لبنان
24 نيسان 2025, 11:15

عوده في عيد مار جاروجيوس: بالمحبّة يمكننا جذب الآخر نحو المسيح

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة عيد القدّيس العظيم في الشّهداء جاورجيوس اللّابس الظّفر، وعيد مستشفى القدّيس جاورجيوس وبيت القدّيس جاورجيوس للمسنّين وجامعة القدّيس جاورجيوس، ترأّس متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المطران الياس عوده خدمة القدّاس الإلهيّ في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس بحضور المسؤولين والعاملين في هذه المؤسّسات.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى العظة التّالية:

"المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للّذين في القبور.

أحبّائي، في غمرة الفصح البهيّ، يشرق علينا عيد العظيم في الشّهداء جاورجيوس الحائز راية الظّفر بهيًّا لامعًا كما نرتّل في هذا اليوم المبارك.

يقف هذا القدّيس العظيم أمامنا اليوم كمثال بشريّ حيّ يدحض كلّ الحجج الواهية الّتي نسوقها أنّنا بشر ضعفاء ولا يمكننا الوصول إلى القداسة والتّألّه، لأنّنا لا بدّ عائدون إلى الخطيئة بسبب طينتنا السّريعة العطب. لقد عانى القدّيس العظيم جاورجيوس الأمرّين بسبب إيمانه بالمسيح يسوع، لكنّ شيئًا لم يثنه عن محبّة خالقه ومخلّصه، فقدّم نفسه شهيدًا على مذبح تلك المحبّة.

إنّ سيرة قدّيسنا العظيم وعذاباته وعجائبه غنيّة عن التّعريف والتّكرار. يكفينا أن نسمع المديح اللّائق به والتّراتيل الّتي تنشد في عيده حتّى نلمس عظم إيمانه بالمسيح. لقد كان ذا غنًى وبأس، لكنّه لم ينكر المسيح رغم الضّغوط الكبيرة، ولم يخش على منصبه كقائد عسكريّ، بل واجه الشّهادة بشجاعة وسلام، الأمر الّذي حرّك نفوس العديد من الوثنيّين الّذين عاينوا شجاعته، فانجذبوا نحو جمال المسيح والإيمان به.

ميزة فريدة عند القدّيس العظيم جاورجيوس جعلته محبوبًا ومكرّمًا حتّى من غير المسيحيّين، هي المحبّة الّتي أظهرها تجاه من هم على غير إيمانه. ففي إحدى الأيقونات الّتي تصوّر سيرته، يظهر القدّيس على حصانه، بلباسه العسكريّ، يقتل تنّينًا بواسطة حربة، بغية إنقاذ فتاة من خطر إلقائها فريسةً لذلك التّنّين. لقد سأل القدّيس الفتاة عن إيمان أهلها، وعلم أنّهم من الوثنيّين، لكنّه لم يتردّد لحظةً في إنقاذها مع كامل المدينة، من الوحش. هذه القصّة، على رمزيّتها، تظهر لنا أنّنا بالمحبّة يمكننا جذب الآخر نحو المسيح. فكلّ إنسان مخلوق على صورة الله ومثاله، وليست هناك فئة لديها الحظوة في عينيّ الرّبّ أكثر من سواها. هذا ما أوضحه لنا الرّبّ نفسه في العهد القديم، عندما شرح لمن دعوا أنفسهم "شعب الله المختار"، أنّه خلق جميع الأمم وسيخلّصهم جميعًا. لهذا أرسل الأنبياء، ثمّ أرسل ابنه الوحيد، وبعده الرّسل والكارزين، والكنيسة، إلى جانب الكتاب المقدّس، لكي "لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة" (يو 3: 15).

هذا تمامًا ما تحاول مؤسّسات أبرشيّتنا المحروسة بالرّبّ القيام به، خصوصًا تلك الّتي اتّخذت من القدّيس جاورجيوس شفيعًا لها. فمستشفى القدّيس جاورجيوس، وبيت القدّيس جاورجيوس للمسنّين، وجامعة القديس جاورجيوس، كلّها تعمل مع الإنسان ومن أجله، بغضّ النّظر عن انتماءاته، متمثّلةً بالمسيح أوّلًا، ثمّ بشفيعها العظيم في الشّهداء، وهذا ما ندأب دومًا على التّذكير به، وما يحاول جميع العاملين في هذه المؤسّسات تحقيقه، رغم الضّعفات البشريّة الّتي قد تقف عائقًا أحيانًا. هدف مؤسّساتنا هو الوصول بالإنسان ومعه إلى الغاية الأسمى، إلى السّكنى في محبّة الرّبّ حيث الرّاحة والفرح والسّلام.

يا أحبّة، لقد حبا الله القدّيس جاورجيوس نعمًا كثيرةً جعلت منه قدوةً لكثيرين، وقد تسمّى الكثيرون باسمه واتّخذوه شفيعًا، كما اتّخذته مدن عديدة شفيعًا لها. ولا ننسى طبعًا أنّه شفيع مدينتنا الحبيبة بيروت. ولمن لا يعلم فقد سمّي خليجها منذ القديم خليج القدّيس جاورجيوس رغم أنّ البعض يحاول طمس هذه الحقيقة.

إنّ محبّتنا للقدّيس جاورجيوس تنبثق من محبّتنا لله الآب الّذي قال عنه الرّبّ يسوع إنّه "يشرق شمسه على الأشرار والصّالحين، ويمطر على الأبرار والظّالمين" (مت 5: 45). ومحبّة الجميع للجميع قد أشار إليها الرّبّ يسوع بوضوح في مثل السّامريّ الشّفوق. كما حثّنا الآباء القدّيسون على نشر روح المحبّة من دون تفرقة. لذا، في عالم ماديّ استهلاكيّ تتنوّع فيه الانتماءات، وتسود محبّة الذّات والتّعلّق بالمصالح، نحن مدعوّون للعمل بهدي محبّة المسيح على ضوء روحيّة الإنجيل. لا ننظرنّ إلى الآخر كعدوّ أو كمبغض لأنّه مختلف عنّا في الدّين أو الفكر أو الانتماء، بل علينا أن نساعد من هم في الحاجة، كما قال القدّيس نكتاريوس: "إنّ الاختلاف الدّينيّ لا يلغي محبّة الواحد تجاه الآخر"، آمين."