أوروبا
06 كانون الأول 2021, 12:15

في ختام زيارته إلى اليونان، البابا فرنسيس للشّباب: إحلموا بالأخوّة!

تيلي لوميار/ نورسات
بلقاء مع الشّباب في مدرسة القدّيس ديونيسيوس للرّاهبات الأورسوليّات في ماروسي- أثينا، اختتم البابا فرنسيس زيارته إلى اليونان صباح اليوم، وجّه خلاله إليهم كلمة شكرهم في بدايتها على حضورهم، معربًا عن سروروه بلقائهم، وقال بحسب "فاتيكان نيوز" إنّه يغتنم هذه الفرصة ليجدّد امتنانه على الاستقبال وكلّ العمل الّذي تمّ القيام به لتنظيم الزّيارة.

وتوقّف البابا عند الشّهادات الثّلاث الّتي تخللّها اللّقاء، وأشار بداية إلى الشّهادة الّتي قدّمتها شابّة من الفليبّين تحدّثت فيها عن شكوكها المتكرّرة في الإيمان، وقال: "لا تخافوا من الشّكوك لأنّها ليست قلّة الإيمان. على العكس، الشّكوك هي "فيتامينات الإيمان": فهي تساعد على تقويته، تجعله أكثر وعيًا ونضجًا، وأكثر استعدادًا للانطلاق، والمضيّ قدمًا بتواضع يومًا بعد يوم. إنّ الإيمان مسيرة يوميّة مع يسوع الّذي يمسك بيدنا ويرافقنا ويشجّعنا، وحين نسقط يُنهضنا.

أحيانًا، وأمام سوء الفهم أو مصاعب الحياة، وفي لحظات الوحدة أو خيبة الأمل، قد يقرع هذا الشّكّ باب قلبنا: "قد أكون على خطأ..."، إنّها تجربة يجب أن نقاومها. يضع الشّيطان هذا الشّكّ في قلبنا ليوقعنا في الحزن. ما العمل عندما يصبح شكّ مثل هذا خانقًا، ولا يدعنا بسلام، وعندما نفقد الثّقة ولا نعلم من أين نبدأ؟ يجب أن نجد نقطة البداية. هل تعلمون نقطة البداية للفلسفة، وأيضًا للفنّ، والثّقافة، والعلم؟ بدأ كلّ شيء بشرارة، باكتشاف، تشير إليه كلمة بليغة هي thaumàzein التّعجّب، الدّهشة. إنّ الدّهشة ليست بداية الفلسفة فقط، بل أيضًا بداية إيماننا. إنّ جوهر الإيمان ليس فكرة، إنّما هو واقع جميل جدًّا يتركنا منذهلين: إنّنا أبناء الله المحبوبون! لَنَا أبٌ يسهر علينا، ولا يتوقّف أبدًا عن محبّتنا. الله لا يتعب أبدًا من محبّتنا. وعندما تشعرون بخيبة أمل ممّا فعلتم، هناك دهشة أخرى يجب ألّا تضيّعوها وهي دهشة المغفرة. هناك تجدون وجه الآب وسلام القلب. وهناك يسكب محبّته في عناق ينهضنا."  

كما ذكّر البابا فرنسيس بالكلمات الشّهيرة المحفورة على واجهة معبد دلفي "اعرف نفسك"، وأشار إلى أنّ هذه الدّعوة القديمة صالحة اليوم أيضًا: اعرف أنّ قيمتك بما أنت، وليس بما تملك.

