أوروبا
12 تشرين الأول 2020, 06:30

فاليني في تطويب كارلو أكوتيس: لقد شهد أنّ الإيمان لا يُبعدنا عن الحياة ولكنّه يجعلنا نغوص فيها بشكل أعمق

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفلت الكنيسة الكاثوليكيّة يوم السّبت بإعلان الشّابّ كارلو أكوتيس طوباويًّا، في قدّاس احتفاليّ ترأّسه النّائب العامّ السّابق لأسقف أبرشيّة روما الكاردينال أغوستينو فاليني، بحضور عائلته الصّغيرة ونحو 3000 شخص عجّت بهم بازيليك أسيزي وباحتها.

خلال القدّاس الاحتفاليّ، ألقى فاليني عظته قال فيها نقلاً عن "فاتيكان نيوز":""مَن ثَبَتَ فيَّ وثَبَتُّ فيه فَذاكَ الَّذي يُثمِرُ ثَمَرًا كثيرًا لأَنَّكُم، بِمَعزِلٍ عَنِّي لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا شيئًا" بهذه الكلمات الّتي سمعناها من إنجيل يوحنّا، يخاطب يسوع تلاميذه في العشاء الأخير ويحثّهم على أن يبقوا متّحدين به مثل أغصان الكرمة. إنّ صورة الكرمة والأغصان بليغة جدًّا للتّعبير عن مدى ضرورة أن يعيش المسيحيّ في شركة مع الله. وهنا تكمن قوّته: أن تكون له علاقة شخصيّة وحميمة وعميقة مع يسوع وأن يجعل من الإفخارستيّا اللّحظة الأسمى من علاقته مع الله.

تجذبنا اليوم بشكل خاصّ حياة وشهادة كارلو أكوتيس، الّذي تعتبره الكنيسة نموذجًا ومثالاً للحياة المسيحيّة، وتقترحه بشكل خاصّ على الشّباب. وبالتّالي من الطّبيعيّ أن نسأل أنفسنا: ما الّذي يميّز هذا الصّبيّ البالغ من العمر خمسة عشر عامًا؟ وإذ نستعيد معًا سيرته الذّاتيّة نجد بعض النّقاط الثّابتة الّتي تميّزه على الصّعيد البشريّ. لقد كان فتى عاديًّا، بسيطًا، عفويًّا، لطيفًا، أحبّ الطّبيعة والحيوانات، ولعب كرة القدم، وكان لديه العديد من الأصدقاء، وكان ينجذب إلى وسائل التّواصل الاجتماعيّ الحديثة، وشغوفًا بعلوم الكمبيوتر، وإذ علّم نفسه بنفسه، قام بتصميم برامج لنقل الإنجيل والقيم والجمال. كان لديه موهبة جذب الآخرين وكان يُنظر إليه كمثال.

منذ أن كان طفلاً- ويشهد على ذلك أفراد عائلته- شعر بالحاجة إلى الإيمان وكان نظره موجّهًا إلى يسوع، وقد أسّس حبّ الإفخارستيّا علاقته بالله وحافظ عليها حيّة. وكان يقول: "الإفخارستيّا هي طريقي السّريع إلى السّماء". كان يشارك يوميًّا في القدّاس الإلهيّ وكان يبقى لفترة طويلة في العبادة أمام القربان الأقدس. إعتاد كارلو أن يقول: "نذهب مباشرة إلى السّماء إذا اقتربنا يوميًّا من الإفخارستيّا!" كان يسوع بالنّسبة له صديقًا ومعلّمًا ومخلّصًا، وكان قوّة حياته وهدف كلّ ما كان يقوم به. لقد كان مقتنعًا أنّه لكي تحبّ الأشخاص وتفعل لهم الخير عليك أن تستمدّ الطّاقة من الرّبّ. وبهذه الرّوح كان متعبِّدًا لمريم العذراء.

كانت رغبته الشّديدة أيضًا أن يجذب أكبر عدد ممكن من الأشخاص إلى يسوع، فجعل من نفسه مبشّرًا بالإنجيل ولاسيّما بمثال حياته. لقد دفعته شهادة إيمانه لكي ينطلق في عمل بشارة دؤوب في البيئات الّتي كان يتردّد عليها، فلمس قلوب الأشخاص الّذين كان يلتقي بهم وأثار فيهم الرّغبة في تغيير حياتهم والاقتراب من الله. وكان يقوم بذلك بعفويّة، مُظهرًا بأسلوب حياته وتصرّفه محبّة الرّبّ وصلاحه. في الواقع، كانت قدرته على الشّهادة للقيم الّتي كان يؤمن بها غير عاديّة، كذلك على حساب مواجهة سوء الفهم والعقبات والسّخريّة أحيانًا. لقد كان كارلو يشعر بالحاجة لمساعدة الأشخاص لكي يكتشفوا أنّ الله قريب منّا وأنّه من الجميل أن نقيم معه لكي ننعم بصداقته ونعمته. ولكي ينقل هذه الحاجة الرّوحيّة، استخدم جميع الوسائل، بما في ذلك وسائل التّواصل الاجتماعيّ الحديثة، الّتي كان يعرف جيّدًا كيفيّة استخدامها، ولاسيّما الإنترنت، الّذي كان يعتبره هبة من الله وأداة مهمّة للقاء الأشخاص ونشر القيم المسيحيّة.

