سوريا
02 شباط 2018, 11:30

في عيد تاج السّريان مار سويريوس الكبير.. منشور بطريركيّ

لمناسبة اليوبيل المئويّ الخامس عشر للجوء بطريرك أنطاكيا مار سويريوس الكبير إلى مصر وعيد تاج السّريان، أصدرت بطريركيّة أنطاكيا وسائر المشرق للسّريان الأرثوذكس منشورًا بطريركيًّا جاء فيه نقلاً عن موقعها الرّسميّ:

 

"نهدي البركة الرّسوليّة والأدعية الخيريّة إلى إخوتنا الأجلّاء: صاحب الغبطة مار باسيليوس توماس الأوّل مفريان الهند، وأصحاب النّيافة المطارنة الجزيل وقارهم، وحضرات أبنائنا الرّوحيّين نوّاب الأبرشيّات والخوارنة والقسوس والرّهبان والرّاهبات والشّمامسة الموقّرين والشّمّاسات الفاضلات، ولفيف أفراد شعبنا السّريانيّ الأرثوذكسيّ المكرّمين، شملتهم العناية الرّبّانيّة بشفاعة السّيّدة العذراء مريم والدة الإله ومار بطرس هامة الرّسل وسائر الشّهداء والقدّيسين، آمين.
"لئن أهربْ لأجل المسيح، لكنّ كلمتَه لم تفارق (أنطاكية)، فهي قريبةٌ إلى حيثما يرتضي ناموس الرّوح أن يمضي بها" (القدّيس البطريرك مار سويريوس الكبير، رسالة 53).
بعد تفقّد خواطركم العزيزة، نقول:
من منفاه في مصر، يخطّ القدّيس البطريرك مار سويريوس الكبير هذه الكلمات الّتي تثبّت المؤمنين وتُدخل الرّجاء إلى قلوبهم، حاذيًا بها حذوَ مار بولس رسول الأمم الّذي كتب إلى تلميذه تيموثاوس قائلًا: "وا‏ذكُرْ يَسوعَ المسيحَ الّذي قامَ مِنْ بَينِ الأمواتِ وكانَ مِنْ نَسلِ داودَ، وهِيَ البِشارَةُ الّتي أُعلِنُها وأُقاسي في سَبـيلِها الآلامَ حتى حَمَلتُ القُيودَ كالمجرِمِ. ولكِنْ كلام اللهِ غَيرُ مُقَيَّدٍ." (2 تيم 2: 8-9).
واليوم، بعد مرور ألفٍ وخمسمائة عام على هذا اللّجوء القسريّ، يطيب لنا أن نعلن العام 2018 اليوبيل المئويّ الخامس عشر للجوء القدّيس البطريرك مار سويريوس الكبير إلى مصر. وبهذه المناسبة ندعوكم للتّأمّل بسيرة هذا القدّيس العظيم، والتّشبّه به، والتّمسّك بالمعتقد الأرثوذكسيّ القويم.
وُلِد قدّيسنا في سوزوبليس من ولاية بيسيدية في حدود سنة 459، وقرأ النّحو والبيان في الإسكندريّة باليونانيّة واللّاتينيّة، ثمّ درس علمَي الفِقه والفلسفة في مدرسة الفِقه الرّومانيّ ببيروت، واعتمد في بيعة طرابلس سنة 488، واختار لنفسه طريقة الزّهد وترهّب في دير مار رومانس في بلدة مايوما بفلسطين. وبعد أن سيم قسّيسًا، أنشأ ديرًا حيث أقام أربعًا وعشرين سنة متعبّدًا لله متروّضًا في فضائل النّسك، ومنصبًّا على حرث كتاب الله ودرس تآليف اللّاهوتيّين، ومشتغلًا بتأليف الكتب دفاعًا عن المعتقد القويم. فذاعت شهرته ورحل عام 508 مع مئتَي راهب إلى القسطنطينيّة في سبيل الدّفاع عن الإيمان، ومكث فيها زهاء ثلاث سنوات حتّى سنة 511.
وبعد عَزْل فلبيانس الثّاني بطريرك أنطاكية، انتُخب مار سويريوس خلفًا له، وسيم بطريركًا في أنطاكية في 6 تشرين الثّاني سنة 512، فانبرى يلقي الخطب التّعليميّة بيانًا لحقائق الإيمان وتقويمًا للأخلاق، من دون أن يحيد عن ممارسات نسكه وزهده. وعندما تولّى يوسطينيان الأوّل– الخلقيدونيّ المذهب– الحكم سنة 518 خلفًا لأنسطاس، أثار اضطهادًا عنيفًا ضدّ الأرثوذكسيّين، فأمر بنفي جمهرة من أساقفتنا الأرثوذكسيّين، ممّا اضطرّ مار سويريوس على الخروج من أنطاكية في الخامس والعشرين من أيلول إلى سلوقيّة السّاحل؛ ومنها لجأ إلى مصر في التّاسع والعشرين من أيلول عام 518.
وبغياب راعيها الحكيم، عانت أنطاكية اضطهاداتٍ مريرةً، إذ انتهز الخلقيدونيّون فرصة نفي مار سويريوس وأقاموا عليها بطاركةً غير شرعيّين. وهكذا، بدأت سلسلة البطاركة الخلقيدونيّين.

