لبنان
11 كانون الأول 2023, 06:55

عوده: كيف يحاسب مجلس النّوّاب، الّذي ينوب عن الشّعب ولا يجتمع، حكومةً هي صورة مصغّرة عنه؟

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المطران الياس عوده خدمة القدّاس الإلهيّ في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس، تخلّلها جنّاز لراحة نفس البطريرك إغناطيوس الرّابع هزيم في الذّكرى الحادية عشرة لرحيله.

بعد قراءة الإنجيل المقدّس، ألقى عوده العظة التّالية: "أحبّائي، سمعنا في إنجيل اليوم عن شفاء يسوع امرأةً منحنية الظّهر يوم سبت. تأتي هذه الحادثة بعد كلام الرّبّ على التّوبة ثمّ على التّينة غير المثمرة الّتي أعطاها الفلّاح فرصةً أخيرةً لتحمل ثمرًا وإلّا سيقطعها.  

أظهر الرّبّ أهمّيّة التّوبة وضرورة عدم الإبطاء في طلبها، ثمّ شفى المرأة فكانت مثالًا عمليًّا على أنّ من يقدّم توبةً حقيقيّةً يحصل على راحة من الضّعف والانحناء اللّذين تسبّبهما الخطيئة الّتي تثقل كاهل الإنسان الّذي أتى المسيح ليحرّره منهما ومن مكائد إبليس وعبوديّته. بالتّوبة نحصل على فرصة جديدة لنثمر ثمار الرّوح القدس، والانحناء الوحيد المسموح به للمؤمن يكون بسبب كثرة الثّمار الّتي يحملها، أمّا إذا انحنى تحت وزر الخطايا، فسيأتي وقت تكسر فيه أغصانه وتلقى في النّار.  

كان الرّبّ يسوع يجترح المعجزات في السّبوت، لكي يمنح كلّ متألّم ومريض الرّاحة في السّبت الّذي هو يوم راحة. أراد إخراج الشّعب من الفهم الحرفيّ للنّاموس، وإعطاء السّبت معنًى جديدًا وحقيقيًّا للرّاحة، بإتمام شفاء كلّ أمراض النّفس والجسد. يقول القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفمّ: "إنّ المسيح كان يعلّم في المجامع بهدوء ليعلن أنّه لم يأت ليقاوم النّاموس بل ليكمّله، أمّا تعليمه في السّبت فلأنّ اليهود كانوا ينشغلون فيه بسماع النّاموس".  

لقد وضعت كنيستنا المقدّسة هذا النّصّ الإنجيليّ في مسيرتها نحو ميلاد المخلّص، لكي تجعلنا ندرك أنّ لا شفاء لنا بعيدًا عن المسيح. يقول القدّيس كيريلّس الإسكندريّ: "الآن تجسّد الكلمة وأخذ طبيعتنا البشريّة ليحطّم الموت والدّمار، وينزع الحسد الّذي بثّته الحيّة القديمة ضدّنا، هذه الّتي كانت العلّة الأولى للشّرّ. هذا واضح لنا من الحقائق ذاتها، إذ حرّر المسيح ابنة إبراهيم من مرضها الطّويل المدى قائلًا: يا امرأة إنّك محلولة من ضعفك. كلام الرّبّ هذا يحمل قوّةً فائقةً للطّبيعة وبإرادته الملوكيّة نزع المرض".  