جعلته طريقة التّفكير هذه يقول إنّ الشّبكة ليس مجرّد وسيلة للهروب، ولكنّها فسحة للحوار والمعرفة والمشاركة والاحترام المتبادل، وينبغي استخدامها بمسؤوليّة، دون أن نصبح عبيدًا لها ونرفض التّنمّر الرّقميّ في العالم الافتراضيّ الواسع، كذلك يجب على المرء أن يعرف كيفيّة التّمييز بين الخير والشّرّ. من هذا المنظور الإيجابيّ، كان يُشجع على استخدام وسائل الإعلام كوسيلة في خدمة الإنجيل، للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص وتعريفهم بجمال الصّداقة مع الرّبّ. ولهذه الغاية، التزم بتنظيم معرض للمعجزات الإفخارستيّة الرّئيسيّة الّتي حدثت في العالم، والّتي استخدمها أيضًا في تعليم التّعليم المسيحيّ للأطفال. كذلك كان مُتعبِّدًا جدًّا لمريم العذراء، وكان يتلو صلاة مسبحة الورديّة يوميًّا، وكرّس نفسه عدّة مرّات لمريم العذراء لكي يجدِّد لها محبّته ويطلب حمايتها.

الصّلاة والرّسالة: هاتان هما السّمتان المميّزتان للإيمان البطوليّ للطّوباويّ كارلو أكوتيس، واللّتان دفعتاه في مسيرة حياته القصيرة إلى أن يسلّم نفسه للرّبّ في جميع الظّروف، ولاسيّما في اللّحظات الأكثر صعوبة. وبهذه الرّوح عاش المرض الّذي واجهه بهدوء وأدّى إلى وفاته. لقد استسلم كارلو بين ذراعي العناية الإلهيّة، وكان يكرّر، تحت نظر مريم العذراء الوالديّ: "أريد أن أقدّم كلّ آلامي للرّبّ من أجل البابا والكنيسة. لا أريد أن أذهب إلى المطهر. أريد أن أذهب مباشرة إلى السّماء". هكذا- لنتذكر- كان يتكلّم هذا الصّبيّ البالغ من العمر خمسة عشر عامًا، كاشفًا عن نضج مسيحيّ مذهل، يحفّزنا ويشجّعنا على التّعامل مع حياة الإيمان بجدّيّة.

لقد أثار كارلو إعجابًا كبيرًا للحماسة الّتي دافع بها في محادثاته عن قدسيّة العائلة وقدسيّة الحياة ضدّ الإجهاض والموت الرّحيم. وبالتّالي يمثّل الطّوباويّ الجديد، مرّة أخرى، نموذجًا للقوّة، غريبًا عن أيّ شكل من أشكال التّسوية، مدركًا أنّه لكي نثبتَ في محبّة يسوع، من الضّروريّ أن نعيش الإنجيل بشكل ملموس، حتّى على حساب السّير في عكس التّيّار. فقد تبنّى فعلاً كلمات يسوع: "وصِيَّتي هي: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضًا كما أَحبَبتُكم". لقد دفعه هذا اليقين في حياته لكي يتحلّى بمحبّة كبيرة تجاه القريب، ولاسيّما تجاه الفقراء والمسنّين المتروكين والمشرّدين والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة والّذين يهمِّشُهم المجتمع ويخفيهِم. كان كارلو مضيافًا على الدّوام مع المعوزين، وعندما كان يلتقي بهم في الشّارع وهو في طريقه إلى المدرسة، كان يتوقّف للحديث معهم والإصغاء إلى مشاكلهم ومساعدتهم على قدر استطاعته. لم ينغلق كارلو على نفسه أبدًا، ولكنّه كان قادرًا على فهم احتياجات ومتطلّبات الأشخاص الّذين كان يرى فيهم وجه المسيح. بهذا المعنى، على سبيل المثال، لم يتوانَ أبدًا عن مساعدة زملائه في الصّفّ، وخاصّة أولئك الّذين كانوا يواجهون صعوبات في الدّراسة. وبالتّالي بذل حياته المنيرة في سبيل الآخرين تمامًا كالخبز الإفخارستيّ!

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، تفرح الكنيسة، لأنّه في هذا الطّوباويّ الشّابّ تحقّقت كلمات الرّبّ: "لم تَخْتاروني أَنتُم، بل أَنا اختَرتُكم وأَقمتُكُم لِتَذهَبوا فَتُثمِروا". وكارلو قد ذهب وحمل ثمار القداسة وأظهرها كهدف يمكن للجميع الوصول إليه وليس كشيء مجرّد ومحفوظ لقليلين. تشكّل حياته نموذجًا ولاسيّما للشّباب، لكي لا يجدوا إرضاء رغباتهم في النّجاحات العابرة والزّائلة، وإنّما في القيم الثّابتة الّتي يقترحها يسوع في الإنجيل، وهي: وضع الله في المرتبة الأولى، في ظروف الحياة الكبيرة والصّغيرة، وخدمة الإخوة ولاسيّما الأخيرين. لقد شهد أنَّ الإيمان لا يُبعدنا عن الحياة ولكنّه يجعلنا نغوص فيها بشكل أعمق ويدلُّنا على الدّرب الملموس لكي نعيش فرح الإنجيل. وبالتّالي يبقى علينا أن نسيرها تجذبنا خبرة الطّوباويّ كارلو الرّائعة، لكي تتمكّن حياتنا أيضًا من أن تسطع بالنّور والرّجاء. أيّها الطّوباويّ كارلو أكوتيس، صلّي لأجلنا!".

بعد العظة، تمّت قراءة رسالة رسوليّة من البابا فرنسيس بصوتٍ عالٍ أعلن فيها أنّ يوم 12 تشرين الأوّل/ أكتوبر سيكون العيد اللّيتورجيّ لكارلو أكوتيس، تاريخ انتقاله إلى السّماء عام 2006 في ميلانو.