لبنان
21 تموز 2025, 05:00

في عنّايا قدّاس احتفاليّ بعيد مار شربل وإطلاق لدربه برئاسة البطريرك الرّاعي وبحضور الرّئيس عون

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة عيد القدّيس شربل، ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي القدّاس الإلهيّ، عاونه فيه لفيف من المطارنة والكهنةـ بحضور رئيس الجمهوريّة اللّبنانيّة العماد جوزيف عون واللّبنانيّة الأولى السّيّدة نعمت عون، والسّفير البابويّ في لبنان المونسنيور باولو بورجيا، في كنيسة مار شربل في دير مار مارون- عنّايا، حيث أطلق مع الرّئيس عون، العمل على "درب مار شربل"، وأزاحا السّتارة عن لوحة تذكاريّة تمثّل افتتاح مسارات الحجّ على هذا الدّرب.

وقبل بداية القدّاس، ألقى رئيس الرّهبنة اللّبنانيّة المارونيّة الأباتي هادي محفوظ الكلمة التّالية:
"مار شربل هو اسم محبّب ومهاب، اسم يملأ لبنان ويتنقّل في أرجاء العالم، بكلّ عزّة، رافعًا اسم لبنان. هو اسم يُطرب الأذن، ويفترش العروق مسكنًا، جاريًا فيها، ويأخذ شكل القلب بخفقانه، لأنّ مار شربل هو من هو، رفيق وشفيع ومثال، لأنّه سرّ من أسرار اللّٰه على أرضنا. كم جميل أنّ هذا الإسم أضيف إلى درب، هي درب مار شربل، الّتي افتتحناها منذ قليل. إنّها درب سوف تكون مكانًا روحيًّا وحضاريًّا في لبنان، ورسالة من لبنان الى العالم. مار شربل هو راهب لبنانيّ مارونيّ، يطبع الفخر على جبين رهبانيّته، ويلقي على كتفيها حملَ مسؤوليّة الشّهادة لروحيّتها. في يوم عيده، نحن في دياره، هنا في عنّايا. وإنّه ليوم مميّز جدًّا، فهو العيد الأوّل الّذي يأتي فيه فخامة الرّئيس جوزيف عون رئيسًا إلى عنّايا. لذا، أودّ أن أحيّيكم، فخامة الرّئيس، وأنتم اللّبنانيّ الأوّل، ومعكم أحيّي السّيّدة الأولى وعائلتَكم الكريمة، وجميع المسؤولين في الدّولة والمقامات، والمؤمنين والمؤمنات. إنّني أوَكّد لفخامتكم صلاة الرّهبانيّة من أجلكم ووقوفها إلى جانبكم، أنتم المتميّزين بمحبّتكم للقدّيس شربل، وأنتم الّذي يعلو جبينكم علوّ أرز لبنان الشّاهق. إنّكم، يا فخامة الرّئيس، تحملون على كتفكم ثقل ما عصف بلبنان منذ عشرات السّنين وما آلت إليه الأوضاع في وطننا، ولكنّكم لا تنحنون تحتها، لكي لا ينحني الوطن، بل إنّكم تدجّنون هذا الحِمل للسّير بلبنان إلى الأمام، حيث الإزدهار وفرح الحياة. وإنّها لمسؤوليّتنا جميعًا مساندتكم في هذه المسيرة. كما أحيّي المارونيّ الأوّل صاحب الغبطة والنّيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي الكلّيّ الطّوبى، شاكرًا إيّاكم يا صاحب الغبطة على حضوركم وعلى ترؤّسكم القدّاس في يوم عيد قدّيسنا العظيم والحبيب، أنتم الشّخصيّة الكنسيّة المميّزة الّتي أظهرتم صلابة هي من صلابة جبال لبنان، وعمقًا روحيًّا هو من عمق وادي قنّوبين. كذلك، أحيّي صاحب السّيادة المطران باولو بورجيا السّفير البابويّ في لبنان، شاكرًا إيّاه على عناية كنسيّة تتّصف بنظرة ثاقبة وتدبير ابويّ وكنسيّ، وأحيّي أصحاب السّيادة الأساقفة وجميع الكهنة والرّهبان والرّاهبات. ويتميّز هذا العيد بأنّه على بعد أيّام من نهاية ولاية الأباتي طنّوس نعمة كرئيس لدير مار مارون عنّايا ضريح القدّيس شربل. لذا، ختامًا، أتوجّه أيضًا إليه كأوّل. لقد كان الأوّل في رهبانيّتنا كأب عامّ طيلة ستّ سنوات، وهو الأوّل بطيبته وحضوره وكرمه وصلاته ومحبّته للآخرين. كان الأوّل كرئيس دير مار مارون- عنّايا ضريح القدّيس شربل طيلة ثماني عشرة سنة، بشكل متقطّع، فصار في التّاريخ أوّل راهب يمكث هذا القدر من السّنين رئيسًا على هذا الدّير المبارك. ففيما أتمنّى لرئيس دير مار مارون- عنّايا الجديد، المحترم الأب ميلاد طربيه كلّ التّوفيق، أتوجّه إلى الأباتي طنّوس نعمة، المنتهية ولايته، وأنا الأب العامّ، بأصدق الشّعور البنويّ تجاهه، هو الأب الرّوحيّ. إنّه شعورٌ بنويٌّ ممزوج بالشّكر على حضور استثنائيّ في الرّهبانيّة، في كلّ مهمّة أوكلت إليه. قصدت التّوجّه إليك بهذا الشّكر العلنيّ أباتي طنّوس لأنّني أعلم أنّهم كثيرون، جدًّا، من يشاطرونني النّظرة الطّيّبة والفرحة إليك. شكرًا من القلب".

