في قلب النفق كاتدرائيّة ومسجد يستعدّان لاستقبال البابا فرنسيس
تمّ تعزيز رؤية التعايش هذه من خلال بناء المترو الذي أتى من بنات فكر الرئيس الإندونيسيّ جوكو ويدودو الذي يترك المنصب لخليفته، برابوو سوبيانتو، المنتخب حديثًا. أصبح هذا النفق رمزًا للتناغم، طريقًا للتبادل المستمرّ للزيارات، طريقَ الصداقة الإنسانيّة والروحيّة التي تميّز وجه المدينة والمجتمع الإندونيسيّ بأسره، الواسع والتعدّديّ.
الكاتدرائيّة هي مبنى قوطيّ جديد ارتفع، في النصف الأوّل من القرن التاسع عشر كاتدرائيّةً سمّيت، في عام 1829، "سيّدة الصعود". تمّ تكريسها من قبل النائب الرسوليّ في باتافيا (جاكرتا)، في 21 نيسان/ أبريل 1901. بعد الانتهاء من الترميم الأخير في عام 2002، تظهر الكنيسة بروعتها كلّها وهي نقطة محوريّة للحجّاج من أنحاء إندونيسيا كلّها.
في داخل الكنيسة، يشاهد المؤمنون، على يسار المذبح، تمثال "مريم، أمّ المجموعات العرقيّة جميعها"، وهي صورة تمّ رسمها في عام 2015 لإعطاء العذراء ملامح "مألوفة أكثر" لمؤمني إندونيسيا، ثمّ اعتمدها الكاردينال إغناطيوس سوهاريو، رئيس أساقفة جاكرتا، كرمز للوحدة الوطنيّة. ترتدي العذراء ثوبًا جاويًّا تقليديًّا يسمّى "كبايا"، على صدره "جارودا بانكاسيلا"، وهو الطائر الرمز التقليديّ لإندونيسيا، بينما يتزيّن رأس العذراء بحجاب أحمر وأبيض. هذان لونا العلم الإندونيسيّ ويرمزان إلى قيم الشجاعة والقداسة، وعلى التاج خريطة للبلد الذي يُعهد به إلى حماية مريم ويرحّب بالبابا فرنسيس طالبًا بركته.
يقابل الصمتَ في داخل الكاتدرائيّة صخبٌ احتفاليّ في خارجها: أطفال من مدرسة مسيحيّة بروتستانتيّة في شمال جاكرتا، برفقة الآباء والمعلّمين، يحتفلون بفرح بزيارتهم الكنيسة والمتحف المجاور، والكاتدرائيّة محطّة للحجّ المقدّس في المدينة. إلى جانبهم، يقضي أطفال رعيّة القدّيس دومينيك الكاثوليكيّة في بيكاسي (إحدى ضواحي العاصمة)، المنخرطون في حركة "الطفولة المُرسَلة"، ضمن الأعمال الرسوليّة البابويّة المحلّيّة، يومًا من الخلوة الروحيّة في مجمّع الكاتدرائية: شعارهم "الإيمان وإعطاء يسوع" للذين يلتقون بهم جميعهم.
مسجد الاستقلال هو الأكبر في جنوب شرق آسيا ويشكّل مكانًا للتواصل الاجتماعيّ والاسترخاء وهو مبنى حديث ومهيب تمّ بناؤه لإحياء ذكرى الاستقلال الإندونيسيّ ويسمّى "الاستقلال" أو "الحرّيّة".
يقضي الأطفال والشباب والنساء وكبار السنّ والعائلات بأكملها الذين يأتون للتنزّه وقتًا من الاسترخاء في المنطقة الخارجية الكبيرة للمسجد أو في فنائه الترحيبيّ الذي يوفّر، مع أروقته، مأوى صغيرًا من حرارة موسم الجفاف. ثمّ يخلع المصلّون المسلمون، كما تملي التقاليد، أحذيتهم ويدخلون قاعة الصلاة الضخمة.
في الأشهر الأخيرة، وبعد تلقّي تأكيد غير رسميّ، لم يستطع إمام المسجد احتواء فرحته، فقد قَبِل كلٌّ من الحكومة ومؤتمر الأساقفة الكاثوليك في إندونيسيا، أن يزور البابا فرنسيس المسجد، وهناك يلتقي الأب الأقدس بزعماء دينيّين من مختلف الأديان.
روح الاحترام المتبادل هذه لم تُفقد بأيّ حال من الأحوال ولا يزال من الممكن الشعور بها عندما يتحدّث المؤمنون المسلمون بفخر عن "نفق سيلاتورحمي" الذي يربط منزلهم بالكنيسة الكاثوليكيّة. "سيلاتورحمي" مصطلح يستخدمه المسلمون الإندونيسيون على وجه التحديد، يعني "نيّة تنمية علاقة إنسانيّة والحفاظ عليها".
هناك رغبة ونيّة للحفاظ على علاقات جيّدة، في "حوار الحياة" المكوّن من الممارسات الودّيّة والمبادرات البسيطة والإحسان غير المبرّر. يزرع الكاردينال إغناطيوس سوهاريو والإمام نصر الدين عمر بلطف وتعاطف هذه الرغبة والنيّة يوميًّا، ويُصار إلى التعبير عن حوار الحياة هذا، بشكل بلاستيكيّ، من خلال النفق موضوعنا، وهو قناة مفتوحة دائمًا، تسمح بتدفّق المؤمنين، في كلا الاتّجاهين، للاستمتاع بأعمال المهندس المعماريّ الإندونيسيّ سوناريو والنحّات أديتيا نوفالي. إبتكر الأخير نقوشًا بارزة تزيّن جدران مترو الأنفاق المكسوّ بالرخام: يدان تلمسان بعضهما البعض "لإعطاء فكرة عن التواضع الناتج عن داخل الروح، بحيث يشعر الجميع بالاتّصال ويكمّل الوحدة".
يُلحَظ أنْ عُلم أنّ البابا فرنسيس لن يكون قادرًا على عبور المترو، وهي فرضيّة استبعدتها السلطات لأسباب تتعلّق بالسلامة. لكنّ هذا لن يؤثّر على جوّ الفرح والحماس الملموس، سواء في الجماعة الكاثوليكيّة أو المسلمة المستعدّة لاستقبال الرجل الذي يرتدي ملابس بيضاء واحتضانه.