دينيّة
29 كانون الأول 2022, 08:00

في ذكرى هروب العائلة المقدّسة إلى مصر...

ريتا كرم
الإضطهاد ليس بجديد في المسيحيّة ولا الهجرة حركة مستجدّة ولا هي جبن ولا خوف بل بحث عن السّلام، وها هي العائلة المقدّسة قد بادرت قبل أكثر من ألفي عام إلى الهرب من سخط هيردوس لاجئة إلى مصر. وها هي الكنيسة اليوم تحيي ذكرى هروب يوسف ومريم ويسوع إلى مصر، إذ يروي متّى في إنجيله (2/ 13-15) عن تلك المرحلة فيقول:

 

"وكان بعد انصراف المجوس أن تراءى ملاك الرّبّ ليوسف في الحلم وقال له: "قم فخُذ الطّفل وأمّه واهرب إلى مصر وأقم هناك حتّى أعلمك، لأنّ هيرودس سيبحث عن الطّفل وأمّه ليهلكه". فقام فأخذ الطّفل وأمّه ليلاً ولجأ إلى مصر. فأقام هناك إلى وفاة هيرودس، ليتمّ ما قال الرّبّ على لسان النّبيّ: "من مصر دعوتُ ابني"."

وتصف الأيقونة مريم ممتطية حمارًا، وبين ذراعيها الطّفل يسوع ويوسف يسير بجانبهما يقود الحمار باتّجاه وادي النّيل، وخلفهم سالومي المعروفة بالإنجيل بأمّ ابني زبدى يعقوب ويوحنّا.

هم غادروا وتركوا كلّ شيء بدون أن يخطّطوا لأيّ أمر أو يدرسوا كيفيّة العيش في أرض غريبة. لم يفكّروا أين سينامون أو ماذا سيقتاتون، رحلوا منفّذين وصيّة الرّبّ.

هم فور وصولهم إلى مصر تباركت أرضها، فيسوع ابن الله مخلّص البشريّة قد وطأها فتحوّلت من أكبر معقل للوثنيّة إلى أجمل "فردوس روحيّ" بشّر فيه القدّيس مرقس، وعبق برائحة قدّيسين كبار مثل أب الرّهبان وكوكب البرّيّة أنطونيوس الكبير، وأكبر علماء الكنيسة مثل أغسطينوس وأثناسيوس وكبريانوس... وهي تقدّم منذ الأزل شهداء روت دماؤهم أرضها المقدّسة وثبّتت شعبها على سلّم الإيمان.

اليوم، وفيما تحتفل الكنيسة بذكرى هروب العائلة المقدّسة إلى مصر، نفكرّ بكلّ من ركبوا قوافل الهجرة القسريّة مخلّفين وراءهم أرزاقًا وأملاكًا، باحثين عن السّلام في زوايا العالم كافّة.

نتذكّر كلّ أمّ بكت ابنها الشّهيد الّذي لفظ أنفاسه الأخيرة مهدّدًا بسيف الاضطهاد.

نتذكّر كلّ عائلة ودّعت أحد أفرادها بعد أن لوّعها تفجير إرهابيّ نفّذه أحد هيرودسات العصر.

نتذكّر كلّ كاهن قضى على مذبحه مقدّمًا نفسه ذبيحة للرّبّ لأنّه رفض أن ينكره ويصلبه مرّة ثانية.

اليوم، نتذكّر في هذا الزّمن المبارك، كلّ من يحمل صليبه برجاء وإيمان واثقًا أنّ الأخير سيرفعه إلى القيامة القريبة والأكيدة.

اليوم، لنهرب نحن أيضًا من كلّ ما يهدّد قلوبنا ويعزلها عن محبّة الرّبّ ورحمته، لتكن لنا الجرأة في البحث عن سلام يسوع بعيدًا عن كلّ خطيئة تقتل الرّوح وتميت القلب وتُسكر العقل.

نعم لنتجرّأ ونقاوم شرّ الانتقام ومواجهة العنف بالعنف، لنخطو على مثال يسوع الّذي أراد في هروبه أن يعلّم شعبه المحبّة الكاملة والسّلام التّامّ... لنحمل مثله صليبنا ولنسر معه نحو القيامة!