عوده: لنشكر الله نحن اللّبنانيّين لأنّه استجاب طلباتنا
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى عوده عظة جاء فيها: "أحبّائي، تقسم السّنة الكنسيّة إلى أزمنةٍ ليتورجيّةٍ تدور حول التّدبير الخلاصيّ الّذي أعدّه الرّبّ يسوع ليفتدي الإنسان. فبعدما ودّعنا عيد الظّهور الإلهيّ منذ أيّامٍ ندخل، بدءًا من اليوم، زمنًا ليتورجيًّا جديدًا، ذروته الصّوم الأربعينيّ المقدّس، الّذي يهيّئنا بدوره للسّجود لقيامة مخلّصنا من بين الأموات. في هذا الزّمن الجديد، تقرأ على مسامعنا فصول إنجيليّة تتمحور حول علاقة الإنسان بالله، وبأخيه الإنسان، كدروسٍ في الجهاد الرّوحيّ.
سمعنا اليوم أوّل أناجيل هذا الزّمن، الّذي يتحدّث عن شفاء البرص العشرة. كان البرص مرضًا جلديًّا خطرًا ومعديًا، وكان المصاب بالبرص يعتبر بحسب الشّريعة نجسًا عند اليهود، لذا كان يعزل إجتماعيًّا ودينيًّا، فلا يجوز له الاختلاط بالآخرين، ولا زيارة الهيكل للصّلاة وممارسة الشّعائر الدّينيّة، وكان يعاني جسديًّا ونفسيًّا وروحيًّا. المرض بذاته مؤلم، والمريض يشعر بالدّونيّة والازدراء كونه ممنوعًا من مخالطة الآخرين، وعليه أن يحذّرهم من الإقتراب منه. البرص، بالنّسبة للذّهنيّة الدّينيّة اليهوديّة، قصاص إلهيّ، لذا كان ينظر إلى الأبرص كرجلٍ خاطئٍ ابتلي بالمرض بسبب معاصيه.
البرص العشرة الّذين التقاهم الرّبّ يسوع، كان تسعة منهم يهودًا، وواحد سامريًّا. لم يكن اليهود يخالطون السّامريّين لخلافٍ دينيٍّ وعقائديٍّ بينهم، لذلك كان اليهود يعتبرون السّامريّين أنجاسًا. في إنجيل اليوم، عاش اليهود مع هذا السّامريّ. وحّدهم الألم، فتركوا خلافاتهم العقائديّة والدّينيّة جانبًا واجتمعوا في مجموعةٍ واحدةٍ منبوذةٍ لكي يعزّوا بعضهم بعضًا. فيما يسوع داخل قريتهم "وقفوا من بعيدٍ" كما تأمرهم الشّريعة، ورفعوا أصواتهم قائلين: "يا يسوع المعلّم ارحمنا". إنتظروا رحمةً من السّيّد قد افتقدوها من بني جنسهم. ولأنّ الكاهن بحسب الشّريعة هو الّذي يحكم بطهارة الإنسان أو نجاسته (لا 13: 2-8) أمرهم الرّبّ بالذّهاب إلى الكهنة ليحكموا بطهارتهم من البرص. آمن البرص العشرة بكلمة الرّبّ ولم يعترضوا على الذّهاب إلى الكهنة لإثبات شفائهم، حتّى قبل أن ينالوا الشّفاء، والدّليل على ذلك أنّهم انطلقوا "وفيما هم منطلقون طهروا. لقد فعل الإيمان المعجزة، لكنّ المفارقة أنّ واحدًا فقط من العشرة "رجع يمجّد الله بصوتٍ عظيمٍ". كان هذا الشّخص سامريًّا، ويدعوه الرّبّ "أجنبيًّا" أيّ غريبًا عن الجماعة والدّين اليهوديّين، مع ذلك عاد وخرّ على وجهه عند قدميّ الرّبّ شاكرًا. أدرك أنّ المسيح ليس معلّمًا أو صانع معجزاتٍ فقط، بل هو الرّبّ نفسه. البرص العشرة آمنوا بكلمة الرّبّ فطهروا جميعهم، لكنّ واحدًا فقط عاد وشكر فنال الخلاص. الإيمان قاد إلى شفاء الجسد أمّا الشّكران والسّجود فقادا إلى شفاء النّفس وخلاصها. هذا الشّفاء الرّوحيّ هو هدف صلوات الكنيسة للمرضى وهو أهمّ من الشّفاء الجسديّ الّذي إن حصل يكون "نعمةً فوق نعمة" (يو 1: 16).
غالبًا ما يشبه سلوكنا سلوك البرص التّسعة. عندما نمرض أو يصيبنا مكروه نهبّ طالبين معونة الله، سائلين شفاعة والدة الإله وجميع القدّيسين، وقد نذهب إلى حدّ نذر النّذور. وعندما نشفى وتتحسّن ظروفنا ننسى تعهّداتنا ونتابع حياتنا وكأنّ شيئًا لم يكن، ظانّين أنّ الشّفاء واجب على الله. حتّى إنّنا لا نشكره على العطايا الّتي منحنا إيّاها.
كان في سؤال الرّبّ يسوع: "أليس العشرة قد طهروا؟ فأين التّسعة؟ ألم يوجد من يرجع ليمجّد الله إلّا هذا الأجنبيّ؟" شيء من التّعجّب من موقف الّذين لم يأتوا ليشكروا بعدما نالوا طلبهم. لم يكن لديهم أيّ إحساسٍ بالامتنان أو عرفانٍ بالجميل. كانوا ناكري جميلٍ فنالوا الشّفاء من دون الخلاص الّذي هو المبتغى.
في هذا الزّمن المبارك، تعلّمنا الكنيسة أنّ الشّكر واجب، لا بل هو فرض علينا تقديمه لله. نحن نشكر أيّ إنسانٍ يقدّم لنا معروفًا كبيرًا أو صغيرًا، ونبقى شاكرين له على مرّ السّنين، فكيف بالحريّ ربّنا يسوع المسيح الّذي افتدانا بدمه الكريم على الصّليب ومات من أجلنا لننال الخلاص وشفاء النّفس؟! الله لا يحتاج شكرنا، لكنّ شكرنا إقرار منّا واعتراف بأنّه مصدر كلّ خيرٍ وشفاءٍ ونعمة.
ولأنّ الشّكر واجب، لنشكر الله، نحن اللّبنانيّين، لأنّه استجاب طلباتنا فدبّت الحيويّة في صفوف نوّابنا، وانتخبوا رئيسًا للجمهوريّة، وسمّوا رئيسًا لمجلس الوزراء، نأمل أن يشكّل حكومةً تعمل بتناغمٍ وعلمٍ وجدّيّةٍ على إخراج البلد من النّفق المظلم إلى رحاب الحرّيّة والدّيمقراطيّة الحقيقيّة والحرّيّة والمساواة والمواطنة والتّطوّر، متمنّين لهم التّوفيق والنّجاح.
واجبنا أن نشكر الله كلّ حينٍ، إن حصلنا على ما نريده أو لم نحصل، لأنّ الله يعرف الصّالح لنفوسنا والنّافع لخلاصنا. يوصينا الرّسول بولس قائلًا: "أشكروا في كلّ شيءٍ لأنّ هذه مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم" (1تس 5: 18)، وأيضًا: "امتلئوا بالرّوح... شاكرين كلّ حينٍ على كلّ شيءٍ في اسم ربّنا يسوع المسيح، لله والآب" (أف 5: 18 - 20)، آمين."