أمّا قدّيسنا البطريرك، فظلّ يدبّر الكنيسة الأنطاكيّة من منفاه في مصر زهاء عشرين سنة. وكان يثبّت أبناءها المضطَهَدين على المعتقد القويم، ويوجّه إليهم الرّسائل معزّيًا ومشدّدًا إيّاهم. وخلال هذه الفترة، لبّى القدّيس دعوة الامبراطور يوسطينيان لمؤتمر القسطنطينيّة سنة 535، بسبب إلحاح الأخير، وقضى فيها نحو سنة ونصف. ولمّا شعر بأنّ المؤتمر هو مضيعة للوقت، عاد بمساعدة الملكة السّريانيّة ثيودورة– زوجة يوسطينيان– إلى مصر حيث وافته المنيّة في الثّامن من شباط سنة 538.
أيّها الأحبّاء، فيما نستذكر اليوم ثبات القدّيس البطريرك مار سويريوس الكبير– تاج السّريان– في الإيمان القويم، وحكمته في تدبير كنيسة أنطاكية غيابيًّا، نعترف بفضله الكبير ببقاء الكرسيّ الأنطاكيّ واستمراره إلى يومنا هذا، ونتأمّل بلجوئه إلى مصر حيث لجأ الله الكلمة المتجسّد مع أمّه مريم ويوسف هربًا من هيرودس، وننظر إلى ما يجري حولنا في بلداننا المشرقيّة العزيزة فنرى شعبنا المضطَهَد يلجأ إلى أصقاع الدّنيا هربًا من الظّلم ورفضًا لنكران الإيمان، ونتمسّك مع قدّيسنا بالرّجاء، ونكرّر ما قاله: "وإذ أنتم مضطهَدون فإنّكم تكرزون بالإنجيل بصوتٍ عالٍ؛ وإذ أنتم ساكتون، فإنّكم بسكوتكم تتكلّمون أشدّ الكلمات."
ولإحياء هذا اليوبيل بما يناسب، تنظّم دائرة الدّراسات السّريانيّة في البطريركيّة مؤتمرًا علميًّا حول القدّيس مار سويريوس الكبير في المقرّ البطريركيّ في العطشانة– لبنان بتاريخ 26-27 أيّار 2018، كما أنّ مؤتمرًا آخرًا سيُقام للمناسبة من قِبَل قسم الدّراسات السّريانيّة في جامعة سالزبورغ بالنّمسا. كذلك تُنظّم النّيابة البطريركيّة في ألمانيا لهذه المناسبة مؤتمرًا في غضون شهر تشرين الأوّل بالتّعاون مع جامعة هايدلبيرغ. وسنقوم أيضًا بالاحتفال بتقديس كنيسة مار سويريوس الكبير في المقرّ البطريركيّ الجديد بالعطشانة، بالإضافة إلى نشر الكتب الّتي تسلّط الضّوء على هذا القدّيس العظيم.
جعل اللّـه تعالى هذه الذّكرى سبب بركةٍ لكم جميعًا بشفاعة السّيّدة العذراء مريم والقدّيس البطريرك مار سويريوس الكبير، تاج السّريان، والشّهداء الأبرار والقدّيسين كافّةً، ونعمة الرّبّ تشملكم دائمًا أبدًا آمين".