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى الرّاعي عظة بعنوان: "حينئذٍ يتلألأ الأبرار كالشّمس في ملكوت أبيهم" (متّى 43:13)، قال فيها:

"1. جميل عيد القدّيس شربل بحضوركما، وأنتما تلبّيان دعوة قدس الرّئيس العامّ الأباتي هادي محفوظ، محاطين بسيادة السّفير البابويّ وبالسّادة المطارنة الأجلّاء، والآباء المدبّرين ورئيس هذا الدّير العامر، وبأصحاب المعالي والسّعادة، وسائر المقامات المدنيّة والعسكريّة. إنّنا نصلّي معكم، فخامة الرّئيس، لكي بشفاعة القدّيس شربل، قدّيس لبنان، يسدّد الله خطاكم، ويزيدكم حكمة وفطنة وصبرًا في قيادة لبنان الّذي يمرّ بظروف دقيقة وصعبة، تستدعي الرّويّة في حلّها. وأنتم تؤمنون بذلك، ومن أجله تعملون وتصلّون. فحضوركم اليوم، فخامة الرّئيس، على رأس المصلّين ليس مجرّد زيارة شخصيّة أو خطوة وطنيّة، بل وبخاصّة فعل إيمان عميق بأنّ لبنان، رغم كلّ شيء، لا يزال قائمًا على ركيزتين: الله وقدّيسيه.

يتزامن عيد القدّيس شربل مع عيد مار الياس نبيّ الله الغيور، الّذي قاده الله في الرّسالة الّتي انتدبه لها. وهو مثال لكلّ قائد غيور متجرّد يعمل في سبيل الشّعب والخير العامّ. نلتمس شفاعته من أجل السّلام والإستقرار في بلدنا وسائر البلدان.

2. آية إنجيل اليوم: "حينئذٍ يتلألأ الأبرار كالشّمس في ملكوت أبيهم" (متّى 43:13)، تنطبق تمامًا على القدّيس شربل الّذي دخل مجد السّماء، في 24 كانون الأوّل 1898، ليلة عيد ميلاد الرّبّ يسوع المسيح على أرضنا. فيا للتّبادل العجيب: السّماء تهدي الأرض إبن الله انسانًا، والأرض تهدي السمّاء لؤلؤة من أثمن لآلئها إبنًا لله بالنّعمة، شربل مخلوف!

وكما أنّ السّيّد المسيح، بتجسّده، خبّأ طبيعته الالهيّة وراء ضعف طبيعته الإنسانيّة، كذلك شربل مخلوف استترت حياة النّعمة فيه وراء طبيعته البشريّة المتواضعة والفقيرة. كانت قداسته مستورة في بقاعكفرا ودير سيّدة ميفوق ودير مار مارون عنّايا، ودير مار قبريانوس في كفيفان، وفي محبسة القدّيسين الرّسولين بطرس وبولس على تلّة عنّايا.

3. ها نحن اليوم نلتقي في عيد هذا القدّيس الذّائع الصّيت، الّذي أصبح علامة فارقة في تاريخ القداسة في لبنان والعالم، حتّى أصبح شاغل العالم، قدّيس كلّ الأديان والطّوائف والبلدان، المتجذّر في أرض لبنان والمحلّق تحت كلّ سماء.

نحن اليوم في حضرة قدّيس من زمن الله، عاش متجذّرًا في التّراب، ومحلّقًا في الملكوت. رجلٍ صامت صمت الأسرار، ومتكلّم بقوّة المعجزات، رجلٍ لبنانيّ الجسد، وعالميّ الرّوح وسماويّ الدّعوة. إنّه شربل ناسك عنّايا، والمقيم في قلوب الشّعوب، المتعبّد لله بالصّمت، وخادم الجماهير بالشّفاعة والشّفاء.

عيد مار شربل إعلان متجدّد أنّ القداسة ممكنة، وأنّ الرّجاء لا يُطفأ، وأنّ من أرضنا المصلوبة تنبت ورود قداسة تعبق بعطر المسيح.

4. كان القدّيس شربل رجل ليتورجيا بامتياز، من القدّاس إلى القدّاس، ومن المذبح إلى المحبسة، ومن المناولة إلى الاستشهاد الصّامت. فبنذوره الرّهبانيّة الثّلاثة، الطّاعة والعفّة والفقر، قدّم ذاته بكلّيّتها لله، مستشهدًا جاعلًا نفسه تقدمة كاملة مرضيّة لدى الله. فبالطّاعة تخلّى عن إرادته ليعتنق إرادة الله. بالعفّة تخلّى عن كلّ ميل وفكر ونظرة ليملأ عينه وقلبه وعقله من نور المسيح، ويكرّس حبّه وكلّ جسده وروحه لله. بالفقر تخلّى عن كلّ خيرات الدّنيا ليغتني بالله.

