لبنان
11 نيسان 2022, 14:00

قصارجي: الله قادر دائمًا على استخراج الخير من الشّرّ وعلى إشعال النّور في دياجير الظّلام

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل راعي الكنيسة الكلدانيّة في لبنان المطران ميشال قصارجي، بقدّاس عيد الشّعانين في كاتدرائيّة الملاك رافائيل في بعبدا برازيليا، عاونه فيه النّائب الأسقفيّ العامّ المونسنيور رافائيل طرابلسي.

بعد الإنجيل، ألقى قصارجي عظة قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "تبدأ رواية الآلام بدخول المسيح يسوع إلى أورشليم وتنتهي بموته على الصّليب. لقد حانت ساعة عودته إلى أبيه، فأخذ يعلن جهارًا وبدون تحفظ أنه المسيح المنتظر، النبي الذي من ناصرة الجليل وابن الله الوحيد، مما أدى به إلى الموت صلبا لفداء العالم. جاء يسوع إلى بيت عنيا قبل الفصح بستّة أيّام وأقام لعازر من الموت محقّقًا بذلك صورة مسبقة للقيامة العامّة الّتي سيجريها بعد أسبوع حين ينقض جسد هيكله ويقيمه في اليوم الثّالث منتصرًا على سلطان الجحيم إلى منتهى الدّهور. قضى يسوع يوم السّبت في منزل مريم ومرتا المضياف وأجرى معجزة إنهاض أخيهما من القبر بعد أربعة أيّام من دفنه ثمّ توجّه إلى أورشليم بصحبة تلاميذه وعدد وفير من الشّعب والحجّاج ليدخل معهم قرية بيت فاجي (أيّ بيت التّين الأخضر) عند جبل الزّيتون ومنها إلى المدينة المقدّسة بمظاهر المسيح الملك بعد أن كشف هويّته كسيّد على الحياة والموت بإقامة لعازر من اللّحد معلنًا للجميع أنّه النّبيّ المنتظر من ناصرة الجليل وقبل أن يوضح لنا في الأحد القادم أنّه المسيح الكاهن الّذي قرب ذاته قربان فداء على مذبح الجلجلة وقام غالبًا جبروت المنون.

أقبل النّاس على قطع أغصان الزّيتون وسعف النّخل ومنهم من فرشوا الأرض بأثوابهم كتعبير عفويّ وصادق عن مشاعر التّكريم والتّرحيب وأخذوا يهتفون "هوشعنا! (حيوا) مبارك الآتي باسم الرّبّ!". ولمّا دخل يسوع أورشليم اضطربت المدينة وتساءل النّاس "من هذا؟" فأجابت الجموع: "هذا يسوع النّبيّ الّذي من ناصرة الجليل!" (متّى 21/9-11)  تمامًا كما اضطربت المدينة في ميلاده (متّى 2/3) ثمّ جاء المجوس مستفسرين عنه.  

إذا أردنا أن نستفسر عن يسوع، فهو الّذي يقيمنا من موت الخطيئة كما أقام لعازر، هو الّذي يريد أن يدخل قلوبنا كملك وكسيّد على حياتنا وهو الّذي يريدنا أن نشاركه ذبيحة الفداء بموتنا عن الإنسان العتيق لننهض معه أبدًا! أجل، إنّه ملكنا، يريد أن يملك على العقل والإرادة والنّفس... يريد أن يجلس على عرش قلوبنا، فهلموا للقائه ولنخلع عنّا رداء البغض والأنانيّة والحقد والخصومات ليدوسه الرّبّ وهو عابر. يقول لنا الإنجيل المقدّس إنّ الجموع هرعت لاستقبال يسوع لأنّهم قد تحقّقوا من إجرائه آية إنهاض لعازر من بين الأموات... وأنا أقول لكم إنّه مستعدّ لإنهاضكم ومستعدّ لتغيير حياتكم إن وثقتم به. تبعت الجموع يسوع  مع تلاميذه في صعوده إلى أورشليم لكنّها تخلّت عنه في قمّة هذا الصّعود، وهو ساعة بذل الذّات؛ لذلك فالدّعوة موجّهة إلينا اليوم لنتابع الصّعود معه لا إلى أورشليم فحسب بل إلى جبل الجلجلة مترفّعين عن ترّهات هذه الدّنيا ورافعين قلوبنا إلى العلاء وضمائرنا إلى فوق وشاخصين بأبصارنا إلى الملك الوحيد يشع ضياء باهرًا ومردّدين مع صاحب المزامير: "ارتفعي أيّتها الأبواب الدّهريّة وارفعوا أيّها الرّؤساء أبوابكم ليدخل ملك المجد!" (المزمور 24).

