العراق
01 تشرين الثاني 2022, 07:30

في الذّكرى الثّانية عشرة لمذبحة سيّدة النّجاة- بغداد، ماذا يقول يونان؟

تيلي لوميار/ نورسات
في الذّكرى السّنويّة الثّانية عشرة لمذبحة كاتدرائيّة سيّدة النّجاة في بغداد، بعث بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان رسالة إلى رئيس أساقفة بغداد والمدبّر البطريركيّ لأبرشيّة الموصل وتوابعها وأمين سرّ السّينودس المقدّس أفرام يوسف عبّا، وإلى الآباء والكهنة والمؤمنين في أبرشيّة بغداد، جاء فيها بحسب إعلام البطريركيّة:

"نكتب إليكم لنشارككم بالرّوح في ذبيحة القدّاس الّتي تقيمونها في هذا المساء المبارك في كاتدرائيّة سيّدة النّجاة، أمّ الشّهداء، الشّاهدة للإيمان بالرّبّ يسوع والشّهيدة من أجله، والّتي تضرّجت حناياها في مثل هذا اليوم منذ اثنتي عشرة سنة بدماء إخوةٍ وأخواتٍ لنا في الإيمان، قدّموا ذواتهم ذبائح محرقة على مذبح الشّهادة، وعمّدوا بدمائهم الزّكيّة أرض الوطن الغالي.

نعم لقد كان الكاهنان الشّابّان ثائر عبدال ووسيم القسّ بطرس، والأطفال، والشّبّان والشّابّات، والآباء والأمّهات، في ليلة عيد جميع القدّيسين يصلّون ويشاركون في ذبيحة القدّاس الإلهيّة. في مثل هذا الوقت، باغتهم المجرمون الجُبناء، بالتّفجير والتّكفير والقتل دون هوّادة، فامتزجت دماؤهم بدم الحمل الإلهيّ المذبوح فداءً عنّا وعن العالم بأسره. فبهم يعظم اعتزازنا وافتخارنا، وقد أضحوا للعالم أجمع رمزًا حيًّا وفريدًا للشّهادة للمحبّة الّتي لا تميّز، وللاستشهاد من أجل نشر السّلام والعدالة والأخوّة والمساواة.

في هذا اليوم المبارك، نشترك في الصّلاة الحارّة، وفي التّأمّل العميق، وفي تجديد الأمانة لذكرى شهدائنا الحيّة في قلوبنا، راجين معكم، يا أخانا صاحب السّيادة مار أفرام يوسف عبّا، ومع جميع أفراد الإكليروس والمؤمنين، أن تكتمل دعوى تطويبهم لدى مجمع دعاوى القدّيسين في الكرسيّ الرّسوليّ، كي نتمكّن من الاحتفال بإعلان تطويبهم ورفعهم على المذابح في أقرب وقت، ونحن فخورون ببطولتهم، وراسخون في الإيمان، وثابتون في الرّجاء، لأنّ الرّبّ الفادي وعدنا أن يبقى معنا في حياتنا ومماتنا، ووعده هذا لا ولن يخيب أبدًا!

إنّ ما كابده شهداؤنا الأبطال، مساء ذاك الأحد، وما تحمّلوه من آلام واضطهاد، شبيهٌ بما قاسَتْه الألوف المؤلَّفة من آبائهم وأجدادهم على مرّ العصور، والّذين تعذّبوا أو قُتِلوا أو شُرِّدوا ما وراء البحار والمحيطات، لأنّهم أرادوا أن يبقوا أمناء لمخلّصهم الرّبّ يسوع، المعلّم الّذي أوصاهم بأن يحبّوا الجميع حتّى الأعداء، وأن يسامحوا مبغضيهم ويُحسنوا إليهم! وهم يهتفون مع رسول الأمم مار بولس: "من سيفصلنا عن محبّة المسيح؟ أشدّةٌ أم ضيقٌ أم اضطهادٌ أم جوعٌ أم عريٌ أم خطرٌ أم سيف..؟" (رو 8: 35).

