في صربيا.. صلاة شكر وتحيّة سلام أنطاكيّة
بعد الصّلاة، رحّب البطريرك إيريناوس بالبطريرك يوحنّا العاشر "في صربيا، الأرض الّتي وُلد فيها القدّيس سابا أوّل رئيس أساقفة لصربيا، ومبشّر شعبها، أرض القدّيس لعازر الكوسوفيّ، اللّذين أعطيا شعبنا أمانة بتواضعهما وعدالتهما". وقال بحسب إعلام البطريركيّة:"بالمحبّة نستقبلكم كأخوة لنا، بأساقفة كنيسة أنطاكية ورهبانها، كهنتها وشعبها المؤمن، نرى نفس صليب الآلام، الاضطهاد، التّهجير والشّهادة، الّتي هي معروفة لشعبنا"، مؤكّدًا على أهمّيّة الاعتراف بوحدة راية كنيسة الله، والابتعاد عن كلّ ما قد يسيء إلى سمعة أيّ إنسان كي لا يقع في اللّامجهول."
من جهته، ألقى البطريرك يوحنّا العاشر كلمة قال فيها: "بسلام المسيح نوافيكم وبمسحة روحه القدّوس نمسح قلوبنا سويّة مسبّحين عزّة السّلطان الإلهيّ غير المقهور للثّالوث الأقدس.
بسلام المسيح تطلّ عليكم كنيسة أنطاكية وتعانق فيكم كلّ إخوة الإيمان في صربيا. نحيّي فيكم يا إخوتي إيمان الرّسل وأصالة المحبّة. نحيّي فيكم شذا الإنجيل وقربان التّسبيح. نحيّي فيكم اعتراف بطرس وفرح المجدليّة. نعانق فيكم أبجديّة كيرلّس ومتوديوس. نعانق فيكم مفخرة أتعاب بولس ولهفة يوحنّا. نعانق فيكم شهادة المسيح في شعب أحبّه حتّى الثّمالة. نصافح فيكم أصالة الإيمان وحفظ الوديعة. نصافح فيكم غيرة إيليّا الغيور ووداعة صيّادي الجليل. نصافح فيكم ذكرى القداسة ونحمل إليكم نفحة المسيح من الأرض ومن الشّعب الّذي تكنّى باسمه أوّلاً، من أنطاكية فجرِ المسيحيّةِ الأولى، الّتي امتسحت باسمه ومسحت الدّنيا به مسيحًا وربًّا سيّدًا للحياة والموت.
من أنطاكية الرّسل نوافيكم. من أنطاكية الّتي اتّشحت باعتراف بطرس الهامّة ومخرت عباب الدّنيا مع أسفار بولس. من أنطاكية أفرام وملاتيوس وثيوفيلوس والذّهبيّ الفمّ ومكسيموس المعترف ورومانوس المرنّم ويوحنّا الدّمشقيّ وقزما ناظم التّسابيح وغيرهم من القدّيسين والآباء. من أنطاكية الشّاهدة والشّهيدة الّتي حملت مع بطرس وبولس إنجيل المسيح وغرسته في أقاصي المسكونة. من أنطاكية قطبِ المسيحيّة الشّرقيّة وعاصمة الشّرق الرّومانيّ الّتي جعلت من إنجيل المسيح عاصمة قلبها وقطب اهتمامها. من أنطاكية الّتي لم تصبغها هالةُ مجد أرضيّ بقدر ما صبغها يسوع المسيح فصبغت العالم بقوّة الإيمان ومشحت الدّنيا بإنجيل المحبّة والخلاص إكسير شفاء في كلّ زمان ومكان.
