فرنسيس: تذكّرنا مريم أنّ الله بإمكانه على الدّوام أن يصنع العظائم
"يُدخلنا الإنجيل الذي سمعناه في لقاء المرأتين اللّتين تتعانقان وتملآن كلَّ شيء بالسّعادة والتّسبيح: يرتكض الطّفل فرحًا وأليصابات تُبارك نسيبتها على إيمانها؛ مريم تنشد عظائم الرّب التي تمّمها في خادمته الوديعة بنشيد الرّجاء الكبير للّذين لا يمكنهم أن ينشدوا لأنّهم فقدوا صوتهم.
مريم تسير... من النّاصرة إلى بيت زكريّا وأليصابات: إنّها أوّل رحلة لمريم يخبرنا عنها الكتاب المقدّس. أول رحلة من سلسلة رحلات عديدة. ستذهب من الجليل إلى بيت لحم حيث سيولد يسوع؛ ستهرب إلى مصر لتنقذ الطّفل من هيرودس؛ ستذهب أيضًا إلى أورشليم في كلِّ سنة بمناسبة الفصح، حتى الرّحلة الأخيرة التي تبعت فيها إبنها إلى الجلجلة. تملك هذه الرّحلات ميزة: لم تكن أبدًا مسيرات سهلة وقد تطلّبت جميعها شجاعةً وصبرًا؛ وتقول لنا إنّ مريم هي أختنا في المسيرة. كأمٍّ صالحة، تعرف مريم أنّ المحبّة تنمو في الأمور اليوميّة الصغيرة. محبّة وحكمة والديّة قادرة على تحويل مغارة للحيوانات إلى بيت ليسوع بواسطة بضعة لفائف فقيرة وجبل من الحنان.
إنَّ التّأمّل بمريم يسمح لنا بأن نوجّه نظرنا إلى العديد من النّساء، أمّهات وجدّات هذه الأراضي التي وفي التّضحية والخفاء، في بذل الذات والإلتزام يطبعنَ الحاضر وينسجنَ أحلام الغد. تُشكّل ذكرى حيّة حقيقة أنَّ شعبكم يعيش وينبض بروح رجاء قويّ، يذهب أبعد من جميع الأوضاع التي يمكنها أن تخنقه أو تسعى لإطفائه. بالنّظر إلى مريم، وإلى العديد من الوجوه الوالديّة، نختبر ونعزّز الفسحة للرّجاء الذي يولّد المستقبل ويفتحه. لنَقُل ذلك بقوّة: في شعبنا فسحة للرّجاء. لذلك مريم تسير وتدعونا للسّير معًا.
مريم تلتقي بأليصابات المتقدّمة في السّنّ. لكنّها هي المُسنّة التي تتحدّث عن المستقبل وتتنبأ إذ "امتلأت من الرّوح القدس" ومنحتها الطّوبى "لأنّها آمنت"، مُستبقةً هكذا الطّوبى الأخيرة في الأناجيل: "طوبى لِلَّذينَ يؤمِنونَ" (يوحنا ٢٠، ٢۹). وهكذا تذهب الشّابة للقاء المسنّة بحثًا عن الجذور، والمُسنّة تولد مجدّدًا وتتنبأ حول الشّابة وتُعطيها مستقبلاً. إنّها المعجزة التي تولّدها ثقافة اللّقاء، حيث لا يتمُّ تهميش أحد أو تصنيفه، بل على العكس، حيث يتمُّ البحث عن الجميع لأنّهم ضروريّون لكي يظهر وجه الرّبّ. لا يخافون من السير معًا وعندما يحصل هذا الأمر، يصل الله ويحقّق المعجزات في شعبه.
إنَّ مريم التي تسير وتلتقي بأليصابات تذكّرنا أين أراد الله أن يسكن ويقيم وما هو المزار وفي أي مكان يمكننا أن نصغي إلى نبضه أي وسط شعبه. هناك يسكن، وهناك يقيم وهناك ينتظرنا. نشعر بأنّ دعوة النّبي موجّهة لنا لكي لا نخاف ولا تسترخِ أيادينا، لأنَّ الرّبّ في وسطنا وهو مخلِّص جبّار (راجع صفنيا ۳، ١٦- ١٧). هذا هو سرُّ المسيحيّ: الله في وسطنا كمخلّص جبّار. هذا اليقين كما كان لمريم يسمح لنا بأن ننشد ونبتهج فرحًا. أن نكون مسيحيّين هو فرح بالرّوح القدس. بدون فرح نبقى مشلولين وعبيدًا لأحزاننا. عندما نعيش في غياب الثّقة منغلقين على أنفسنا، نحن نعارض الإيمان، لأنّنا وبدل أن نشعر بأنّنا أبناء يصنع لهم الله أمورًا عظيمةً، نجعل كلّ شيء صغيرًا بحجم مشاكلنا، وننسى أنّنا لسنا أيتامًا. إنّ مريم تأتي لمساعدتنا لكي تُعظّم الرّبّ ونمدح عظمته. تذكّرنا مريم أنّ الله بإمكانه على الدّوام أن يصنع العظائم إن بقينا منفتحين عليه وعلى الإخوة.
أيُّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، مريم تسير وتلتقي وتفرح لأنّها حملت شيئًا أكبر من نفسها: إنّها حاملة بركة. على مثالها لا نخافنَّ من أن نكون نحن أيضًا حملة للبركة التي تحتاج إليها رومانيا. كونوا معزّزين لثقافة اللّقاء التي تُبطل اللّامبالاة والإنقسام وتسمح لهذه الأرض أن تنشد بقوّة مراحم الرّبّ".