الفاتيكان
12 كانون الثاني 2018, 08:46

في 14 ك2/ يناير.. قدّاس في الفاتيكان على نيّة المهاجرين واللّاجئين

يحتفل البابا فرنسيس في الرّابع عشر من الجاري، عشيّة اليوم العالميّ للمهاجر واللّاجئ، عند العاشرة صباحًا بتوقيت روما، بالقدّاس الإلهيّ في بازيليك القدّيس بطرس، وفق ما نشرت "زينيت" نقلاً عن دار الصّحافة الفاتيكانيّة.

 

وكان الحبر الأٌعظم قد وجّه رسالة لمناسبة اليوم العالميّ الرّابع بعد المئة للمهاجر واللّاجئ، في آب/ أغسطس الماضي، تحت عنوان "استقبال وحماية وتعزيز ودمج المهاجرين واللّاجئين"، كتب فيها: "ليكن عندكم النّزيل المقيم فيما بينكم كابن بلدكم، تُحبُّه حبَّك لنفسك، لأنّكم كنتم نزلاء في مصر: أنا الرّبّ إلهكم" (سفر الأحبار 19، 34).

وتابع الأب الأقدس يقول: "كلّ غريب يقرع بابنا هو مناسبة لقاء بيسوع المسيح الّذي يتماهى مع الغريب الّذي نأويه أو لا نأويه في كلّ زمن (راجع متّى 25، 35. 43). إنّ الرّبّ يكل إلى محبّة الكنيسة الوالديّة كلّ كائن بشريٍّ يُجبر على ترك وطنه بحثًا عن مستقبل أفضل. وبالتّالي ينبغي على هذا الاهتمام أن يظهر بشكل ملموس في كلّ مرحلة من مراحل خبرة الهجرة: في الانطلاق والسّفر، وفي الوصول والعودة. إنّها مسؤوليّة كبيرة تريد الكنيسة أن تتقاسمها مع جميع المؤمنين والرّجال والنّساء ذوي الإرادة الصّالحة والّذين دعيوا للإجابة بسخاء على التّحديات العديدة الّتي تضعها الهجرات المعاصرة أمامهم، كلّ بحسب إمكانيّاته.

بالنّظر إلى الوضع الرّاهن، فإنّ الاستقبال يعني، قبل كلّ شيء، تقديم خيارات أوسع للمهاجرين واللّاجئين لدخول بلدان المقصد بأمان وبصورة قانونيّة. وهذا الأمر يتطلّب التزامًا ملموسا لكي يتمّ تعزيز وتبسيط عمليّة منح تأشيرات الدّخول الإنسانيّة ولمِّ شمل العائلة. ومرّة أخرى، أود أن أؤكّد على أهميّة توفير الإقامة الأوليّة الملائمة والكريمة للمهاجرين واللّاجئين. "يبدو أنّ برامج الاستقبال الأكثر انتشارًا، والّتي انطلقت في أماكن مختلفة، تسهّل لقاء شخصيًّا وتسمح بنوعيّة خدمات أفضل وتقدّم ضمانات أكبر للنّجاح". إنّ مبدأ محوريّة الشّخص البشريّ، الّذي أعلنه سلفي الحبيب بنديكتوس السّادس عشر، يجبرنا على إعطاء الأولويّة دائمًا للسّلامة الشّخصيّة على الأمن الوطنيّ. ولذلك، من الأهمّيّة بمكان تقديم تنشئة ملائمة للموظّفين المكلّفين بمراقبة الحدود.

