لبنان
05 تموز 2021, 12:30

في عيد المطران جورج خضر، هذا ما تمنّاه الأب الياس كرم!

تيلي لوميار/ نورسات
في عيد مولد المطران جورج خضر الثّامن والتّسعين، وفي سطوره التّالية، اختار الأب الياس كرم أن يضيء على صفات الأسقف المجاهد والعاشق لله، والّذي "تخطّى حدود أبرشيّته وكنيسته، ليغدو علمًا من أعلام أنطاكية"، فكتب عنه:

"في السّادس من شهر تمّوز من العام 1923 أبصر جورج ديمتري خضر النّور في محلّة الزّاهريّة- طرابلس. في العام 1942 مسيرته النّهضويّة بدأت إثر تأسيس حركة الشّبيبة الأرثوذكسيّة مع إخوة له في الكنيسة، فهموا أنّ كنيسة الله لا يمكن أن تنهض من دون شبابها.

هذا الأسقف الجليل الّذي تربّع على كرسيّ أبرشيّة جبيل والبترون وما يليهما جبل لبنان للرّوم الأرثوذكس طوال خمسين عامًا، استطاع أن يزرع، روح النّهضة والإيمان والرّجاء والمحبّة، في قلوب أبناء هذا الجبل، ويجاهد وإيّاهم لمواجهة كلّ التّحدّيات والصّعاب الّتي عصفت في أبرشيّته، وعانت ما عانته من تهجيرٍ ونزوحٍ وتدمير، ولم يقطع، أو ينقطع، يومًا عن التّواصل والتّفاعل مع مرجعيّات هذا الجبل، لضمان العيش الواحد فيه.  

هذا الأسقف، العاشق لله، لا يمكننا أن نصنّفه في خانة الكمال، فالكمال لله، ولكنّه سعى دائمًا ليعيش حسب ما أمر به سيّده. فهم الكلمة بلاهوتها وجوهرها، وعرف أوّلًا وأخيرًا أنّ الفقراء هم سادة الكنيسة، ولذلك لم تغرّه المناصب ولا المحسوبيّات، ولم يسقط في محبّة المال. إمتلك خضر التّواضع والجرأة لكي يعترف بأخطائه، ويرجع عن قراراته، للحفاظ على وحدة الرّعايا ووحدة الأبرشيّة، وبالتّالي تبقى إنطاكيّة واحدة موحّدة.  

جورج خضر، اسم تخطّى حدود أبرشيّته وكنيسته، ليغدو علمًا من أعلام إنطاكية، كان ينتظره المسلم قبل المسيحيّ، والكاثوليكيّ قبل الأرثوذكسيّ، عند صباح كلّ يوم سبت، ليقرأوه في صحيفة "النّهار" وقبلها في لسان الحال، حيث كان يزيّل توقيعه فيها، تحت اسم "وائل الرّاوي". ولا ننسى عظاته في المناسبات الكنسيّة والوطنيّة والاجتماعيّة.

بالأمس القريب زرته في دار المطرانيّة، حيث يستريح في شيخوخته الفاضلة، بعد استعفائه من مهامه في الأبرشيّة، برعاية وعناية واهتمام كبير من خلفه، ملاك هذه الأبرشيّة المطران سلوان موسي. زرته بعد انقطاع طويل، بسبب جائحة الكورونا، لأخذ بركته، أخبرته أنّني قدّمت سلسلة حلقات عنه، عبر تيلي لوميار ونورسات، تحت عنوان: الأسقف جورج خضر "عاشق الله". فقال توًّا: "أنا تراب ولست بشيء، هو فقط (دالًّا إلى العلاء بيده) كلّ شيء".

قبل مغادرتي إيّاه، طلبت منه كلمة لأبناء الرّعايا الّتي أخدم فيها، فسألني هكذا بالمطلق، فكانت لنا بضع كلمات: "أن احفظوا الله في قلوبكم وفي عقولكم مهما حييتم".

سيّدنا جورج، في عيدك الثّامن والتّسعين، ستبقى المنارة الّتي أضاءت عتمة الكنيسة الأرثوذكسيّة الإنطاكيّة، مع أحبار كبار من أترابك، وستبقى كتاباتك البوصلة الّتي ترشدنا من نوء عواصف العالم إلى ميناء الرّبّ. جورج خضر نفتقد اليوم لكتاباتك وآرائك، وبصيرتك وتبصّرك للأمور، وتوجيهاتك وحكمتك ورحابة صدرك، وثقتك بأبنائك، ومحبّتك وانفتاحك على الآخر، دون تمييز أو استثناء.

لكن يبقى الرّجاء والأمل في راعي الأبرشيّة الحالي، سيّدنا سلوان، والّذي لم يترك مناسبة، إلّا وأشار بها إلى كلمات سيّدنا جورج وتعاليمه.  

وهنا تحضرني الذّاكرة، حيث زرت يومًا، سيّدنا جورج، شاكيًا أمرًا، وبعد أن أخذت بركته وتوجيهاته، شكرته واعتذرت منه على الإزعاج، فكان جوابه مباشرة: أنا موجود هنا، لكي أسمعكم وأساعدكم.

كنيسة أنجبت أمثال جورج خضر وأغناطيوس هزيم وبولس بندلي والياس مرقص وكوستي بندلي، مع حفظ الألقاب، وغيرهم من الكبار، لا خوف عليها، ولا خوف منها، فهي الملجأ الأمين، لأنّها كانت وستبقى مستقيمة الرّأي والعقيدة والإيمان.  

الرّجاء، كلّ الرّجاء، أن تبقى إنطاكية وكنيستنا محفوظة ببركة رعاتها الحاليّين، الّذين ورثوا كبارًا في العشق الإلهيّ. رجاؤنا في المجمّع المقدّس الحاليّ، برئاسة غبطة أبينا البطريرك يوحنّا العاشر اليازجي والسّادة مطارنة وأساقفة الكرسيّ الأنطاكيّ والكهنة والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات، وكافّة المؤمنين، الّذين ورثوا مجد إنطاكية العظمى، من كبار، أمثال جورج خضر، الّذي نرفع الدّعاء في عيده، ونصلّي ونقول: إلى سنين عديدة ومديدة يا سيّد."