئة بمنجل سر التدبير ليجعل كلا منّا خليقة جديدة. تأوين الخلاص الذي جرى بقيامة الكلمة منتصراً على سلطان المنايا التي تجرع كؤوسها على خشبة العار، عبر عنه بأجلى بيان القديس يوحنا الذهبي الفم، في عظته الفصحية الشهيرة: لا يخافن أحد الموت، لأنّ موت المخلّص قد حرّرنا. سبى الجحيم الذي انحدر الى الجحيم. قام المسيح وانبثت الحياة. قام المسيح وليس في القبر ميت".
وأردف:"في الأوان الذي يعيش فيه اخوتنا في مصر الحبيبة وفي العراق وسوريا وفلسطين، معمودية الدم والشهادة، مشاركين المخلص آلامه، نحن مدعوون بأكثر إلحاح الى معمودية الدموع التي هي معمودية التوبة. لا نستطيع أن نقف مكتوفي الأيدي أمام ما يجري في عالم التباغض الذي نحن فيه قائمون، وكل منّا مدعوّ لأنّ يدلو بدلوه ليرطب لهيب النار والكبريت الذي يشتعل في القلوب أولاً وفي معظم أصقاع شرقنا العربي. لقد عالج الأنبياء الشر المستفحل في الكون بدواء الدعوة الى التوبة، لأنّها ترجع الإنسان الى ذاته والى الله والى القريب، فيرى في وجه جاره المتألم أيقونة الخالق تعالى. هذا الإكسير عينه لا يزال الوصفة الناجعة، لأنّه ينحدر من لدن الطبيب السماوي. الحاجة ماسة اليوم الى عودة حقيقية الى الله نرحض من خلالها ادناس رزايانا بمجاري مآقينا، فنكتشف من جديد حضور البارئ في القلب التائب، وضياءه المتجلي في شخص القريب المختلف والمعوق والمهجر والمحزون والمشرد والمريض والمسجون والمطرود والمسلوب الحقوق. نحن أمام فرصة تهدينا إياها السماء، لنمارس عمل الخير مع إخوة لنا في البشرية وضعتهم العناية الإلهية على دروبنا لغاية وحكمة تتخطى المفاهيم البشرية المحضة والحسابات المادية".
وقال:"في تأمّله بالفصح البهي، يقول لنا قديسنا المشرقي وابن أرضنا، يوحنا الدمشقي، إنّنا معيدون لإماتة الموت وتدمير الجحيم ولبدء حياة أخرى، أبدية، فلنصافح بعضنا بعضاً وليصفح بعضنا عن الآخر. الصفح هو من نتائج الفصح إذا وأحد مرادفاته وتحقيقه ممكن بنعمة الله التي تتشابك مع إرادة الإنسان الصالحة. لأجل هذا، فإنّي أسألكم أيّها الإخوة، أن تغفروا لظالميكم وتصلّوا لأجل المسيئين إليكم وأن تواجهوا آلة الموت والدمار بسلاح التقوى والانخراط في مجالات الخدمة الاجتماعية المتنوعة، وتعكفوا على ممارسة الأسرار المقدسة، ولا سيّما سري التوبة والافخارستيا، عربون الخلود".
أضاف:"إنّ أبرشية بيروت الكلدانية التي تفرح دوما بمشاركة أبنائها لها حياتها الروحية الصلاتية ومشاريعها الاجتماعية، تستقبل اليوم أكثر من أربعة آلاف عائلة عراقية كلدانية مهجرة من خلال مركزي السان ميشال الطبي الإجتماعي في سد البوشرية وسيدة الرحمة الإلهية الرعوي- الإجتماعي الذي نعمل اليوم على توسيعه من خلال تجهيز مستودع المبنى القائم فيه، والذي تصل مساحته الى أربعمئة متر مربع ليكون مكاناً لائقاً بالنشاطات الرعوية المتنوعة، كما تعمل على إضافة مئة وستين مدفناً إفرادياً في مشروع المدافن الطائفية في محلة الفنار، ناهيك عن صالة لاستقبال التعازي مع مطبخ وبيت للناطور دون أن ننسى مشروع تحسين مدرسة أم المعونة الدائمة التابعة لأبرشيتنا في منطقة البقاع الغربي، حيث ننشئ الأطفال اللاجئين".
وختم قصارجي:"صلاتنا الى الناهض من الموت، أن يبعث في أفئدتنا مشاعر التوبة الصادقة ومحبة الله والقريب ليكون صومنا مقبولاً وفصحنا عبوراً من إنسان الخطيئة الى إنسان متجدد على صورة خالقه. ألا أعاد الله على مجالس كنيستنا الكلدانية في لبنان وجمعياتها وحركاتها الرسولية، هذا العيد الفارح بالخير واليمن وفيض البركات السماوية. الله نسأل أن يكون هذا الفصح المجيد مجلبة سلام وأمان لكنيستنا الكلدانية الحبيبة التي تعتز برئاسة صاحب الغبطة عليها، أبينا مار لويس روفائيل ساكو الكلي الطوبى، محاطا بأصحاب السيادة اخوتنا الأساقفة السامي وقارهم والإكليروس الموقر من كهنة وشمامسة والطغمة الرهبانية. دعاؤنا يطال أيضاً العراق ومصر ولبنان وسوريا وفلسطين والعالم بأسره، حتى تكون بشائر القيامة علامة نهوضه من كبوته ولحد مآسيه ليشرق عليه ضياء الفجر السني، نور العيد الكبير. هذا، ونرفع ايدي الضراعة الى العلى، لنستمطر على أبناء أبرشيتنا البيروتية الحبيبة، إكليروساً وعلمانيين، فيضاً سخيّاً من نعم الحمل الفصحي الذبيح والقائم. وكل عام وأنتم بخير. المسيح قام حقّاً قام".