وها نحن نتعزّى بشفاعة هذه الكوكبة من الشّهداء الأبرار بنشيدٍ رائعٍ من طقسنا السّريانيّ، يتغنّى بشهادتهم البطوليّة: «ܣܳܗܕ̈ܶܐ ܒܪ̈ܺܝܟ̣ܶܐ ܕܶܐܬܩܰܛܰܠܬܽܘܢ ܡܶܛܽܠ ܦܳܪܽܘܩܰܢ܆ ܘܰܣܠܶܩ ܕܶܡܟ̣ܽܘܢ ܥܶܛܪܳܐ ܚܰܠܝܳܐ ܩܕܳܡ ܒܺܐܡ ܕܰܡܫܺܝܚܳܐ. ܐܰܢ̱ܬܽܘܢ ܠܡܳܪܟ̣ܽܘܢ ܐܰܦܺܝܣܽܘܢ܆ ܕܢܰܫܪܶܐ ܫܰܝܢܶܗ ܘܰܫܠܳܡܶܗ ܒܰܐܪܒܰܥ ܦܶܢܝ̈ܳܬܳܐ». وترجمته: "أيّها الشّهداء المبارَكون الّذين قُتِلتُم في سبيل مخلّصنا، وصعد دمكم بخورًا طيّبًا أمام منبر المسيح. تضرّعوا إلى ربّكم كي يحلّ أمانه وسلامه في جهات المسكونة الأربع".

إنّ إيماننا المشترك بالإله الواحد، خالق الكون ومدبّره، عليه أن يوحّد قلوبنا ويشركنا في بناء الوطن الواحد في العيش الفاعل والمتفاعل، والمؤسَّس على مبدأ المواطنة الواحدة للجميع. إنّها حضارة المحبّة، إليها يدعونا اليوم شهداؤنا وجرحانا، فلا نخيّب أملهم. على مثالهم لنكن "صانعي السّلام"، فنستحقّ أن نُدعى "أبناء الله". كما لا يسعنا أن نغفل واجب تأمين الحرّيّات المدنيّة والدّينيّة لجميع المواطنين، والحقيقة كما ينبّهنا قداسة البابا بندكتوس السّادس عشر أنّه: "لن يكون هناك سلامٌ وعدلٌ في عالمنا إن لم تُحترَم الحرّيّات الدّينيّة للجميع".

نسألكم، أيّها الأحبّاء، أن تجدّدوا، رغم معاناتكم الأليمة ورغم بشاعة الشّرّ وهول الآلام الّتي أحدقت بكم، فعل "الرّجاء فوق كلّ رجاء" بالعناية الإلهيّة. رجاءٌ يجعلنا واثقين بأنّ التّضحية الّتي قدّمها شهداؤنا وجرحانا لن تمرّ عبثًا، بل لا بدّ وأن تثمر خيرًا ونِعَمًا لبلدكم الحبيب ولشعوب مشرقنا قاطبةً.

نحن معكم واثقون بأنّ الله، سبحانه وتعالى، الّذي خلقنا جميعًا ويرعانا بمحبّته وعدله من دون تمييز، لا بدّ وأن يصغي لتنهّداتكم ويستجيب إلى تضرّعاتكم، فينعم عليكم بولادة عراق جديد واحد موحَّد، يضحي مثالاً بمؤسّساته المدنيّة وبالدّيمقراطيّة الحقّة الّتي تطمئن وتحمي جميع مواطنيه بالمساواة ودون تمييز.

وإنّنا إذ نبارك بانتخاب فخامة الرّئيس عبد اللطيف جمال رشيد رئيسًا لجمهوريّة العراق، والحكومة الجديدة برئاسة دولة الرّئيس محمّد شياع السّوداني، نتمنّى لهما ولجميع الوزراء النّجاح والتّوفيق في هذه المهمّة الوطنيّة، لما فيه خير العراق وطنًا وشعبًا، وعودته إلى سابق عهده من التّطوّر والازدهار.

إلى الرّبّ يسوع المسيح، الفادي الإلهيّ والحمل المذبوح فوق ذروة الصّليب، نضرع كي ينعم على العراق وبلاد الشّرق والعالم بالسّلام والأمان، وعلى جميع النّاس، وبخاصّة على المؤمنين باسمه القدّوس، بالطّمأنينة والاستقرار والعيش الكريم. فيرتفع إليه من الجميع نشيد التّمجيد والتّسبيح، في وحدة أبيه وروحه القدّوس، وبشفاعة والدته مريم العذراء، سيّدة النّجاة، وجميع قدّيسينا وشهدائنا وشهيداتنا الأبرار.

نختم بمنحكم بركتنا الرّسوليّة عربون محبّتنا الأبويّة، والنّعمة معكم".