عوده: نحن مدعوّون إلى محبّة بلدنا والثّقة به والوفاء له
"أحبّائي، تقيم كنيستنا المقدّسة في الأحد الثّاني بعد الفصح تذكارًا للنّسوة القدّيسات حاملات الطّيب، وليوسف الرّاميّ والتّلميذ اللّيليّ نيقوديموس اللّذين أنزلا جسد الرّبّ عن الصّليب ودفناه في قبر جديد.
تشكّل النّسوة حاملات الطّيب مثالًا ملهمًا لنا للبشارة بكلمة الله بشجاعة. فحاملات الطّيب هنّ تلك النّسوة المؤمنات اللّواتي أدّين دورًا محوريًّا في الأيّام الأولى للكنيسة، من خلال إعلان قيامة المسيح للتّلاميذ، بعدما كلّمهنّ الملاك الجالس عند القبر قائلًا لهنّ: "أتطلبن يسوع النّاصريّ المصلوب؟ قد قام، ليس هو ههنا" فنقلن البشرى للتّلاميذ. نقرأ في إنجيل لوقا: "ورجعن من القبر، وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كلّه" (لو 24).
في تفانيهنّ الثّابت التزامهنّ الّذي لا يتزعزع بالإنجيل، تجسّد لنا حاملات الطّيب جوهر الكرازة الحقيقيّة. وفيما نتأمّل في شهادتهنّ النّبيلة، نكتشف كيف يمكن لمثالهنّ أن يرشدنا ويلهمنا في نشر بشارة الخلاص.
تعلّمنا حاملات الطّيب أهمّيّة المحبّة الثّابتة، والثّقة والولاء في علاقتنا مع المسيح. فعلى الرّغم من الحزن الشّديد واليأس اللّذين عاشهما التّلاميذ والنّسوة بعد موت سيّدهم الحبيب، ظلّت تلك النّساء مخلصات له، ورافقنه حتّى القبر (مت 27: 55-56 و61) فيما هجره الجميع. محبّتهنّ اللّامتناهية للرّبّ يسوع لم تتضاءل بسبب ظلمة القبر، بل أشرقت كمنارة أمل في وسط اليأس. هكذا، كتلاميذ للمسيح في العصر الحديث، نحن مدعوّون لتنمية محبّة عميقة ودائمة لمخلّصنا، محبّة تجعلنا ثابتين في إيماننا، حتّى في مواجهة الشّدائد والشّكّ. كما نحن مدعوّون إلى محبّة بلدنا والثّقة به والوفاء له رغم قتامة الوضع، وخدمته بتواضع ودون عنجهيّة، وإعلان حسناته بشجاعة مبشّرين بالأخبار السّارّة لا بالحرب والقتل واليأس، ومعلنين إصرارنا الدّائم على التّقدّم به نحو الأفضل.
تجسّد حاملات الطّيب أيضًا أهمّيّة الشّهادة لحقيقة الإنجيل من خلال القول والفعل. بعد اكتشاف القبر الفارغ صباحًا، لم تهدر النّساء المؤمنات أيّ وقت في إعلان البشارة للتّلاميذ. بقلوب مملوءة بالفرح والانفعال، أسرعن ليشاركن شهادتهنّ بقيامة المسيح، وليصبحن أوّل المبشّرين بقيامة الرّبّ من بين الأموات. إنّ شهادتهنّ الشّجاعة تتحدّانا لكي نعلن بجرأة حقيقة الإنجيل في حياتنا، وكلّ حقيقة، إن في كلماتنا أو أفعالنا. على مثال حاملات الطّيب، نحن مدعوّون لأن نكون مبشّرين بالأخبار السّارّة، ونتشارك رسالة الخلاص مع كلّ من نلتقي بهم.
تعلّمنا حاملات الطّيب أيضًا أهمّيّة التّواضع والخدمة في نهجنا التّبشيريّ. رغم دورهنّ الحاسم في إعلان القيامة، لم تطلب تلك النّسوة الاعتراف بما قمن به أو الثّناء على أفعالهنّ بل خدمن الرّبّ وتلاميذه بكلّ تواضع، وأتممن مهمّتهن بأمانة ونكران للذّات.
في عالم يقدّر القوّة والهيبة في كثير من الأحيان، تذكّرنا حاملات الطّيب بأنّ العظمة الحقيقيّة تكمن في الخدمة المتواضعة. كأتباع للمسيح، نحن مدعوّون للاقتداء بمثالهنّ، ولخدمة الآخرين بتواضع، وللشّهادة لمحبّة مخلّصنا ورحمته.
تظهر حاملات الطّيب القوّة التّحويليّة للقاء المسيح القائم من بين الأموات. بعد مقابلة الرّبّ القائم في البستان، امتلأت مريم المجدليّة بفرح غامر، وكانت حريصةً على نقل الأخبار السّارّة إلى الآخرين. نحن أيضًا، عندما نواجه المسيح الحيّ في حياتنا، نتغيّر بمحبّته ونعمته، ونندفع إلى مشاركة رسالته الخلاصيّة مع الآخرين. تذكّرنا حاملات الطّيب بأنّ التّبشير يبدأ بلقاء شخصيّ مع المسيح، وهذا اللّقاء هو خبرة تغيّر حياتنا وتشعل فينا شغفًا بمشاركة الإنجيل مع الآخرين.
تقف حاملات الطّيب كأمثلة خالدة للتّلمذة الأمينة والتّبشير الشّجاع. إنّ إخلاصهنّ الّذي لا يتزعزع للمسيح، وإعلانهنّ الجريء للقيامة، وتواضعهنّ وخدمتهنّ، ولقاءهنّ التّحويليّ مع الرّبّ القائم من بين الأموات، أحداث تلهمنا وترشدنا في رحلة إيماننا فنسعى جاهدين للسّير على خطاهنّ، ونصلّي كي نمتلئ بالمحبّة والغيرة والفرح الّتي ميّزت حياتهنّ، علّنا نصير مثلهنّ شهودًا أمناء للمسيح القائم من بين الأموات.
في ذكرى حاملات الطّيب نعيد للأمانة للرّبّ وللمحبّة الّتي لا تخشى المخاطر ولا تخاف، ونتعلّم ألّا نيأس في هذا العالم الّذي يحكمه الشّرّ لأنّنا إن بقينا على إيماننا بالرّبّ وعلى الحياة بحسب وصاياه لا بدّ أن نعاين وجه الرّبّ في اليوم الأخير ونسمع صوته الحسن قائلًا لنا "نعمّا أيّها العبد الصّالح والأمين، كنت أمينًا في القليل فأقيمك على الكثير، أدخل إلى فرح ربّك" (متّى 25: 21). آمين."