الفعل الثّاني هو الحماية، ويمكن فهمه على أنّه سلسلة من الخطوات الرّامية إلى الدّفاع عن حقوق وكرامة المهاجرين واللّاجئين، بغضّ النّظر عن وضعهم القانونيّ؛ وهذه الحماية تبدأ في بلد المنشأ، وتقوم على تقديم معلومات أكيدة ومُثبّتة قبل المغادرة، وعلى حمايتهم من ممارسات التّوظيف غير القانونيّة. وبالتّالي إن تمّ الاعتراف بقدرات المهاجرين وطالبي اللّجوء وإمكانيّاتهم وتمّ تقييمها بشكل ملائم يمكنها عندها أن تشكّل موردًا حقيقيًّا للجماعات الّتي تستقبلهم. لذلك، واحترامًا لكرامتهم، آمل أن يُمنح المهاجرون في بلدان الوصول حرّيّة التّنقّل وفرص العمل وإمكانيّة الحصول على وسائل الاتّصال. أمّا بالنّسبة لأولئك الّذين يقرّرون العودة إلى وطنهم، أُشدّد على ضرورة تطوير برامج لإعادة الإدماج الاجتماعيّ والمهنيّ. تقدّم الاتّفاقيّة الدّوليّة لحقوق الطّفل أساسًا قانونيًّا عالميًّا لحماية المهاجرين القاصرين. إذ ينبغي إبعادهم عن أيّ شكل من أشكال الاحتجاز المتعلّق بوضعهم كمهاجرين، يجب ضمان حصولهم على التّعليم الابتدائيّ والثّانويّ بصورة منتظمة. أمّا بالنّسبة للقاصرين غير المصحوبين بذويهم والقاصرين المنفصلين عن أسرهم فمن الأهمّيّة بمكان أن تُوفَّر لهم برامج الحضانة المؤقّتة أو الوصاية. وفي احترام الحقّ العالميّ في الحصول على الجنسيّة، ينبغي الاعتراف بها وتوثيقها لجميع الأطفال عند الولادة. يمكن بسهولة تجنّب حالة انعدام الجنسيّة الّتي يمرّ بها المهاجرون واللّاجئون أحيانًا من خلال اعتماد "تشريعات خاصّة بالجنسيّة تتّفق مع المبادئ الأساسيّة للقانون الدّوليّ"؛ كما لا ينبغي لحالة الهجرة أن تمنع الأشخاص من الحصول على الرّعاية الصّحّيّة الوطنيّة وخطط المعاشات التّقاعديّة، وألّا تؤثّر أيضًا على تحويل تأميناتهم في حال عودتهم إلى أوطانهم.

أمّا التّعزيز فيعني أساسًا بذل جهد حاسم لكي يتمكّن جميع المهاجرين واللّاجئين – وكذلك الجماعات الّتي تستقبلهم – من تحقيق ذواتهم كأشخاص بجميع الأبعاد الّتي تشكّل الإنسانيّة كما أرادها الخالق. ومن بين هذه الأبعاد، يجب أن نعترف بالقيمة الحقيقيّة للبعد الدّينيّ، وأن نضمن لجميع الغرباء في أيّ بلد حرّيّة المعتقد والممارسة الدّينيّة. وبما أنّ "العمل، بحكم طبيعته، يهدف لتوحيد الشّعوب"، أشجّع على بذل جهود حثيثة لتعزيز الإدماج الاجتماعيّ والمهنيّ للمهاجرين واللّاجئين، والضّمان للجميع- بمن فيهم الّذين يلتمسون اللّجوء- إمكانيّة العمل والحصول على تنشئة لغويّة وتربية مدنيّة نشيطة بالإضافة إلى معلومات مناسبة يتمّ تقديمها بلغتهم الأمّ. عام 2006 شدّد البابا بنديكتوس السّادس عشر على أنّ الأسرة، في إطار الهجرة، هي "مكان ومورد لثقافة الحياة وعامل لإدماج القيم"؛ ولذلك ينبغي تعزيز سلامتها ودعم جمع شمل العائلة- بما في ذلك الأجداد والأحفاد والأخوّة- بدون ربط ذلك بالمتطلّبات الماليّة. كما ينبغي تأمين اهتمام ودعم أكبر للمهاجرين وطالبي اللّجوء واللّاجئين ذوي الاحتياجات الخاصّة. وإذ أدرك الجهود الجديرة بالثّناء الّتي بذلها العديد من البلدان حتّى الآن في إطار التّعاون الدّوليّ والمساعدات الإنسانيّة، أتمنّى أن تؤخذ بعين الاعتبار، خلال توزيع هذه المساعدات، (كالمساعدة الطّبّيّة والاجتماعيّة والتّعليم على سبيل المثال) احتياجات البلدان النّامية الّتي تشهد تدفّقًا كبيرًا من المهاجرين واللّاجئين؛ وآمل أن تستفيد من هذه المساعدات أيضًا الجماعات المحلّيّة الضّعيفة والّتي تعاني من الصّعوبات المادّيّة.