كانت حياته قدّاسًا دائمًا، وصلاته تسبيحًا صامتًا، وصمته نشيدًا مرفوعًا إلى الله. في كلّ مرّة نستحضره، أو نقف أمام صورته، أو نخشع أمام ضريحه، نعلن أنّ الحياة المسيحيّة في جوهرها، تقديس للزّمن، وتكريس للذّات، واتّحاد دائم بالمسيح المصلوب والقائم. هذه هي الرّسالة المسيحيّة نعيشها تحت كلّ سماء.

فخامة الرّئيس،

5. إنّ زيارتكم التّقويّة اليوم إلى ضريح القدّيس شربل، هي بارقة رجاء بأنّ لبنان بحاجة إلى قادة على مثال القدّيس شربل ومار الياس النّبيّ، يتكلّمون قليلًا ويعملون كثيرًا. لا يسعون إلى المجد الشّخصيّ، بل إلى العمل بصمت. لبنان بحاجة إلى بصيرة القدّيس شربل وجرأة مار الياس، وقرارهما المدروس والملتزم.

في زمن يعاني فيه لبنان من اهتزازات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، يطلّ علينا مار شربل كشاهد صادق يقول لكلّ مسؤول ولكلّ مواطن: "ارجعوا إلى الله، ارجعوا إلى الأخلاق، ارجعوا إلى لبنان الحقيقيّ، ارجعوا إلى الشّجاعة الدّاخليّة والحكمة والقرار الواضح والصّحيح، ارجعوا إلى التّجرّد الشّخصيّ من أجل الخير العامّ.

6. في خضمّ الأخطار الّتي تهدّد لبنان في كيانه ووجوده من جرّاء ما يحدث فيه ومن حوله، نشهد اليوم وبكلّ أسف خلافًا وانقسامًا بين السّياسيّين حول المادّة 112 من قانون الانتخابات النّيابيّة الحاليذ. فقد عُلّقت هذه المادّة وبحقّ في انتخابات 2018 و2022 لعدم صحّتها؛ فاستحداث ستّ دوائر انتخابيّة للّبنانيين غير المقيمين مخالف لمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين المقيمين والمنتشرين، وهو مبدأ يضمنه الدّستور والنّظام الدّيموقراطيّ عندنا. إنّ حصر المنتشرين في ستّة مقاعد نيابيّة يتعارض مع مبدأ ربطهم بوطنهم وأرضهم وأهلهم ومشاركتهم في الحياة السّياسيّة اللّبنانيّة. ما نشهده في المادّة 112 هو عمليّة إقصاء يلغي حقّ المنتشرين الطّبيعيّ بالتّصويت في كلّ الدّوائر الإنتخابيّة المئة وثماني وعشرين على مساحة الوطن. إنّ اللّبنانيّين في الانتشار يتطلّعون إلى المشاركة في الإنتخابات النّيابيّة المقبلة بكلّ حرّيّة في دوائرهم الانتخابيّة حيث مكان قيدهم في لبنان. فلا بدّ من أجل حماية الوحدة الدّاخليّة من إلغاء المادّة 112 من قانون الانتخاب الحاليّ.

7.فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء لكي يجعلنا الله، على مثال القدّيس شربل، نقف وقفة ضمير جماعيّة، يعود فيها كلّ اللّبنانيّين إلى اكتشاف معنى العيش المشترك، وقيمة القداسة في حياتنا. ونسأله تعالى أن يبارك فخامة رئيس الجمهوريّة وأركان الدّولة، ويكون رفيقهم في الطّريق الصّعب، ونورًا في قراراتهم، وسندًا في مسؤوليّاتهم. فنرفع المجد والتّسبيح للآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين."

وبعد انتهاء القدّاس، تسلّم الرّئيس عون من الأباتي محفوظ هديّة تذكاريّة عبارة عن مجسّم لأرزة لبنان يحتوي على ذخائر القدّيسين اللّبنانيّين، وعلبة أخرى تتضمّن بخورًا وزيتًا مقدّسًا وشموعًا مباركة.

وأقامت الرّهبنة مأدبة غداء على شرف الرّئيس عون واللّبنانيّة الأولى والبطريرك الرّاعي، احتفالًا بذكرى القدّيس شربل وبإطلاق العمل بدرب مار شربل. وتوقّف الرّئيس عون والسّيّدة عون في محطّات من الكنيسة إلى مبنى الدّير، حيث تبادلوا أطراف الحديث مع المواطنين والتقطوا صورًا تذكاريّة معهم.
وقبل الغداء، زارت السّيّدة عون ضريح القدّيس شربل حيث تلت صلاة شخصيّة، وأضاءت شمعة.