لبنان
08 أيلول 2020, 07:50

في عيد مولد مريم "حاضنة التّدبير الإلهيّ" "والشّاهد الأمين له" رسالة رعويّة للمتروبوليت موسي

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما للرّوم الأرثوذكس سلوان موسي، لمناسبة عيد مولد مريم العذراء والدة الإله، رسالة رعويّة كتب فيها:

"نحتفل بعيد ميلاد والدة الإله وقد اختطفتنا أحداث العالم وشجونه عن التّوقّف أمام جلالة هذا العيد الّذي "بشّر بالفرح كلّ المسكونة". فمن العذراء تأتي الخيرات على كلّ الخليقة، هذا لأنّه منها "أشرق شمسُ العدل المسيحُ إلهنا"، وهو المزمع أن "يحلَّ اللّعنة ويهب البركة، ويبطل الموت ويمنحنا الحياة الأبديّة"، كما ننشد في العيد.

لربّما نبأ مثل هذا ما عاد يهزّ القلوب المتنهّدة من الألم والضّيقات أو العقول المسمّرة على خشبة الحياة اليوميّة والتّوقّعات الجمّة. هذا يحدث لمَن لا ينتبه إلى عناية الله بالإنسان ولا يشكر عليها ولا يرتكز إليها لمداوة الواقع والنّفوس على السّواء.

لمّا كان مستودع حنّة مغلقًا، وكان حزنها وعارها كبيرَين جدًّا، كانت تضرّعاتها وصلوات يواكيم تقرع أبواب السّماء بانسحاق ورجاء. إستجاب الرّبّ في شيخوختهما لصلاتهما وأعطاهما ابنة صارت والدة الإله.

لقد اختزلت العذراء في نفسها واختزنت فيها قوّة صلاة والدَيها ورجاء الّذين سبقوهما من أجل أن يأتي خلاص الله على شعبه، بحيث فاقت مَن سبقوها ومَن يأتي في إثرها في هذا المجال، فصار الاحتفال بميلادها فرصة لننهل نحن بدورنا من نعمة الرّوح الّذي حلّ فيها، وأن تشاركنا بدورها بالفرح الّذي أشرق على كلّ المسكونة. خلوتها الطّويلة في الهيكل منذ طفولتها وحتّى سنّ بلوغها هيّأتها أن تصير مسكنًا للعليّ وأن تتحوّل صلاة طاهرةً نقيّةً، صلاة تحتضن العالم، صلاة فاعلة ومقتدرة، حاملة الفرح بالخلاص المعطى له. هي، بالفعل، حاضنة للتّدبير الإلهيّ الخلاصيّ في التّاريخ الإنسانيّ.

حضورها في التّاريخ الإنسانيّ ظاهر لعين المؤمنين وخفيّ على سواهم. شهادتها مُعلنة في القلوب الّتي تتضرّع إليها، ومرفوعة في صلوات الكنيسة، ومثبتة في حياة الآباء والقدّيسين. هذا كلّه يطبع عالمنا بختم مقدّس فيه تتحقّق صلاة رفعها يسوع مرّة من أجلنا: "لستُ أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشّرّير" (يوحنّا 17: 15)، وأخذتها العذراء على عاتقها، كما يظهر من شهادات لا تُحصى.

فإذا ما عدنا من احتفالنا بالعيد إلى العالم، عدنا إليه محمولين بهذا الواقع الإلهيّ- الإنسانيّ المستمرّ والنّابض حياة ورجاء وقوّة. نعود إليه محمولين بإرادة الله "الذي يريد أن جميع النّاس يخلصون، وإلى معرفة الحقّ يُقبِلون" (1 تيموثاوس 2: 4). ونعود إليه باطمئنان المتّكل على عناية الله المستمرّة والثّابتة، والحامل الرّجاء الّذي يعلنه عيد ميلاد والدة الإله في الكنيسة، والشّاهد المخلِّص والأمين والمثابر في خدمته.

في هذا العيد، ليس لي سوى أن أشكر شهادة شاهد أمين قائم في وسطنا، سلفي في رعاية هذه الأبرشيّة، صاحب السّيادة المتروبوليت جاورجيوس، لكون شهادة حياته نابضة بهذه المعاني وهذه الحقيقة، وقد ثبّت أبناء الكنيسة على صليب الفرح الّذي يعلنه هذا العيد. وما "خلوته" (إن صحّ أن نقارب، على هذا المنوال، لبّ حياته اليوم) وصلاته سوى المسامير الّتي يدقّها في يدَي ورجلَي مَن تمدّدوا على صليب هذا الفرح حتّى لا يُنزع منهم أبدًا (يوحنّا 16: 22).

هلّا كان العيد خلوتنا، فننفرد به عن شجون العالم الّتي تأسر عقولنا وتبرّد صلاتنا وتكسر رجاءنا، لنخرج منها إلى رحابة التّدبير الإلهيّ وعنايته، بعزم رسوليّ وغيرة ثابتة ومحبّة لا رياء فيها، خدّامًا لله وكارزين بصنائعه وعاملين بحسب مشيئته؟

ألا بارك الرّبّ جهاد كلّ منكم وسعيه في كلّ خدمة ومسؤوليّة موضوعة على عاتقه."