أمّا الفعل الأخير فهو الإدماج ويتعلّق بالاغتناء النّاتج عن تعدّد الثّقافات والّذي يولّده حضور المهاجرين واللّاجئين. ليس الإدماج "استيعابًا يقود المهاجرين إلى قمع أو نسيان هويّتهم الثّقافيّة. لأنّ العلاقة مع الآخر تؤدّي إلى اكتشاف "سرّه"، والانفتاح عليه لقبول جوانبه الإيجابيّة والمساهمة في معرفة متبادلة أفضل. إنّها عمليّة طويلة تهدف إلى تشكيل مجتمعات وثقافات، تكون، أكثر فأكثر، انعكاسًا لعطايا الله المتعدّدة الأشكال للبشر". كما أؤكِّد مجدّدًا على ضرورة تعزيز ثقافة اللّقاء بكلّ الطّرق الممكنة عن طريق زيادة فرص التّبادل الثّقافيّ، وتوثيق ونشر أعمال الإدماج، وتطوير برامج لإعداد الجماعات المحلّيّة لعمليّات الإدماج. وتماشيًا مع تقاليدها الرّاعويّة، فإنّ الكنيسة مستعدّة للالتزام بتحقيق جميع المبادرات المقترحة أعلاه. ولكن، كي تحقق النّتيجة المرجوّة، لا يمكنها أن تستغني عن مساهمة الجماعة السّياسيّة والمجتمع المدنيّ، كلّ وفقًا لمسؤوليّاته الخاصّة.

في قمّة الأمم المتّحدة الّتي عقدت في نيويورك في 29 من أيلول سبتمبر لعام 2016، أعرب قادة العالم بوضوح عن رغبتهم في اتّخاذ إجراءات حاسمة لصالح المهاجرين واللّاجئين من أجل إنقاذ حياتهم وحماية حقوقهم، وتقاسُم هذه المسؤوليّة على صعيد عالميّ. وتحقيقًا لهذه الغاية، التزمت الدّول بصياغة واعتماد اتفاقين عالميّين، قبل نهاية عام 2018، أحدهما للّاجئين والآخر للمهاجرين. أيّها الأخوة والأخوات الأعزّاء، في ضوء هذه العمليّات القائمة، تشكّل الأشهر المقبلة فرصة مميّزة لتقديم ودعم الإجراءات الملموسة الّتي وصفتُها في هذه الأفعال الأربعة. لذلك أدعوكم للاستفادة من كلّ مناسبة لمقاسمة هذه الرّسالة مع جميع الجهات الفاعلة السّياسيّة والاجتماعيّة المعنيّة في العمليّة الّتي ستؤدي إلى الموافقة على الاتّفاقيّتين العالميّتين".

وختم البابا فرنسيس رسالته بالقول: "إنّ أمّ الله قد اختبرت شخصيًّا قساوة المنفى ورافقت بمحبّة مسيرة الابن حتّى الجلجلة وهي تشاركه الآن المجد الأبديّ، لذلك نكل إلى شفاعتها الوالديّة رجاء جميع المهاجرين واللّاجئين في العالم وتطلّعات الجماعات الّتي تستقبلهم لكي، واستجابة للوصيّة الإلهيّة، نتعلّم جميعًا أن نحبّ الآخر والغريب، كأنفسنا".