لبنان
26 آذار 2025, 10:30

عوده في عيد بشارة والدة الإله: نحن مدعوّون للرّدّ بإيمان وثقة على وعود الله

تيلي لوميار/ نورسات
إلى الاقتداء بمريم العذراء، بتواضعها وطاعتها وتكرّسها لله، دعا متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس الياس عوده المؤمنين في عيد بشارة والدة الإله، خلال قدّاس إلهيّ ترأّسه في كاتدرائيّة مار جاورجيوس- بيروت.

وفي هذا السّياق، قال عوده: "أحبّائي، نعيّد اليوم لعيد بشارة سيّدتنا والدة الإله. إنّه عيد إعلان الملاك جبرائيل للعذراء مريم أنّها ستحبل وتلد ابن الله. عندما نغوص في أعماق هذا اللّقاء الإلهيّ، نكتشف أهمّيّة عيد البشارة في اللّاهوت الأرثوذكسيّ وفي حياتنا اليوم.

يعتبر عيد البشارة حجر الزّاوية في الإيمان الأرثوذكسيّ إذ يؤكّد على سرّ التّجسّد الإلهيّ. نقرأ في الإنجيل بحسب لوقا الإنجيليّ (1: 26-38) أنّ رئيس الملائكة جبرائيل ظهر لمريم العذراء قائلًا: "سلام لك أيّتها المنعم عليها. الرّبّ معك!". بهذه الكلمات، أعلن رئيس الملائكة خطّة الله الاستثنائيّة للسّكنى بين البشر في شخص الرّبّ يسوع المسيح. أمّا إجابة العذراء مريم المتواضعة: "ها أنا أمة للرّبّ، فليكن لي كقولك"، فتدلّ على خضوعها الكامل لإرادة الله، ما جعلها نموذجًا للطّاعة والإيمان لجميع المؤمنين.

يؤكّد حدث البشارة أيضًا على العلاقة العميقة بين العهدين القديم والجديد. ففي إعلان البشارة بميلاد المسيح، تعكس كلمات رئيس الملائكة جبرائيل نبوءات أسفار العهد القديم المقدّسة، خصوصًا نبوءة إشعياء النّبيّ عن عذراء تحبل وتلد ابنًا (7: 14). يؤكّد اللّاهوتيّون الأرثوذكسيّون على استمراريّة خطّة الله الخلاصيّة عبر التّاريخ، الّتي تبلغ ذروتها في تحقيق هذه الوعود القديمة من خلال المسيح. هكذا، تمثّل البشارة ذروة تاريخ الخلاص، وتشكّل جسرًا بين العهدين القديم والجديد، وتدشّن عصرًا جديدًا من النّعمة والمصالحة بين الله والنّاس.

علاوة على ذلك، تسلّط بشارة والدة الإله الضّوء على الدّور المحوريّ لمريم العذراء في مشروع الله الخلاصيّ. يكرّم المسيحيّون العذراء باعتبارها والدة الإله، معترفين بمكانتها الفريدة وقائلين إنّها فائقة القداسة. من خلال إجابتها، قبلت والدة الإله الدّعوة الإلهيّة، بكامل حرّيّتها، لتصبح أمّ ربّنا، مظهرة تواضعًا ونقاء وتكريسًا لا مثيل له. في إجابتها، نشهد ذروة التّعاون البشريّ مع نعمة الله، ونموذجًا للتّلمذة لجميع المؤمنين، لذلك عندما نكرّمها، نكرّم بها ربّنا يسوع المسيح، كما أعلن القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفمّ ببلاغة قائلًا: "كلّ إكرام نقدّمه لمريم يعود إلى مجد المسيح".

كذلك، يحمل حدث البشارة مفاهيم جوهريّة في رؤيتنا إلى الطّبيعة البشريّة وقدسيّة الحياة. باختياره الدّخول إلى العالم من خلال أحشاء امرأة، يؤكّد الرّبّ كرامة كلّ حياة بشريّة وقدسيّتها، منذ الحبل بها حتّى الموت الطّبيعيّ. يؤكّد اللّاهوت الأرثوذكسيّ على قدسيّة الإنسان باعتباره ذروة خليقة الله، المدعوّ للشّركة مع الإله. هكذا، تحثّنا البشارة على احترام قدسيّة الحياة وحماية أعضاء المجتمع الأكثر ضعفًا، بما فيهم الّذين لم يولدوا بعد، والمهمّشين، والمرضى والمضطهدين.

تشكّل بشارة والدة الإله مصدر رجاء وعزاء لجميع الّذين يطلبون رحمة الله وفداءه. في وسط عالم مضطرب وساقط، تعلن رسالة البشارة "البشرى السّارّة" عن محبّة الله وأمانته اللّتين لا تنضبان. وكما فتحت الـ"نعم" الّتي قالتها مريم باب الخلاص للبشريّة جمعاء، كذلك نحن مدعوّون للرّدّ بإيمان وثقة على وعود الله. عندما نتأمّل في سرّ التّجسّد، علينا الاقتداء بمثال العذراء مريم في التّواضع والطّاعة والتّكريس، وأن نعلن بفرح موسم مجيء المسيح إلى العالم.

يشكّل عيد البشارة منارة رجاء وشهادة لمحبّة الله غير المحدودة للبشريّة. لذا نحن مدعوّون من خلال هذا الحدث المقدّس، إلى الدّخول، في عمق سرّ التّجسّد، وقبول دعوتنا كأبناء الله الأحبّاء. رجاؤنا في هذا العيد أن نستجيب، مثل والدة الإله، لدعوة الله بإيمان وثقة، حتّى نكون نحن أيضًا "منعمًا علينا".

يا أحبّة، يحتفل اليوم إخوتنا اليونانيّون بعيدهم الوطنيّ، عيد نيلهم الحرّيّة والإستقلال بعدما ثاروا على الوجود العثمانيّ في أرضهم، وقامت حرب الاستقلال الّتي انتهت بانسحاب الأتراك وإعلان استقلال اليونان مطلع ثلاثينات القرن التّاسع عشر. فهنيئًا لهم الاستقلال والعيش في حرّيّة وكرامة، وفي ازدهار، بفضل إرادة الإصلاح، فيما نحن ما زلنا نرزح تحت نير انهيار اقتصاديّ وصعوبات سياسيّة وأمنيّة لم نستطع تجاوزها بسبب عدم وجود إرادة للإصلاح والإنقاذ وتجاوز الخلافات والمصالح.

نتمنّى لإخوتنا اليونانيّين، وللسّفيرة اليونانيّة العزيزة، ولكلّ أعضاء الجالية اليونانيّة في لبنان عيدًا سعيدًا، ولبلدنا لبنان القيامة من الهاوية. ليحفظهم الله ويحفظ بلدينا لبنان واليونان. آمين."