الفاتيكان
01 أيلول 2020, 11:15

في اليوم العالميّ للصّلاة من أجل العناية بالخليقة، هذا ما قاله البابا فرنسيس!

تيلي لوميار/ نورسات
أصدر البابا فرنسيس اليوم رسالته الخاصّة باليوم العالميّ للصّلاة من أجل العناية بالخليقة، تركّز محتواها على اليوبيل كزمن مقدّس للتّذكّر، الرّجوع، الرّاحة، الإصلاح والفرح، استهلّها بكلمات من سفر الأحبار "قَدِّسوا سَنةَ الخَمْسين ونادوا بإِعْتاقٍ في الأَرضِ لِجَميعِ أَهْلِها، فتَكونَ لَكم يوبيلاً" (أح 25، 10)، مشيرًا إلى أنّه "في هذه الفترة، زمن الخليقة، يجدّد المسيحيّون في جميع أنحاء العالم الإيمان بالله الخالق ويتّحدون بصورة خاصّة في الصّلاة والعمل من أجل حماية البيت المشترك".

في سياق رسالته، أعرب البابا عن سعادته لاختيار العائلة المسكونيّة موضوع احتفال هذا العام "يوبيل الأرض" وذلك تزامنًا مع الذّكرى الخمسين ليوم الأرض، متوقّفًا كذلك عند "اليوبيل في الكتاب المقدّس كزمن مقدّس للتّذكّر، الرّجوع، الرّاحة، الإصلاح والفرح"، مخصّصًا لهذه الأفعال الخمسة قسمًا من رسالته.

وبحسب "فاتيكان نيوز"، وفي حديثه في القسم الأوّل حول اليوبيل كزمن تذكُّر قال البابا فرنسيس: "إنّنا مدعوّون إلى تذكّر أنّ المصير النّهائيّ للخليقة هو الدّخول في "سبت الله الأبديّ". رحلة الخليقة تَحدث في الزّمن، في إطار الأيّام السّبعة من الأسبوع، ودورة السّبع سنوات، وسنة اليوبيل الكبرى الّتي تقع في نهاية سبع سنوات سبتيّة. إنّ اليوبيل هو أيضًا زمن نعمة لنتذكّر دعوة الخليقة الأصليّة وهي أن تكون وتزدهر كجماعة محبّة، وجودنا هو مجموعة علاقات: مع الله الخالق، ومع الإخوة والأخوات الأعضاء في العائلة المشتركة، ومع جميع المخلوقات الّتي تسكن بيتنا المشترك نفسه. هذا إلى جانب كون اليوبيل زمنًا للحفاظ على ذاكرة كوننا في علاقة، علينا أن نتذكّر أنّ كلّ شيء مترابط، وأنّ العناية الأصيلة بحياتنا ذاتها وبعلاقتنا مع الطّبيعة هي جزء لا يتجزّأ من الأخوّة والعدالة والإخلاص تجاه الآخرين."

وفي القسم الثّاني، عن اليوبيل كزمن رجوع، وقال الأب الأقدس: "إنّنا في حاجة إلى العودة لشفاء ما كسرنا من روابط توحّدنا مع الخالق والكائنات البشريّة الأخرى وسائر الخليقة. إنّ اليوبيل هو زمن رجوع إلى الله خالقنا المحبّ، لا يمكن العيش في انسجام مع الخليقة بدون سلام مع الخالق."  

وتابع لافتًا إلى أنّ "اليوبيل يدعونا مرّة أخرى إلى أن نفكّر في الآخرين، وخاصّة الفقراء والأكثر ضعفًا... هو زمن لمنح الحرّيّة للمظلومين ولجميع المقيّدين بقيود من مختلف أشكال العبوديّة الحديثة، بما في ذلك الاتجار بالبشر وعمل الأطفال القاصرين". ومن هنا أضاء على الحاجة إلى العودة إلى الإصغاء إلى الأرض، فـ"علينا أن نتذكّر أنّنا جزء، ولسنا أسيادًا، في شبكة الحياة المترابطة. إنّ الانحلال الذّي أصاب التّنوّع البيولوجيّ، وتزايد الكوارث المناخيّة بسرعة مذهلة، والتّأثير غير المتكافئ للجائحة الحاليّة على أفقر الفئات وأكثرها ضعفًا، هي أجراس إنذار في وجه جشع الاستهلاك الجامح."

وفي حديثه في القسم الثّالث عن اليوبيل كزمن للرّاحة قال البابا فرنسيس: "حافظ الله بحكمته على يوم السّبت حتّى تستريح الأرض وسكّانها فتتجدّد الحياة فيها وفيهم. ومع ذلك، فإنّ أنماط حياتنا اليوم تدفع الكوكب إلى ما وراء طاقته. الطّلب المستمرّ للنّموّ، ودورة الإنتاج المستمرّة، والاستهلاك، كل ذلك يُنهك البيئة. الغابات تتلاشى، والتّربة تتآكل، والحقول تختفي، والصّحاري تتّسع، والبحار تزداد ملوحة، والعواصف تشتدّ: الخليقة تئنّ!. نحن نحتاج اليوم إلى أن نجد أساليب حياة تعيد إلى الأرض الرّاحة الّتي تحتاج إليها، وسبل عيش كافية للجميع، بدون تدمير النّظم البيئيّة الّتي تحافظ على حياتنا."  

