قصارجي: لا بدّ للبنان أن يولد وينهض لأنّه بلد التّآخي والعيش المشترك والسّلام والمحبّة
"يرتبط عيد الميلاد المجيد بحدث قدوم المجوس ليسجدوا للطّفل الإلهيّ، ويتحدّث تقليد كنيستنا الكلدانيّة عن علاقة وثيقة العرى بين أولئك القادمين من بلاد فارس وما بين النّهرين وتلامذة توما الرّسول، أعني بهم مؤلّفي كنيسة المشرق.
أجل، لقد وجد الأقدمون أنّ المجوس هم بمثابة أجدادنا، وقد أهملوا عبادة الكواكب والشّمس والنّجوم، بعد أن هدتهم نجمة مضيئة غريبة تسير سيرًا مدهشًا يفوق أجرام السّماء ضياء، إلى مذود بيت لحم.
لقد كلّم الله المجوس بلغة يفهمونها، ليطلعهم على السّرّ الخفيّ منذ الأزل، والمجهول لدى الملائكة، وها قدوم المجوس ليسجدوا لوليد الأمّ البتول، يضحي مع الوقت، شعار الكنيسة الكلدانيّة، رمز بطريركيّة بابل الكلدانيّة... وتمسي النّجمة علامة فارقة تميّز جماعتنا الكنسيّة عمّا سواها، كما ترون في أبراج هذه الكاتدرائيّة وعند بيت القربان.
حينما أبصر المجوس النّجم فرحوا فرحًا عظيمًا، ولكي نشاهد النّجم، لا بدّ أن نرفع رأسنا إلى فوق، إلى السّماء... حسب قول الرّبّ يسوع: "... إنتصبوا قائمين وارفعوا رؤوسكم لأنّ فداءكم قريب!" (لوقا 21/28).
نعيش اليوم ظروفًا مأساويّة جدًّا، على المستوى الاقتصاديّ والأمنيّ والاجتماعيّ والصّحّيّ وغلاء المعيشة... ولن تغادرنا هذه الشّدّة، إن لم نرفع عيوننا إلى السّماء على مثال المجوس، عسانا نرى نجم الميلاد المرشد إلى الفرح!
إن بقيت أبصارنا مثبتة على الحضيض، فلن نجد لنا مخرجًا من ضيقاتنا وشدائدنا، بل إذا ما شخصت أعيننا إلى العلى، فالفرح سيهطل علينا تعزيته السّريعة الّتي تبلسم قلوبنا وتلين بإكسيرها جراح نفوسنا وأجسادنا الكلمى، حسب تعبير المزمور: "رفعت عيني إلى الجبال... من حيث يأتي عوني" (المزمور 1:121)".
بعد أن قدّم المجوس الذّهب واللّبان والمرّ للمولود الجديد، أهملوا العودة إلى هيرودوس الّذي سألهم أن يعودوا إليه، ورجعوا في طريق أخرى إلى بلادهم. إن استطعنا أن نجد الفرح الحقيقيّ عند سجودنا للطّفل الإلهيّ، فعلينا أن نترك هيرودس قاتل الأطفال... أيّ قاتل الأمل بمستقبل واعد.
يتربّص بنا هيرودس من كلّ صوب، وينتظرنا عند قارعة كلّ طريق، في وضع البلد المتأزّم وفي ارتفاع الأسعار الجنونيّ وفي النّزعة إلى الهجرة وترك الوطن وفي الشّلل الحكوميّ الواضح والنّزاع الطّائفيّ المستعرّ...
هل لنا أن نهمل العودة إلى هيرودس بعد زيارتنا بيت لحم؟ هل لنا أن نعود في طريق أخرى إلى حياتنا اليوميّة كما رجع المجوس إلى بلادهم؟
ما هي هذه الطّريق الأخرى؟ هذه الطّريق الأخرى، هي الشّعور بأنّني محبوب من الله مهما قست الظّروف ومهما عظمت الضّيقات، هي فرح داخليّ ينمو في فؤادي، حينما أتخلّى عن بعض الأمور الزّائدة الثّانويّة الّتي تمنح بهجة عابرة سريعة الذّبول.
نذكر في هذا الميلاد أخوة لنا قست عليهم الحياة، نذكر الحروب العبثيّة في شرقنا الحبيب، نصلّي وإيّاكم مع طفل المغارة أن يساعد الله وطننا لينهض من كبوته. أملنا ورجاؤنا ويقيننا أنّه مهما اشتدّت الصّعاب والأزمات، لا بدّ للبنان أن يولد وينهض، لأنّه بلد التّآخي والعيش المشترك والسّلام والمحبّة.
عسى أن يكون عيد الميلاد بنجمه المضيء، بارقة أمل ورجاء وطيد يجعلنا نسجد مع المجوس للطّفل العجيب، لنعود في طريق الفرح والطّمأنينة إلى عائلاتنا ومسؤوليّاتنا وخدمتنا، ونحن مفعمون من التّعزية الّتي من العلاء منحدرة".