نوافيكم اليوم في زيارة سلاميّة هي الأولى لبطريرك أنطاكية في الألفيّة الثّالثة وذلك بعد زيارة تاريخيّة قام بها سلفنا المثلّث الرّحمة البطريرك ثيودوسيوس السّادس سنة 1959 للمثلّث الرّحمة البطريرك جرمانوس. وتأتي زيارتنا اليوم لتؤكّد عمق العلاقة الرّوحيّة والأخويّة بين كنيستينا رغم كلّ المحن والصّعوبات الّتي ألمّت وتلمّ ببلادنا وشعبينا والّتي تتلاشى بقوّة ربّنا يسوع المسيح. نوافيكم ونذكر دومًا بلادكم وأرضكم الّتي أعطت القدّيسين ومنهم القدّيس سابا الكبير شفيع هذه الكنيسة المقدّسة. نذكر صربيا بإيمانها الأصيل وبقدّيسيها. نذكر فيها أندرونيكوس الرّسول ويوحنّا فلاديمير وغيرهم الكثير ونذكر أيضًا نيس الّتي سمّيت مدينة الشّهداء ونذكر فيها تلك القداسة المتجذّرة في أصالة الإيمان والّتي انجلت محافل قدّيسين منذ فجر المسيحيّة. نذكرها صربيا بشعبها الأصيل وكنيستها الحيّة الّتي لم تنل منها موجة الإلحاد لا بل شدتها ارتباطًا بجذور التّاريخ المسيحيّ. نذكر أيضًا الصّعاب والحروب الّتي واجهت صربيا في غروب الألفيّة الثّانيّة ونذكر أيضًا الدّعوات والصّلوات الحارّة في حينها من جانب إخوتكم في كنيسة أنطاكية ومواقف بطريركها سلفنا إغناطيوس الرّابع ومجمعها المقدّس ممّا جرى حينها ويجري من استخدام للدّين والتّفرقة الدّينيّة العرقيّة وتعتيمٍ إعلاميّ على جوانب وإضاءة على أخرى واستهدافٍ للمسيحيّة الّتي كانت ولا تزال من صلب هويّة أوروبا ومن كنه كينونة الشّرق الأوسط وغيرها من الأصقاع. ونقدّر أيضًا تضامنكم معنا وصلواتكم من أجلنا ووقوفكم إلى جانبنا خلال المحن الحاضرة الّتي استنزفت شعبنا وكنيستنا وأرضنا.
صاحب الغبطة،
أيّها الإخوة،
كنيسة أنطاكية تجرّعت مؤخّرًا، وإلى اللّحظة الحاضرة، ذات الكأس الّذي تجرعتم منه هنا في صربيا الحبيبة. وأنطاكية المسيحيّة كانت ولاتزال لسان حال الشّرق بأفراحه وأتراحه. وهي بالأحرى سفيرة قلب الإنسان الجريح إلى أسماع الدّنيا وشراع صلاة القلب الكسير إلى عتبات ربّ الصّليب وسيّد القيامة. قد تدور عجلة الزّمن عليها نكبات ونكبات، إلّا أنّ رجاءها دومًا بالرّبّ القائم وثباتها في الشّرق جزء لا يتجزّأ من هويّتها المسيحيّة وشهادتها الأصيلة ليسوع المسيح في الأرض الّتي لامستها قدماه وأقدام رسله وقدّيسيه. ونحن كمسيحيّين أنطاكيّين باقون في أرضنا مهما كلح وجه الزّمن أو انقلب أفراحًا أو أتراحًا. نحن توأم هذا الشّرق. نحن من فجر مسيحيّته ننبثق، وبحاضره نُجبل ونُعجن وإلى غده المشرق نصبو. فمنذ مطلع هذا العقد والعنف والإرهاب يضرب في سوريا وفِي غيرها من دول الجوار وإنسان هذا المشرق من كلّ الأطياف يدفع من دمه واستقراره وحياته ضريبة الحرب والدّمار خطفًا وتهجيرًا وضيق حياة وخرابًا. وندفع كمسيحيّين كما غيرنا ضريبة الحرب، وفي كلّ مكانٍ وزمان، تهجيرًا وخطفًا وموتًا وتدمير دور عبادة وأوابد تاريخ واسترخاص روحٍ بشريّة. أضع أمامكم مثالاً على كلّ هذا يرسم صورة له ولا يختزله وهو خطف مطراني حلب يوحنّا ابراهيم للسّريان الأرثوذكس وبولس يازجي للرّوم الأرثوذكس منذ أكثر من خمسة أعوام وسط تعاجز العالم بكلّ هيئاته عن تحريك هذا الملفّ إن لم نقل تناسيه أيضًا.
صلاتنا اليوم إلى الرّبّ القدير من أجل خير صربيا وسلام شعبها. صلاتنا من أجل سلام سوريا واستقرار لبنان والسّلام في الشّرق الأوسط بكلّ بلدانه.
في مستهلّ زيارتنا السّلاميّة، أتوجّه إليكم، باسمي وباسم الوفد المرافق لي، أتوجّه إليكم غبطة البطريرك وعبركم إلى كلّ إخوتنا في صربيا بسلام الملائكة في مسامع رعاة بيت لحم:
"المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام وفِي النّاس المسرّة"، فليدم سلامه في قلوبنا لتعمر برجائه فرحًا وسرورًا، له المجد إلى الأبد آمين".