وتوقّف الأب الأقدس عند الجائحة الحاليّة فقال: "إنّ الأزمة منحتنا إلى حدّ ما الفرصة لنطوّر طرقًا جديدة للعيش وأوصلتنا إلى مفترق طرق"، من هنا "ضرورة الاستفادة من هذه اللّحظة الحاسمة لوضع حدّ لأنشطة وغايات زائدة ومدمّرة، ولإنماء قيم وروابط ومشاريع منتجة. يجب أن نعيد النّظر في عاداتنا في استخدام الطّاقة والاستهلاك والنّقل والتّغذية. نحن بحاجة إلى أن نزيل الجوانب غير الأساسيّة والضّارّة في اقتصادنا، وأن نبتكر طرقًا مثمرة في التّجارة والإنتاج ونقل الخيرات".

وتمحور القسم الرّابع حول اليوبيل كزمن إصلاح، فقال: "إن اليوبيل هو زمن لاستعادة الانسجام الأصليّ للخليقة ولإصلاح العلاقات الإنسانيّة الّتي أصابها التّلف. وهذا يدعونا إلى إعادة إقامة علاقات اجتماعيّة متعادلة، فنعيد إلى كلّ فرد حرّيّته وخيراته الخاصّة، ونلغي ديون الآخرين. لذلك يجب ألّا ننسى تاريخ استغلال جنوب الكرة الأرضيّة، والّذي تسبّب في مشاكل بيئيّة ضخمة، ويرجع ذلك أساسًا إلى نهب الموارد والاستخدام المفرط للأماكن البيئيّة المشتركة من أجل التّخلّص من النّفايات."  

وجدد البابا النّداء لإلغاء ديون الدّول الفقيرة في ضوء الآثار الخطيرة للأزمات الصّحّيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة الّتي يجب أن تواجهها بعد فيروس كورونا، مشيرًا إلى ضرورة إصلاح الأرض وأهمّيّة استعادة التّوازن المناخيّ وضرورة عمل كلّ ما يمكن للحدّ من ازدياد متوسّط درجة الحرارة العالميّة إلى ما دون 1،5 درجة مئويّة. كما دعا- استعدادًا للقمّة المناخيّة  الّتي ستُعقَد في غلاسكو في المملكة المتّحدة (COP 26)- كلّ الدّول إلى تبنّي أهداف وطنيّة طموحة في ما يخصّ الحدّ من انبعاث الغازات، واستعادة التّنوّع البيولوجيّ، وحماية جماعات السّكّان الأصليّين من نشاط الشّركات ولاسيّما المتعددة الجنسيّات والّتي تصنع في البلدان النّامية ما لا يمكنها أن تعمل في البلدان الّتي توفّر لها رؤوس الأموال.

وفي القسم الخامس والأخير، توقّف عند اليوبيل كزمن للفرح فتحدّث هنا بحسب "فاتيكان نيوز" "عن ارتفاع صراخ الأرض والفقراء وأضاف أنّنا في الوقت نفسه شهود أنّ الرّوح القدس ما زال يلهم الأفراد والجماعات في كلّ مكان لكي يتّحدوا من أجل إعادة بناء بيتنا المشترك، وأن يدافعوا عن الفئات الأكثر ضعفًا. وتحدّث عن الفرح مع رؤية الكثير من الشّباب والجماعات، وخاصّة السّكّان الأصليّين، في الطّليعة لمواجهة الأزمة البيئيّة، وأيضًا حين نرى أنّ الذّكرى السّنويّة الخاصّة للرّسالة العامّة "كن مسبَّحًا" تلهم العديد من المبادرات على المستوى المحلّيّ والعالميّ للعناية بالبيت المشترك والفقراء. وأضاف: يجب أن تؤدّي هذه السّنة إلى خطط فعّالة طويلة الأجل لتحقيق تربية بيئيّة متكاملة في العائلات والرّعايا والأبرشيّات والجمعيّات الرّهبانيّة والمدارس والجامعات والرّعاية الصّحّيّة والمشاريع والمؤسّسات الزّراعيّة وفي العديد من المجالات الأخرى."  

وفي الختام، لفت إلى أنّه "من المفرح أيضًا أنّ الجماعات المؤمنة ما زالت تتقارب لخلق عالم أكثر عدلاً وسِلمًا واستدامة. إنّه لسبب فرح خاصّ أن يصبح "زمن الخليقة" مبادرة مسكونيّة حقًّا. لنفرح أيضًا لأنّ الخالق، في محبّته، يدعم جهودنا المتواضعة من أجل الأرض. فهي أيضا بيت الله، حيث كلمته "صارَ بَشَرًا فسَكَنَ بَينَنا" (يو 1، 14)، وهي المكان الّذي يتجدّد فيه فيض الرّوح القدس باستمرار.

"أرسل روحك، يا ربّ، فيتجدّد وجه الأرض" (را. مز 104، 30)."