في الأسبوع الماضي، زار قداسة البابا فرنسيس جزيرة مالطا، ودخل المغارة الّتي استقبلت القدّيس بولس الرّسول قديمًا، حيث أدّت عاصفة هوجاء الى رسو سفينته على تلك الشّواطىء مدفوعة  بأخطار الغرق المحتمّ والموت الّذي لا مناص منه. إنّ تلك العاصفة المشؤومة، تسبّبت بتبشير مالطا، هاتيك الجزيرة الكاثوليكيّة المحافظة بامتياز، والّتي أعطتنا مسيحيّين حقيقيّين. أقول هذا أيّها الأحبّاء، لأذكّركم بأنّ الله قادر دائمًا على استخراج الخير من الشّرّ وعلى إشعال النّور في دياجير الظّلام... ولا بدّ أنّ تكون هذه الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة الخانقة الّتي تعصف اليوم بلبنان، على قساوتها، قبس ضياء وشعاع نور ومنعطفًا نحو مستقبل أفضل، نرجو حلوله قريبًا، مشفوعًا ببركات القيامة الخلاصيّة العتيدة، الّتي تشخص إليها أبصارنا في الأحد القادم... كيف لا وقد سخّر الله موت ابنه الوحيد ليجري الخلاص في وسط الأرض ويسحق الموت إلى الأبد، ويعلي رايات القيامة والظّفر خفّاقة ناصعة البياض.

لا ريب في أنّ الانتخابات النّيابية الّتي نتوقعّها قريبًا ستشكل مصدر فرح لجميع اللّبنانيّين، على مختلف المستويات، وإطلالة على غد أفضل، ولذا يعلّق عليها عدد من الدّول الصّديقة الآمال الواعدة... لأجل ذلك، ندعوكم إلى المشاركة في تحمّل مسؤوليّتكم الوطنيّة على الوجه الأكمل، ولاسيّما أنّ لنا مرشّحًا كلدانيًّا، في هذه الدّورة الانتخابيّة النّيابيّة، في شخص أخينا الأستاذ شمعون شمعون الّذي يعرفه القاصي والدّاني، وعلى وجه الخصوص في منطقة الأشرفيّة ومحلّة كرم الزّيتون، لا بل في أرجاء دائرة بيروت الأولى حيث أعلن ترشّحه على لائحة التّيّار الوطنيّ الحرّ... لذلك ندعوكم لكي تدعموا هذا التّرشيح والتّصويت بكثافة للسّيّد شمعون وهذا سيكون لنا وللكنيسة خير ممثّل في المقعد النّيابيّ اللّبنانيّ. نأمل خيرًا ونصلّي على نيّة جميع أبنائنا الكلدان مقيمين ومغتربين.

شاءت العناية الإلهيّة هذا العام، أن يصوم المسيحيّون والمسلمون في شهر واحد ويعبّروا سوية عن رغبة مشتركة بالتّرفّع عن الأرضيّات، على جناحي الصّوم والصّلاة، ليتقرّبوا من الله تعالى ويخدموه في صورة الإنسان، أرفع مخلوقاته. ألا وحّد الله الأفئدة ورصّ صفوف جميع اللّبنانيّين، ليقيموا العدل ويرصفوا حجارة الأخوّة والمساواة والعيش معًا، فيعيدوا إلى "درة الشّرقين" ألقه السّليب ومكانته الرّفيعة في مصاف قبائل الأرض وشعوب المسكونة.

نأمل أن تحمل زيارة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، المرتقبة إلى لبنان، في حزيران، بوادر الخير والسّلام وحلول الاستقرار الاقتصاديّ والاجتماعيّ والسّياسيّ، سائلين المولى أن يعيد علينا هذه المواسم الخلاصيّة بالخير واليمن وفيض البركات السّماويّة".

بعد ختام الصّلاة، طاف الجميع بالشّموع وغصون الزّيتون.