بعدما شفيت المرأة من مرضها استقامت ومجّدت الله. هذا التّمجيد هو علامة الشّفاء الحقيقيّ، ودليل أنّ ثقل الخطيئة قد أزيح، ورباط العبوديّة للشّيطان قد حلّ، فتحرّر الإنسان وعاد إلى الصّورة الأولى الّتي خلقه الله عليها. لكنّنا نلاحظ أنّ رئيس المجمع اغتاظ لأنّ السّبت بالنّسبة إليه كان أهمّ من المرأة المعذّبة. لقد قام الرّبّ بهذا العمل في يوم سبت ليشير إلى أنّ الإنسان يكمل النّاموس متمتّعًا بالنّعمة، فيستطيع برحمة الرّبّ التّحرّر من متاعب الجسد الضّعيف. إلّا أنّ رئيس المجمع لم يفهم هذه الحقيقة، لذا لم يقبل إتمام الشّفاء في السّبت. لهذا، أجابه الرّبّ: "يا مرائي، أليس كلّ واحد منكم يحلّ ثوره أو حماره في السّبت من المذود، وينطلق به فيسقيه؟" مذكّرًا رئيس المجمع بما قاله إشعياء النّبيّ: "الثّور يعرف قانيه، والحمار معلف صاحبه، أمّا إسرائيل فلا يعرف، شعبي لا يفهم" (1: 3). يشير الرّبّ هنا إلى أنّ الشّعب اليهوديّ يشبه الأمم، رغم وجود رؤساء المجمع. إنّهم في حالة عطش ومرارة إلى العالم رغم وجود الرّبّ ينبوع الحياة.  

يا أحبّة، كثيرون من الزّعماء والمسؤولين ومن بعض فئات الشّعب في هذا البلد يشبهون رئيس المجمع، ويظنّون أنّهم يطبّقون النّاموس، لكنّهم بالفعل يزيدون الأثقال على كاهل المواطن. فرغم ضيق حال المواطن لا تفوّت الحكومة فرصةً من أجل فرض رسوم وضرائب جديدة، فيما نسمع بصفقات ومناقصات مشبوهة ربما تفوّت على الدّولة أموالاً طائلة. وعوض تعزيز الجباية، ومكافحة التّهريب، ومنع التّهرّب الضّريبيّ والجمركيّ، والتّغاضي عن استغلال عقارات الدّولة، تقترح زيادات على الضّرائب والرّسوم من أجل زيادة إيراداتها، بصرف النّظر عن مستوى دخل المواطنين أو إمكانيّاتهم الماليّة، وقد هدرت أموالهم في المصارف بسبب أخطاء يتبرّأ الجميع منها.  

لو شهد بلدنا محاسبةً فعليّةً لما هدر المال العام، ولما خسر المواطنون ودائعهم وانهار الاقتصاد ومعه البلد. ولكن كيف يحاسب مجلس النّوّاب، الّذي ينوب عن الشّعب ولا يجتمع، حكومةً هي صورة مصغّرة عنه؟ كيف تتمّ المحاسبة إن لم يكن فصل حقيقيّ للسّلطات. من هنا ضرورة انتخاب رئيس للبلاد في أسرع وقت ممكن، وتشكيل حكومة تتولّى إدارة البلد وحماية البشر وتأمين الاستقرار وتفعيل عمل المؤسّسات وملء كلّ الشّغور فيها لكي تعود عجلة الدّولة إلى العمل، وتستقيم الأمور العالقة. هذا بالإضافة إلى ضرورة وجود سلطة تنفيذيّة فاعلة في هذه الظّروف المصيريّة، تتولّى حفظ سيادة لبنان وصون حدوده وحمل صوته إلى حيث يجب، والدّفاع عن وجوده ومصيره وحقوقه كي لا يكون ورقةً يتلاعب بها الجميع بما يناسب مصالحهم، وكي لا يكون ساحةً يستغلّها كلّ من أراد تصفية حساب أو تسجيل موقف.  

دعوتنا اليوم أن نشعر بمحبّة الرّبّ الّذي تجسّد من أجل خلاصنا، وأن نرفع ظهورنا المنحنية بثقل الخطايا، تائبين ومعترفين، لكي نهيّئ ذواتنا لاستقبال ملك المجد.  

وصلاتنا أن يترأّف الرّبّ بنا ويسمع دعاءنا ويبسط سلامه على منطقتنا وعلى بلدنا ويرأف بإنسان هذه المنطقة الّتي ما برح شبح الحرب مخيّمًا عليها، يفتك ببشرها وحجرها بوحشيّة فائقة، والضّمير العالميّ غافل، يتلهّى بأولويّاته. نصلّي من أجل كلّ طفل يقهر وكلّ بريء يظلم وكلّ بلد تنتهك حقوقه وكلّ شعب يشرّد، ونسأل الله أن يبعد عن بلدنا كلّ شرّ وتشرذم ويأس آمين."