هذا وتوقّف البابا فرنسيس عند الشّهادة الّتي قدّمتها شابّة من أبرشيّة تينوس، وأشار إلى أنّها "كي تحدّثنا عن حياتها تحدّثت عن الآخرين، وذكّرت بداية بوالدتها وجدّتها اللّتين علّمتاها أن تصلّي وتشكر الله كلّ يوم. قدّمت لنا نصيحة مفيدة وهي أن نلجأ إلى الرّبّ يسوع في كلّ شيء. ودعاهم إلى قراءة سفر أعمال الرّسل حيث سيرون كم هناك من الأشخاص والوجوه واللّقاءات: هكذا عرف يسوع آباؤنا بالإيمان. إنّ الشابّة قد تحدّثت أيضًا في الشّهادة الّتي قدّمتها عن شخص ثالث مهمّ في حياتها، وهي راهبة أظهرت لها فرح "أن ترى الحياة كخدمة"، إنّ خدمة الآخرين هي الطّريق لبلوغ الفرح. الخدمة، التّفاني من أجل الآخرين هو الجديد الّذي يجعل الحياة شابّة دائمًا." ودعا بالتّالي إلى عدم الاكتفاء باللّقاءات الافتراضيّة، إنّما البحث عن اللّقاءات الحقيقيّة لاسيّما مع الّذين هم بحاجة إلينا، وأشار إلى أنّ "كثيرين اليوم يستخدمون بشكل كبير وسائل التّواصل الاجتماعيّ، ولكنّهم ليسوا اجتماعيّين جدًّا: فهم منغلقون على أنفسهم، وأسرى الهاتف الخلويّ في أيديهم. وبالمقابل، ما أجمل أن نكون مع الآخرين، وننمّي فرح المشاركة، وحماس الخدمة!". وذكّر من ثمّ بلقائه الشّباب في سلوفاكيا في أيلول/ سبتمبر الماضي وبلافتة رفعها بعض الشّباب كُتب عليها "جميعنا إخوة". وتابع معبّرًا عن سروره بأن يراهم جميعًا هنا معًا، متّحدين، على الرّغم من أنّهم قادمون من بلدان وقصص مختلفة! وقال: احلموا بالأخوّة!"

كما أشار البابا إلى الشّهادة الّتي قدّمها شابّ من سوريا، وقال: "إنّ شهادتك أثّرت فينا"، لافتًا إلى الهرب مع عائلته من "سوريا العزيزة المعذّبة"، وإلى وصوله مع عائلته، وبعد مصاعب كثيرة، إلى هذا البلد بالطّريقة الوحيدة الممكنة، وهي القارب، وقد بقوا "على صخرة من دون ماء وطعام منتظرين حلول الفجر وسفينة خفر السّواحل". إنّها أوديسا خاصّة وحقيقيّة في أيّامنا هذه، أضاف البابا فرنسيس، وذكّر بملحمة هوميروس وقال: "إنّ البطل الأوّل الّذي يظهر ليس أوليسِس، بل شابًّا: هو ابنه تليماخوس، الّذي يعيش مغامرة كبيرة. لم يعرف والده، وكان حزينًا ومحبطًا، لأنّه لا يعرف مكانه أو حتّى إن هو موجود. شعر بأنّه بلا جذور وأمام مفترق طرق: هل يبقى هناك وينتظر، أم ينطلق للبحث عنه؟  وقد نهض، وهيّأ السّفينة سرًّا، وبسرعة، مع شروق الشّمس، انطلق في مغامرة. ليس معنى الحياة أن نبقى على الشّاطئ بانتظار أن تحمل إلينا الرّياح ما هو جديد. يكمن الخلاص في البحر المفتوح، في الانطلاق، في البحث، في اتّباع الأحلام، الأحلام الحقيقيّة، تلك الّتي نحلمها بعيون مفتوحة. لا ندع المخاوف تشلّنا، لنحلم أحلامًا كبيرة! ولنحلم معًا! وسيكون هناك دائمًا من يقول لكم: "انسوا الأمر، لا تخاطروا، لا فائدة من ذلك". إنّهم ماسحو الأحلام وقتلة الأمل."

وفي ختام كلمته، دعا البابا فرنسيس الشّباب إلى أن ينمّوا شجاعة الرّجاء من خلال خياراتهم، وقال: "أن نختار هو تحدّ. ولاتّخاذ خيارات صحيحة، تذكّروا أمرًا واحدًا: القرارات الجيّدة تتعلّق دائمًا بالآخرين، وليس بأنفسنا فقط. الخيارات الّتي تستحقّ المخاطرة، والأحلام الّتي يجب تحقيقها هي تلك الّتي تتطلّب الشّجاعة وإشراك الآخرين". وإختتم كلمته قائلاً: "بمساعدة الله، الّذي يحبّكم جميعًا، تحلّوا بالشّجاعة".

وتخلّلت اللّقاء كلمة للمسؤول عن راعويّة الشّباب في اليونان إضافة إلى شهادات لشباب.